“طائف” إقليميّ: هل يبقى شيعة لبنان خارجه؟

“طائف” إقليميّ: هل يبقى شيعة لبنان خارجه؟

الكاتب: محمد بركات | المصدر: اساس ميديا
29 تشرين الأول 2025

تدخل المنطقة زمناً جديداً، تُعاد فيه صياغة الخرائط على مبدأ “حلّ الميلشيات وبسط سيادة الدولة”. يولد طائفٌ جديدٌ، ليس لبنانيّاً، بل إقليميّ شامل. لكنّ السؤال: هل يتكرّر الخطأ ويبقى شيعة لبنان خارجه كما فعلوا في 1920؟

 

في عام 1990، رفض معظم قادة الكتل المسيحية الكبرى في لبنان أن يدخلوا في “زمن الطائف”. هي تسوية أميركيّة– سعوديّة قضت بتكليف نظام حافظ الأسد إدارة لبنان.

منهم من سُجِن لاحقاً. منهم من نُفِيَ. منهم من هَرَبَ بالبيجاما إلى أقرب سفارة غربيّة… فكانت التسعينيّات التي أذاقت المسيحيّين “الويل”. لأنّ زعماءهم أخطؤوا في قراءة “اللحظة الإقليميّة” و”اللحظة الدوليّة”.

حين خرج المسيحيّون من السلطة، كان الشيعة يدخلون إليها. كانت تلك لحظة صعود “الشيعيّة السياسيّة”. أي لحظة “دخول” القيادة الشيعيّة الجديدة، ممثّلة بحركة “أمل” و”الحزب”، إلى جنّة السلطة في لبنان. بداية شراكة الشيعة في الحكم، للمرّة الأولى. هم الذين في 1920 رفضوا الانضمام إلى “دولة لبنان الكبير” ووالوا “المملكة العربيّة السوريّة” بقيادة فيصل بن الشريف حسين. فدفعوا الثمن عشرات الأعوام خارج النظام والدولة والإدارة.

طائف إقليميّ جديد

هذه المرّة الطائف ليس في مدينة الطائف. بل في المنطقة كلّها. بندٌ واحدٌ يتكرّر: “السلاح للدّولة، أيّاً كانت الدولة، وأيّاً كانت الأراضي”.

“الطائف الإقليميّ” الجديد تنسخ أهمّ بنوده ما نصّ عليه “اتّفاق الطائف” اللبناني. خلاصته تجريد كلّ الأقلّيّات والميليشيات والأحزاب من أسلحتها. كرديّةً (قسد) كانت، أو درزيّةً (في السويداء)، أو سنّيّة (في إدلب)، أو شيعيّة (في جنوب لبنان)…

هناك اتّفاق بات واضحاً ومعلناً، يقضي بأن تكون المنطقة خالية من كلّ سلاحٍ خارج “الدولة” المركزيّة. هو اتّفاق يحظى بدعم العرب ورضاهم. باعتبارهم “عرّابي” هذه “الدولة الوطنيّة”. صاحب المشروع هو أميركا، بطائراتها المُسَيَّرَة والمُخَيَّرَة. بقيادة الرئيس دونالد ترامب.

أمام هذا “الطائف الإقليميّ” تكرّر قيادة الشيعة في لبنان، ممثّلة بـ”الحزب” وحركة أمل، الخطأ نفسه الذي ارتكبه الشيخ عبدالحسين شرف الدين في 24 نيسان 1920. كلّف الشيعة يومئذٍ إحراق بيوتهم وبلداتهم واعتقال بعض قادتهم وقتل البعض الآخر، على يد القوّات الفرنسيّة.

هل يمكن مواجهة “الطّائف الإقليميّ”؟

خطأ 1920 تعطفه قيادة “الحزب” تحديداً اليوم على خطأ قادة المسيحيّين في 1989. يومها قرّروا التمرّد. ظنّاً منهم أنّهم يستطيعون الوقوف في وجه “القرار الإقليميّ والدوليّ”.

يظنّ “الحزب” اليوم، ومن خلفه إيران، أنّ “العاصفة” ستمرّ. كما مرّت عواصف كثيرة من قبل. وسيبقى “الحزب” وسلاحه الإيرانيّ بعد مرورها أو بعد رحيل ترامب. على ما يراهنون. لكنّها ليست عاصفة هذه المرّة. بل مناخٌ جديدٌ، يُعيد ترتيب المنطقة كلّها.

في التسوية الجديدة تتقاطع مصالح الدول الكبرى عند الأمن والاقتصاد. من الممرّات البرّيّة والبحريّة إلى اتّفاقات الحدود ومشاريع إعادة الإعمار. لهذه الأسباب تريد المنطقة خاليةً من الأسلحة التي يمكن أن “تقطع الطريق” على هذه المشاريع الحيويّة والتاريخيّة. كما حاول الإيرانيّ في 7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2023 أن يفعل.

تدير قيادة “الحزب” اليوم ظهرها لمحيطها العربيّ، وتقرّر الاستمرار في الاستثمار بالمشروع الإيرانيّ الآفل، الذي توشك دورته التاريخيّة أن تغلق دائرتها.

دماء الشّيعة… ودورهم في لبنان

يكرّر التاريخ نفسه كمأساة وهذه المرّة كملهاة. هذه المرّة سيدفع الشيعة مجدّداً الثمن، من دمائهم، ومن دورهم، بتدمير قراهم وبيوتهم كما في 1920. وبخروجهم من السلطة كما فعل قادة المسيحيّين في 1989.

بالأمس رفض الشيعة الكيان، فابتُلع دورهم. واليوم يرفضون الانضمام إلى الإقليم. ستكون النتيجة خروجهم من المعادلة اللبنانيّة كلّها.

ها هو المبعوث الأميركيّ توم بارّاك يكتب على “إكس” قبل أيّام أنّ مصير “الحزب” سيكون “العزل السياسيّ” بعد “المواجهة العسكريّة الكبرى” التي ستشنّها إسرائيل. أي أنّ “الحزب” الذي كانت معروضةً عليه المشاركة في السلطة بعد تسليم سلاحه، سيلقى مصير حركة حماس: الخروج من المشهد السياسيّ، وليس الهزيمة العسكريّة وحسب.

دخل الشيعة اللبنانيّون الكيان متأخّرين في 1920، ودخلوا السلطة متأخّرين في 1989، والتاريخ لا يرحم من يتأخّر. فهل يتأخّر الشيعة مرّة ثالثة؟