
رصاصة شاتيلا… إيليو ضحية فوضى السلاح الفلسطيني
رصاصة واحدة أنهت حياة الشاب إيليو إرنستو أبو حنا، متخرّج الكيمياء الطموح، عند مدخل مخيّم شاتيلا في بيروت، لتتحوّل لحظة عبور عادية إلى مأساة تهز الضمير اللبناني.
في قلب العاصمة، حيث يُفترض أن يسود القانون والأمن، يتحوّل الحاجز إلى محطة موت غير مبرّرة، ويموت شاب لم يحمل سوى حلمه ومستقبله، تحت ذرائع “الأمن الذاتي” داخل المخيّمات الفلسطينية.
هذا الحدث يطرح أسئلة صادمة: كيف يستمرّ وجود السلاح خارج سلطة الدولة؟ ولماذا لا يضمن النظام الأمني حماية المدنيين الأبرياء؟ إيليو لم يكن ضحية خطأ شخصيّ، بل ضحية فراغ الدولة وسيطرة السلاح غير المنضبط. اليوم، لا يمثل إيليو مجرّد اسم، بل هو رمز لوضع أمني هش، ووجع عائلات تنتظر العدالة في وطن فقد السيطرة على مناطقه.
الليلة الأخيرة قبل المأساة
تفيد روايات أصدقاء مقرّبين من الضحية أن إيليو زار أحد أصدقائه مساء السبت في جلّ الديب، وغادر عند الساعة الحادية عشرة ليلًا بعدما اعتذر صديقه عن مرافقته لتناول العشاء بسبب انشغاله بالدراسة.
توجّه إيليو بعدها بمفرده إلى مطعم في بدارو، حيث التقط صورة أثناء تناوله الطعام، واتصل بوالدته ليطمئنها قائلًا إنه سيتوجّه بعدها إلى المنزل، وكان يستمع إلى الموسيقى أثناء القيادة… قبل أن يتحوّل طريقه إلى مسرح دمٍ وصمتٍ ثقيل.
سلاح خارج الدولة وأسئلة بلا أجوبة
تُظهر المعطيات أن الشاب لم يتوقف عند الحاجز ربما خوفًا، أو لأنه أدرك أن العناصر ليست من الجيش اللبناني.
لكن السؤال الأهمّ يبقى: لماذا أُطلق الرصاص مباشرة على السيارة، وليس على إطاراتها كما تقتضي القواعد العسكرية؟
ولماذا يُسمح لعناصر فلسطينية بإقامة حاجز أمنيّ عند مدخل المخيّم بعدما أُعلنت خطة جمع السلاح من المخيّمات في آب الماضي؟ وأين كانت عناصر الجيش اللبناني التي يُفترض أن تكون مسؤولة عن هذه النقطة الأمنية الحسّاسة؟
قد يكون إيليو قد صدّق رواية خطة جمع السلاح التي أُطلقت في آب الماضي، تنفيذًا لما اتفق عليه بين الرئيسين جوزاف عون ومحمود عباس في 21 أيار الفائت، لتنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان وحصر السلاح بيد الدولة.
ووفق الخطة، نُفذت العملية على ثلاث مراحل بدأت من بيروت، مرورًا بمخيّمات صور، وصولًا إلى البداوي شمالًا وعين الحلوة جنوبًا، الذي يُعدّ الأكثر حساسية بسبب تعقيداته الأمنية.
غير أن جريمة شاتيلا طرحت شكوكًا جدّية حول مدى تطبيق هذه الخطة فعليًا، بعدما تبيّن أن الحواجز الفلسطينية لا تزال قائمة ومسلّحة.
صرخة أمّ مفجوعة
في حديثها لـ “نداء الوطن”، قالت والدة إيليو: “لم نكن نعلم أن حاجزًا سيوقفه بهذه الطريقة، لم يكن يحمل شيئًا سوى حلمه ومستقبله… خرج ولم يعد”.
وأضافت بحرقة: “نطالب بأن تأخذ العدالة مجراها، وأن يُحاسب كلّ من ضغط الزناد”.
كلمات الأمّ المفجوعة تلخص مأساة عائلة فقدت ابنها الوحيد في لحظة عبثيّة، وتختصر سؤال وطنٍ بأكمله عن معنى الأمان والمساءلة.
استنكارات رسمية ومواقف سياسية
أدانت لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني في بيانٍ “الجريمة الأليمة التي أدّت إلى مقتل الشاب إيليو إرنستو أبو حنا”، وتقدّمت بأصدق التعازي من عائلته ومحبّيه.
وأكّدت أنها تتابع التحقيق الجاري تمهيدًا لمحاسبة المرتكبين، مشدّدة على أن “العبرة الأساسية من هذه الجريمة هي أن السلاح الذي لا يزال بيد بعض الفصائل والمجموعات المسلّحة داخل المخيّمات لا يخدم القضية الفلسطينيّة بشيء، بل يشكّل خطرًا على استقرار لبنان وأمن أهله”.
كما جدّدت اللجنة التزامها بمسار حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية ومؤسّساتها الشرعية حصرًا، وبسط سلطتها على كامل أراضيها.
التحقيقات مستمرّة وسط فرضيّات متناقضة
ووفق معلومات “نداء الوطن”، تستمرّ التحقيقات المشتركة بين الأمن الفلسطيني والجيش اللبناني في الحادثة.
وفي حين تشير بعض الروايات إلى أن إيليو دخل المخيّم عن طريق الخطأ بعدما تاه في الطريق عقب خروجه من المطعم، تُطرح علامات استفهام عدّة حول هذه الفرضية، إذ إن الضحية ليس طفلًا ليضيع، كما أن بإمكانه استخدام الخريطة عبر هاتفه لتحديد مساره.
وتلفت مصادر أمنية إلى أن الحواجز التي يقيمها الأمن الفلسطيني أو اللجان المشتركة داخل المخيّم باتت بمعظمها “طيّارة”، تُستخدم لملاحقة تجّار ومروّجي المخدّرات والمخلّين بالأمن، عقب سلسلة المداهمات التي نفذها الجيش اللبناني في الأسابيع الأخيرة.
دم إيليو… مرآة الفوضى وغياب العدالة
تختصر جريمة شاتيلا وجع اللبنانيين جميعًا: شاب خرج ليعود إلى منزله، فعاد جثة برصاص خارج سلطة الدولة.
رصاصة واحدة أعادت طرح السؤال القديم – الجديد: كيف يبقى السلاح الفلسطيني حاضرًا بعد إعلان سحبه؟
ومن يضمن ألّا يتحوّل “الأمن الذاتي” في المخيّمات إلى فوضى تصيب الأبرياء؟
يبقى دم إيليو شاهدًا على واقعٍ مريضٍ اسمه الإفلات من العقاب، وعلى وطنٍ يطالب بالعدالة…
رحم اللّه إيليو، وألهم لبنان شجاعة المواجهة بدل الصمت.
