عون لأورتاغوس: ندعم تفعيل الميكانيزم.. ولكن لا قرار بتوسيعه

عون لأورتاغوس: ندعم تفعيل الميكانيزم.. ولكن لا قرار بتوسيعه

الكاتب: ندى أندراوس | المصدر: المدن
30 تشرين الأول 2025

تحرّكت واشنطن والقاهرة في اتجاه بيروت، في مسعىً متوازٍ لاحتواء التصعيد وفتح نافذة تفاوضية، وسط تصعيد إسرائيلي متواصل، وعلى وقع الاغتيالات والاستهدافات الدقيقة، ومع تزايد التهويل بإمكان استئناف الحرب لنزع سلاح حزب الله، توازياً مع تصريحات أميركية مثيرة للجدل، أبرزها تلك التي أطلقها الموفد توم براك عن احتمال “انزلاق لبنان إلى مواجهة شاملة” إذا لم يلتزم ضبط السلاح. وبالرغم من أنّ زيارة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس ورئيس المخابرات العامة المصرية اللواء حسن محمود رشاد تزامنتا، فإن لا ارتباط مباشراً بينهما.

استعداد أميركي لتفعيل الميكانيزم
تشير معطيات “المدن” إلى أنّ موعد زيارة رئيس المخابرات المصرية طُلب منذ أكثر من أسبوع، في حين أنّ أورتاغوس وصلت إلى المنطقة قبل أيام، وهو ما يجعل التزامن بين الزيارتين مجرد صدفة زمنية. لكنّ كلاً من الطرفين حمل هدفاً مشتركاً يتمثّل في إيجاد مخرج تفاوضي يضع حداً للتصعيد، ويفتح الطريق أمام آلية واضحة لمعالجة القضايا العالقة بين لبنان وإسرائيل.

جاءت زيارة أورتاغوس إلى بيروت بعد جولة لها في إسرائيل وعلى الحدود الشمالية، حيث اطّلعت ميدانياً على الواقع الأمني وسمعت من الإسرائيليين “هواجسهم” بشأن حزب الله. ونقلت إلى رئيس الجمهورية جوزاف عون أنّ إسرائيل غير واثقة من حصول عمليات تفكيك ومصادرة فعلية لأسلحة الحزب ومخازنه، وأنّ مقاتليه ما زالوا يتحرّكون في بعض القرى، حتى تلك التي عاد إليها المدنيون.

وأبلغت أورتاغوس الرئيس عون أنّ إسرائيل لن توقف إطلاق النار قبل أن تتأكد من خلوّ المنطقة كلياً من السلاح والمسلحين، بالرغم من إقرارها بأنّ الجيش اللبناني يقوم بجهد كبير، لكنّه، من وجهة نظرها، غير كافٍ.

تفعيل الميكانيزم المدخل إلى التهدئة
في المقابل، شدّد رئيس الجمهورية على أنّ الجيش ينفّذ خطته الميدانية بفعالية، وقد قدّم حتى الآن اثني عشر شهيداً خلال عمليات تفكيك الألغام ومصادرة الصواريخ واقتحام المواقع، مؤكداً أنّ الجيش بلغ حدود قدرته بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وأنّ زوال هذا الاحتلال هو شرط لاستكمال مهماته على الحدود الدولية.

ووفق ما كشف مطلعون لـ”المدن”، دار نقاش مطوّل بين الرئيس عون وأورتاغوس حول السبل الكفيلة بخلق مناخ من التهدئة، واتُّفق على أنّ تفعيل عمل الميكانيزم المنبثق عن القرار 1701 يشكّل الخيار الأنسب في الوقت الراهن.

في هذا الإطار، عبّرت أورتاغوس عن استعداد واشنطن لمساعدة لبنان على تطوير هذه الآلية وتوسيع نشاطها، مؤكدةً أنّ القرار في هذا الشأن مشترك بين لبنان وإسرائيل. ودعت إلى تعزيز دور الميكانيزم لتسريع معالجة الخروقات، وتحقيق الهدوء الكامل على طول الحدود الجنوبية.

ترامب والضغط على إسرائيل
في سياق حديثها، رأت أورتاغوس أنّ على لبنان أن يستفيد من وجود الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، معتبرةً أنّه الوحيد القادر حالياً على ممارسة الضغط على إسرائيل للانخراط في تسوية واقعية. ورأت أنّ إثبات جدّية لبنان في خطواته الميدانية كفيل بإقناع ترامب بجدوى دعم العملية السياسية، وتبديد المخاوف الإسرائيلية من أنّ العائدين إلى قراهم هم مقاتلون متخفّون.

وختمت أورتاغوس بالتأكيد أنّها ستعود إلى إسرائيل حاملةً هواجس لبنان وملاحظات الرئيس ورئيسي مجلس النواب والحكومة، على أن يُصار إلى تقويم شامل للخطوات المقبلة، وبحث إمكان إطلاق مسار تفاوضي واضح إذا توافرت الظروف السياسية والأمنية.

الدور المصري، تجربة غزة وتهديدات نتنياهو
أما على خط القاهرة، فقد حمل رئيس جهاز المخابرات المصرية من الرئيس عبد الفتاح السيسي رسالة إلى الرئيس جوزاف عون بعد اجتماع اللواء رشاد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أبلغه مواقف أقلقت القاهرة ودَفعت السيسي إلى تكليف مدير المخابرات بالتحرّك نحو لبنان لوضع المسؤولين في جوّ ما سمعه من تل أبيب.

وقد عرض المسؤول المصري على الرئيس عون تجربة مصر في ملف غزة، شارحاً كيف كانت إسرائيل تماطل وتعرقل الاتفاقات قبل أن تنتهي الأمور إلى تسوية. كما أعلن استعداد القاهرة لتقديم أيّة مساعدة تحدّ من الاعتداءات الإسرائيلية، وتُسهم في إطلاق مسار تفاوضي هادئ، مع الإشارة إلى أنّ الزيارة استطلاعية أكثر منها عملانية، وأنّ بلاده ستتابع اتصالاتها مع الجانب الإسرائيلي.

آفاق التفاوض
تُظهر الوقائع أنّ طرفين سيبحثان الملف اللبناني مع إسرائيل، أورتاغوس من جهة، والمصري من جهة أخرى. أما شكل التفاوض وآليته فلم يُحسما بعد، مع العلم أنّ المباحثات لم تغفل الإشارة إلى تجربة الترسيم البحري، وهذا ما أعاد طرح فكرة اللجان الدبلوماسية المشتركة. غير أنّ أورتاغوس شددت على أنّ لبنان وحده يقرّر الشكل الذي يريده للتفاوض، مؤكدةً أنّ الأهم هو إطلاق العملية في أسرع وقت ممكن، وتُبحث نقاط الخلاف تباعاً ضمنها.

لكن حتى الآن، لم يحسم الرئيس عون مسألة تشكيل اللجان وطبيعتها؛ إذ ينتظر تبلور الموقف الإسرائيلي، وما إذا كانت تل أبيب ستلتزم وقف الاعتداءات والخروقات والتهدئة، وتبدي استعداداً للدخول في مسار تفاوضي فعلي. فإذا تجاوبت تل أبيب مع ذلك، يمكن عندها الانتقال إلى بحث الشكل النهائي للتفاوض وآلياته.

طرفان للوساطة ومسار غير محسوم
وعليه، يتبيّن أنّ الملف اللبناني سيُبحث على خطّين متوازيين، من جهة أولى عبر أورتاغوس التي ستتابع الاتصالات مع الإسرائيليين باسم واشنطن، ومن جهة ثانية عبر المسؤول المصري الذي سيتولّى التحدّث مع تل أبيب باسم القاهرة.

حتى الساعة، لم يُحسم شكل التفاوض ولا تركيبته، كما لم يقرّر الرئيس عون بعد ما إذا كان سيقبل بتوسيع اللجان لتضمّ دبلوماسيين إلى جانب العسكريين، في انتظار تبيّن الموقف الإسرائيلي ومدى التزامه بوقف الخروقات ووقف الأعمال العدائية.

أما في ما يتعلّق بالميكانيزم القائم، فلبنان لا يعترض على تفعيله؛ بل يرى فيه إطاراً عملياً لتثبيت وقف إطلاق النار إذا جرى تطويره وتوسيعه وتمكينه من اتخاذ مبادرات ميدانية أكثر فعالية.

الميكانيزم القائم منذ القرار 1701 هو لجنة تنفيذية تابعة للأمم المتحدة، مهمتها متابعة تطبيق وقف الأعمال العدائية. ويُجمع الجانب اللبناني على أنّ تفعيل هذه اللجنة وتنشيطها من شأنه تحقيق نتائج ملموسة ميدانياً؛ إذ يمكنها التحرّك بسرعة أكبر ومعالجة الخروقات بثبات أكبر.

أما إذا تقرّر تعزيز دورها، فإنّ ذلك لن يحتاج إلى إنشاء هيئات جديدة؛ بل إلى توسيع الصلاحيات وتكثيف المتابعة، بما يعيد تثبيت وقف إطلاق النار ويؤسّس لمرحلة أكثر استقراراً في الجنوب.

وفي الوقت الذي تبقى فيه الصورة مفتوحة على الاحتمالات، يتّفق الزائران، الأميركي والمصري، على نحوٍ منفصل على أمر واحد، وهو أنّ الوقت حان لبحث حل واقعي يجنّب لبنان والمنطقة انفجاراً واسعاً، ويضع حدّاً لحرب الاستنزاف المستمرّة منذ أشهر.