معطيات أميركية مغايرة عن الواقع الشيعي!

معطيات أميركية مغايرة عن الواقع الشيعي!

الكاتب: روزانا بو منصف | المصدر: النهار
29 تشرين الأول 2025

عاد لبنان إلى واجهة الاهتمام من بوابة السعي إلى تفادي حرب جديدة عليه وعدم تركه بؤرة قد تعيد تسعير الأمور وتعيدها إلى الوراء، قياسا بالجهد الإقليمي والأميركي لإنهاء الحرب في غزة وإعادة وضع سوريا على طريق النهوض مجددا.

وكان الإحباط الإقليمي والدولي من لبنان في الآونة الأخيرة قد بلغ حدّا نافس الإحباط الداخلي على صعيد التوقعات الكبيرة التي بنيت، مع تغير المعادلات في المنطقة. ففيما قارب عدد ضحايا اعتداءات إسرائيل عدد أيام السنة حتى قبل مرور سنة على اتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل في 27 تشرين الثاني 2024، راوح لبنان الرسمي في دائرة مفرغة من ربط تقدم الدولة في مسار حصرية السلاح بتنفيذ إسرائيل التزامها الاتفاق قبل الذهاب إلى التفاوض غير المباشر، ما جعل الدولة أقل استعداداً وأكثر عجزا إزاء الضغط على الحزب، مع ترجيح التكيف الرسمي على الرغبة في إحداث اختراق، في انتظار أن يتولى الخارج على نحو مباشر معالجة الأمور.

تشي المعلومات المتواترة من واشنطن في الأيام الأخيرة، وبعد تأخير وصول السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى إلى لبنان بضعة أسابيع، بأن الأمور تتجه حكما إلى متغير ما إذا بقي الوضع على ما هو، وهذا المتغير قد تترجمه إسرائيل بضربة ما أكبر مما تقوم به راهنا، على رغم كثافة ضرباتها في الأيام العشرة الأخيرة. وهذا ما حذر منه علنا توم براك في موقفه الأخير إزاء احتمال وقوع مواجهة كبيرة ما لم تتخذ الحكومة اللبنانية خطوات لنزع سلاح الحزب. وقد يكون المتغير التفاوض جديت، وإن على نحو غير مباشر مع إسرائيل، باعتبار أن التفاوض يبقى الخيار الحتمي في نهاية الأمر.

والتحسب للاحتمال الأول واقعي. ففي الوقت الراهن يبدو عدد الأميركيين أو حاملي الجنسيات الأميركية في لبنان في أقل مستوى ممكن، ما يخفف وطأة إجراءات ترحيل كبيرة إذا استدعى الأمر ذلك. وبحسب المعطيات، فإن مواقف المسؤولين الأميركيين وفي مقدمهم ما ذكره الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطابه في الكنيست الإسرائيلية كانت واضحة كليا، والرسالة التي يقال إنه تم البحث فيها أخيرا كان محورها عرض البدائل لعجز لبنان الرسمي عن نزع سلاح الحزب، أو عدم اقتناع الحزب بأنه يوفر على لبنان كما على بيئته خيارات كارثية. والرسائل الإسرائيلية المتكررة في هذا الإطار كانت كثيفة ولها دلالاتها.

الكلام في واشنطن أيضا هو على حجم الانقسام داخل الطائفة الشيعية نفسها، والكثير من أبناء الطائفة يبتعدون عن الحزب راهنا في ضوء ما يحصل، على رغم كل السردية المناقضة، أقله وفق ما يتم رصده في الأوساط الشيعية جنوبا وبقاعا. بالنسبة إلى أصحاب هذه المعلومات، برز هذا التناقض بقوة في الكلام الأخير للأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم الذي استفاض في حديث أخير عن العلاقة الالتصاقية بين الحزب ورئيس مجلس النواب نبيه بري، فيما كشف قاسم تناقضا جوهريا حين اعتبر مثلا أن لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية في الجنوب لا تخدم لبنان بل تخدم إسرائيل، علما أن بري الذي يتهمه كثر بمحاولة الالتفاف على دعوة رئيس الجمهورية جوزف عون إلى التفاوض ربطا بما أنجز في غزة، حصر التفاوض المطلوب بلجنة وقف الأعمال العدائية (الميكانيزم)، بما يثير تساؤلا عن غياب الرؤية الموحدة لدى المسؤولين في لبنان حيال الخطوات التي يجب اتباعها لتجنّب خطر الحرب مجددا، وكذلك المقاربة المتناقضة والمضادة بين الثنائي الشيعي نفسه.

والأجواء في واشنطن تناقض الكثير مما يتم تسويقه في لبنان عبر مواقف أو تسريبات مقصودة. فالمعنيون في العاصمة الأميركية لا يخشون انقساما في الجيش اللبناني، ويعتقد أنه إذا حصلت مواجهة بين إسرائيل والحزب فإن الدعم الأميركي قائم، من دون أن يعني ذلك إمكان انخراط أميركي مباشر وفق ما أكد الموفد توم براك أكثر من مرة. إنما إسرائيل موجودة، وما حصل على صخرة الروشة أثار نقزة كبيرة في واشنطن، والبعض يتحدث عن استياء من طبيعة إدارة هذا الملف على أعلى المستويات. وقد برزت تساؤلات يخشى أن تنعكس على المساعدات للجيش، فيما بذلت مساع سريعة وجدية لإنقاذ الدفعة الأخيرة من المساعدات قبل الإقفال الحكومي الأميركي.

ولا يُعتقد أن الحرب الأهلية احتمال وارد إذا قرر الحزب الاعتراض ميدانيا على نزع سلاحه، لان خياره يكون انتحاريا لاعتبارات متعددة لا مجال لعرضها في هذا السياق، في ظل تقديرات تبالغ في قدرة طهران على أداء أدوارها السابقة في دعم الحزب، وهي في حال انقسام وتخبط داخلي معبّر وعزلة دولية، إضافة إلى وضع اقتصادي منهار ومخاوف متعاظمة من مواجهة تتجدد مع إسرائيل والولايات المتحدة.​