خاص – من أبراج غزة إلى أبراج الضاحية

خاص – من أبراج غزة إلى أبراج الضاحية

الكاتب: نبيل موسى | المصدر: Beirut24
29 تشرين الأول 2025

هل الصدفة هي التي جمعت المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس والأمين العام للجامعة العربية احمد ابو الغيط ورئيس الاستخارات المصرية حسن رشاد في بيروت، التي من المفترض ان تستقبل أيضا المبعوث السعودي الامير يزيد بن فرحان والمبعوث الاميركي توم براك خلال ايام؟

زحمة الموفدين هذه في بيروت تعيدنا بالذاكرة الى ما شهده لبنان من زحمة مبعوثين قبيل اندلاع الحرب الكبرى بين “حزب الله” واسرائيل، بدءًا بعملية البيجر وانتهاءً باغتيال الأمين العام السابق للحزب السيد حسن نصرالله، وما بينهما من ضربات إسرائيلية دفعت “حزب الله” مرغمًا للتوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النار التي وُصفَت في حينه باتفاقية الاستسلام، نظرًا لملحقاتها التي أتاحت لإسرائيل مواصلة الحرب من طرف واحد.

واللافت أيضا ان “عجقة” الموفدين تأتي في اعقاب التحذيرات الاميركية والاوروبية الأخيرة من استعدادات إسرائيلية لشنّ حرب كبرى على لبنان، بعد فشل الحكومة اللبنانية في تنفيذ قرار حصرية السلاح، ما يعني بالدرجة الاولى تسليم او سحب سلاح “حزب الله” تنفيذا لاتفاق وقف اطلاق النار والقرارات الدولية ذات الصلة.

ولا بد من الاشارة في هذا السياق الى ان حرب إسرائيلية كبرى على لبنان لا تعني بالمفهوم العسكري إلا أمرا واحدا لا يحتمل التفسير والتاويل، وهو أن تنفذ اسرائيل اجتياحًا بريًا للبنان قد يكون أوسع من اجتياح 1982 للقضاء على “حزب الله” وتدمير قواعده العسكرية، خاصة بعدما أثبتت الحرب الأخيرة أن الضربات الجوية والعمليات الاستخباراتية نجحت في إنهاك الحزب وشل قدراته وليس في إنهائه؟

ولكن، هل لأصحاب هذه النظرية ومطلقي هذه التهديدات ان يقدّروا حجم الخسائر الإسرائيلية المتوقعة لمثل هذه العملية؟ وهل يعتقدون أن حكومة بنيامين نتنياهو مستعدة لدفع مثل هذا الثمن، في وقت تواصل طائراتها حرب استنزاف من طرف واحد ضد “حزب الله” موقعة نحو 350 قتيلًا في صفوفه خلال نحو عام، في مقابل صفر خسائر بشرية في صفوف جنودها؟

بناءً عليه، وانطلاقًا من التجربة الإسرائيلية في غزة ومسار الحرب هناك وصولًا الى الاتفاق الأخير، ليس من المرجّح أن تلجأ اسرائيل الى خيار الحرب البرية ضد لبنان، لأن الحرب الجوية المستمرة بعد اتفاق وقف اطلاق النار أثبتت فاعليتها بالنسبة لتل أبيب التي يبدو انها مستعدة لمواصلتها لسنوات اذا اقتضى الأمر.

هذا الاحتمال، الذي يفضله الجيش الاسرائيلي بالتأكيد، ترى تل أبيب انه الأقل كلفة وإن بمزيد من الوقت، وهي ترى ان السلاح الأمضى الذي يجب ان يواكبه هو تشديد الحصار المالي على “حزب الله”، في وقت هو بأمسّ الحاجة الى المال لإعادة الإعمار وتخفيف الاحتقان داخل بيئته التي قدّمت كل انواع التضحيات ومُنيت بخسائر بشرية ومادية غير مسبوقة في الحرب الأخيرة.

إنها الحرب الاقتصادية التي قد تتجاوز بمفاعيلها الحرب العسكرية، وهي التي بدا أن إسرائيل قد اعتمدتها فعلًا في الأيام الأخيرة قبل اتفاق وقف النار في غزة، عندما راحت تدمّر عمدًا ومن دون مبرّر عسكري الأبراج السكنية التي تضم مئات الشقق السكنية والشركات والمؤسسات. إنها الحرب الاقتصادية بأبشع صورها وإجرامها، لأن من ينجو من الحرب ليجد نفسه بلا مأوى أو بلا عمل لن يكون وضعه أفضل من الذي قتل في الحرب.

انطلاقًا من تجربة غزة، من المرجّح ان تلجأ إسرائيل الى السيناريو نفسه في لبنان، بمعنى أن تكتفي بتوسيع الحرب الجوية فقط لتطال أهذافًا اقتصادية موجعة لـ”حزب الله” وبيئته. ومن هذا المنطلق ثمة مخاوف كبرى مبرّرة من ان توسّع إسرائيل نطاق غاراتها لتشمل الضاحية الجنوبية والمدن الشيعية الكبرى مثل صور والنبطية وبعلبك وغيرها، ليكون بالتالي مصير أبراج الضاحية مشابهًا لمصير أبراج غزة، على أمل، بالنسبة لإسرائيل طبعًا، أن يكون الحل النهائي في لبنان مشابهًا أيضًا للحل في القطاع.

فإذا اعتمدت اسرائيل مثل هذا السيناريو، الذي من غير المرجّح أن تعترض عليه الولايات المتحدة لزيادة الضغط على الحكومة اللبنانية، هل يمكن لـ”حزب الله” تحمّل نتائجه، وهو يتابع عداد العائلات المشرّدة في تصاعد يومي في ظل قدراته المتراجعة على المساعدة؟ فهل يكون سلاح الدولار الأميركي أقوى من الطائرات والدبابات الإسرائيلية؟