
هل “تحرر” مخيم شاتيلا من تهمة “باطنية بيروت”؟
بعيد حادث مقتل فتاة مخيم شاتيلا، وقبلها حادث مقتل الشاب إيليو إبوحنا إبان دخوله المخيم خطأ، أطلقت الجهات الفلسطينية المعنية خلال الساعات ال48 الماضية حملة إعلامية – إعلانية منظمة غايتها أن تنفي عن هذا المخيم أنه تحول إلى ما يشبه “حي الباطنية” في القاهرة القديمة، والذي قدمته السينما المصرية في صورة معقل تجارة الممنوعات، وأن تثبت أن قوة “الأمن الوطني الفلسطيني” التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية قد تمكنت من استعادة الإمساك بزمام الأمور في المخيم وعلى مداخله الرئيسية، بعدما نجحت حملتها في “تطهيره” من تجار الممنوعات، وأنها استطرادا أحكمت سيطرتها على المقر الرئيسي لهذه التجارة.
واللافت في هذا السياق أن الجهة الفلسطينية المعنية قد أطلقت قبل الكشف عن هذه التدابير والتطورات، حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتثبت أمرين: الأول أن سكان المخيم قد ضاقوا ذرعا بتحوله إلى “مقصد” لتجار المخدرات، ولاسيما بعد تحوله إلى “سوق بيع بالمفرق والجملة”، فأصبح محجة للمتعاطين من خارج المخيم ومن سكانه أنفسهم، والثاني أن تنفي عن قوة الأمن الفلسطيني صفة العجز والضعف التي لحقت بها. لذا بادرت إلى إطلاق كلام على استدعاء مزيد من القوات التابعة لضمان السيطرة الأمنية على المخيم.
ولتأكيد ذلك كله، أبلغ مسؤولون في الجهة الفلسطينية المعنية إلى “النهار” أن الحملة لمكافحة آفة المخدرات في المخيم ستكون هذه المرة عملية جدية ومتواصلة لقطع دابر هذه الظاهرة الشاذة التي أساءت إلى المخيم وقاطنيه.
وحرصت في الوقت نفسه أن غالبية تجار المخدرات الأساسيين ليسوا من أبناء المخيم ولا من نسيجه الاجتماعي، فهم إما لبنانيون وإما سوريون وينسقون مع جهات في البقاع وفي مخيمات أخرى، ومنها برج البراجنة وعين الحلوة.
وتحوُّل العديد من المخيمات إلى أوكار لتجارة الممنوعات، أمر ليس بالمستجد. وفي هذا الصدد يقول الباحث في شؤون المخيمات واللاجئين عبد معروف في دراسة معمقة بعنوان “الضياع: الفلسطينيون من النكبة إلى الهجرة”، أن “لبنان من أكثر الدول التي يعاني فيها اللاجئون حرمانهم أبسط حقوقهم (…) وأن الأوضاع في المخيمات تزداد تعقيدا وصعوبة. رغم ذلك أتى تدخل الفصائل بالتعاون مع الأجهزة الأمنية اللبنانية لوضع حد للفلتان الأمني وظاهرة المخدرات المنتشرة بصورة مرعبة، وخصوصا في شاتيلا وبرج البراجنة وعين الحلوة، تدخلا خجولا لم يضمن الحماية للاجئين في منازلهم”.
وبحسب الباحث معروف، فإن “المخيم فقد هويته الأصلية ملاذا للاجئين الفلسطينيين بفعل تحولات اجتماعية عدة أبرزها الهجرة الواسعة للاجئين خصوصا بعد عام 1982، وحرب المخيمات التي أدت إلى تدمير نحو 70 في المئة منه، واللجوء السوري الواسع إلى داخل المخيم حتى صار نحو 58 من قاطنيه حاليا سوريي الهوية”.
وقد جرّدت الأجهزة الأمنية اللبنانية، وفي مقدمها وحدات من الجيش، أكثر من عشرين حملة على المخيم ومحيطه تحت عنوان مكافحة الانتشار السريع لآفة المخدرات، والتي حولته إلى مركز رئيسي لهذه الظاهرة مستفيدا من موقعه، فهو يقع جغرافيا على تخوم الضاحية وبيروت، فضلا عن أن طرق الوصول إليه تتم عبر خمسة مداخل رئيسية وأكثر من 80 طريقا فرعيا (زواريب وأحياء فرعية) فضلا عن وقوعه في وسط مكتظ بأكثر من خمسين ألف نسمة، بما يضمن له حصانة وحماية طبيعية، لكونه يقع تحت سيطرة مجموعات مسلحة مختلفة.
وليس خافيا أن آخر حملة قوية استهدفت تجار المخدرات في المخيم كانت في 11 أيلول الماضي، وقد ذكرت بيانات رسمية أن تلك الحملة استمرت ثلاثة أيام متتابعة، وقد شاركت فيها قوة مؤللة، وتخللتها اشتباكات عنيفة انتهت إلى اعتقال أكثر من 55 من العاملين بتجارة المخدرات، إضافة إلى مصادرة كميات لا بأس بها من المخدرات وأدوات التصنيع.
واقع الحال هذا جعل “الأمن الوطني الفلسطيني” يعزز سيطرته على المخيم ومداخله، ولمس السكان تراجع “سوق المخدرات” في شكل ظاهر، لكن هذا الأمر لم يلبث أن تبدد في غضون أسابيع، لتسري بعدها معلومات مناقضة تشي بعودة التجار والتجارة.
بعد كل ما جرى في الساعات الماضية، وعلى رغم ما تعلنه الجهات الفلسطينية المعنية، فإن السؤال ما انفك مطروحا لأن سكان المخيم والمعنيين يريدون هذه المرة أن يصدقوا أن “الخطر زال” إلى غير رجعة، لذا فهم في الانتظار ليحكموا.
