لبنان على مفترق بين التصعيد الإسرائيلي أو التفاوض على نزع السلاح

لبنان على مفترق بين التصعيد الإسرائيلي أو التفاوض على نزع السلاح

الكاتب: سعد الياس | المصدر: القدس العربي
2 تشرين الثاني 2025

عاد الوضع الأمني في لبنان إلى الواجهة مجدداً مع التحذيرات الإسرائيلية المتكررة على أكثر من مستوى بأن صبرها بدأ ينفد تجاه ممارسات «حزب الله» والتي ترافقت مع حركة موفدين إلى العاصمة اللبنانية لنقل مخاوف من تصعيد إسرائيلي محتمل في حال لم يتم حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.

وجاء تصريح الموفدة الأمريكية مورغان أورتاغوس ليشير بوضوح إلى ضرورة وضع الأسلحة تحت سيطرة الدولة اللبنانية بحلول نهاية العام، ما يؤشر إلى استياء الراعي الأمريكي من التباطؤ في نزع سلاح «حزب الله» والخشية من تطور الأوضاع في المستقبل، وإضاعة فرصة كبيرة لحل الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان من ضمن خطة لدعم الجيش اللبناني وعقد مؤتمر لإعادة الإعمار وتقديم المساعدات من دول خليجية.

وهكذا تصاعدت التصريحات الإسرائيلية من أعلى المستويات السياسية والأمنية ضد لبنان، فوزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أبلغ المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس- بلاسخارت، «أن إسرائيل لا يمكنها أن تدفن رأسها في الرمال أمام مواصلة حزب الله جهوده لإعادة البناء والتسليح». وجاء إعلان «هيئة البث الإسرائيلية» عن درس إسرائيل تكثيف هجماتها في لبنان، ليترجم خطورة المرحلة ولينذر بالأسوأ.

أما التطور الأبرز فتمثل طلب رئيس الجمهورية العماد جوزف عون للمرة الأولى من قائد الجيش العماد رودولف هيكل، «تصدي الجيش لأي توغل إسرائيلي في الأراضي الجنوبية المحررة، دفاعاً عن الأراضي اللبنانية وسلامة المواطنين». وقد لقي هذا الموقف تنويهاً من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري و«حزب الله»، ورأى فيه البعض موقفاً طبيعياً وأخلاقياً من القائد الأعلى للقوات المسلحة حماية للسيادة الوطنية وأعاد الحديث عن معادلة «جيش وشعب ومقاومة»، فيما تخوّف البعض الآخر من توريط الجيش في معركة غير متكافئة مع الجيش الإسرائيلي الذي يتمتع بأفضل الأسلحة المتطورة حربياً وتكنولوجياً، واعتبر أن السيادة تبدأ بنزع سلاح «حزب الله» لأن لا قيامة للدولة بوجود جيشين.

وبدا أن موقف الرئيس عون أحدث ارتدادات وردود فعل دفعته في اليوم التالي إلى نفي مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية ما نُسِب إليه أمام زواره في صحيفة «الأخبار» أن «ما حصل في بلدية بليدا لا يمكن أن يمر مرور الكرام، ولم يعد ممكناً الصمت، لأن إسرائيل تقول لنا إنها لا تريد التفاوض ولا الوصول إلى اتفاق»، مضيفاً «الجيش يقوم بما هو مطلوب منه لجهة حصرية السلاح بما يكفل تطبيق القرار 1701، لكن دور الجيش غير مقتصر على ذلك، ولا يمكننا أن نقف ونتفرج على مثل هذه التطورات». وجاء هذا النفي الرئاسي لمنع استغلال «حزب الله» ما جرى في بليدا والإيحاء مجدداً بوقوف الجيش والمقاومة في خندق واحد مع ما يستتبع هذا الأمر من مخاطر تدفع الجيش الإسرائيلي إلى مهاجمة منشآت تابعة للدولة اللبنانية.

وأوضحت أوساط متابعة أن طلب الرئيس عون من الجيش التصدي للتوغلات، لا يعني خرق اتفاقية وقف إطلاق النار، بل يؤكد عزم الدولة على بسط سلطتها على تلك المنطقة وحماية الأهالي لدحض أي حجج واهية تروّج لعجز الجيش عن فرض سلطته وحماية المنطقة. وهذا لا يعني فتح جبهة مع الجيش الإسرائيلي بل التصدي في المكان الذي يحصل فيه توغل ضمن الامكانيات المتوافرة لدى الجيش.

أكثر من ذلك، أعلن رئيس الجمهورية «أننا لسنا دعاة حروب لأننا جرّبناها وتعلمنا منها العِبر، لذلك نريد إعادة الاستقرار إلى لبنان بدءاً من جنوبه». وأعاد أمام وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول بعث رسالة حول استعداد لبنان لمفاوضات مع إسرائيل من دون تحديد شكلها ومكانها، قائلاً «لبنان على استعداد للمفاوضات من أجل انهاء الاحتلال الإسرائيلي، لكن أي تفاوض لا يكون من جانب واحد، بل يحتاج إلى إرادة متبادلة وهذا الأمر غير متوافر بعد»، في وقت أفيد أن الرؤساء الثلاثة وافقوا على مقترح مورغان أورتاغوس بضم شخصيات مدنية إلى لجنة الإشراف على وقف الأعمال العدائية «الميكانيزم».

وكان موضوع التفاوض أثير في زيارة مدير الاستخبارات المصرية الواء حسن رشاد للبنان بعد زيارة قام بها إلى تل أبيب والتقى رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو ورئيس الشاباك. ولم تقتصر لقاءات مدير الاستخبارات المصرية على الرؤساء الثلاثة، في ظل تساؤلات طُرحت حول لقائه بقيادات من «حزب الله» بعيداً عن الأضواء.

وإزاء تصاعد المخاوف من توسيع إسرائيل لضرباتها العسكرية، تسود خشية في أوساط البيئة الشيعية من تجدد الحرب وتكرار مشاهد النزوح المفاجئ، وبدأ مواطنون يأخذون الحيطة والحذر في الضاحية الجنوبية لبيروت التي تشكل معقل «حزب الله» ويتخوفون من إنذارهم من ترك منازلهم على حين غفلة وترك أمتعتهم واحتياجاتهم داخلها.

وعلى هذه المخاوف، دعت مصادر قريبة من «حزب الله» إلى «عدم الإنجرار خلف المهوّلين ولا خلف المستخفين». ونبّهت المصادر من «الحرب النفسية التي يشنها العدو الإسرائيلي وعدم المساهمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بنشر التضليل والتهويل والشائعات وإلى تمتين الجبهة الداخلية وعدم تحويل ما يُبث من خوف حول حرب محتملة إلى أسلحة بيد إسرائيل».

يبقى أن التصعيد العسكري الاسرائيلي هو احتمال وارد لكن الحرب غير حتمية، وحسب خبير عسكري «أن تل أبيب مرتاحة جداً لحرية حركتها حالياً، فهي تستبيح الأجواء اللبنانية وتستهدف مَن تشاء وأينما تشاء من دون أي رد فعل من قبل حزب الله أي بصفر خسائر. لكنها قد تضاعف ضرباتها كلما اقتربت من موعد نهاية السنة لممارسة ضغط أكبر على الدولة اللبنانية لإنجاز مهمة نزع سلاح حزب الله وجرّ الدولة اللبنانية إلى التفاوض». وقد وافقت الدولة في خطوة أولى على ضم مدنيين إلى لجنة «الميكانيزم» نزولاً عند طلب مورغان أورتاغوس، لكنها ترفض استنساخ تجربة غزة في جنوب لبنان وإنشاء منطقة عازلة على الحدود تحت مسمّى منطقة اقتصادية.