
محاولة ألمانية لخرق مسار السلام في المنطقة ومصير اللاجئين
ألمانيا تسعى إلى خرق مسيرة السلام في المنطقة انطلاقاً من دورها من ضمن الترويكا الأوروبية في الملف النووي الإيراني وتجاربها السابقة في المنطقة… وعليه جاءت زيارة وزير الخارجية الألماني السيد جوهان واديفول في اول اطلالة له خارج بلاده سعيا الى فهم ما يجري في ملف النازحين فهو هم الماني مطروح على الحكومة الجديدة
أطلقت مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقاطها الـ20، وما تلاها من اتفاق لوقف إطلاق النار تمّ التوقيع عليه في مؤتمر شرم الشيخ للسلام، دينامية جديدة في مسار الحلول المنتظرة لأزمات المنطقة، ولا سيما منها ما يتصل منها بالحروب التي نمت على هامشها، وخصوصاً في لبنان، وسط اعتقاد بأنّه وضع على لائحة الأولويات بعد إتمام المرحلة الأولى منها. وهو ما دفع بعض المراجع الديبلوماسية إلى وضع الحراك الألماني بعد المصري على هذا المسار الدولي المواكب لها، وهذه بعض المؤشرات.
كان لافتاً أن يقوم وزير الخارجية الألماني السيد جوهان واديفول بجولة شاملة على دول منطقة الشرق الاوسط في أول إطلالة له خارج بلاده، بعدما تسلّم مهمّاته خلفاً للوزيرة السابقة أنالينا بيربوك، التي تعرفت على مشكلات لبنان وأزمات المنطقة المتشعبة من قرب، وواكبت مراحلها، بعدما توسّعت رقعتها على ساحات عدة، حتى بلغت إيران واليمن وبلداناً أخرى. وقد خصّصت لها جولات عدة على عواصمها شملت، بالإضافة إلى لبنان، دولاً عربية وخليجية عدة على مدى السنتين الماضيتين. وليس خافياً على أحد انّها أطلقت أكثر من مبادرة من ضمن الحراك الاوروبي المشترك، على قاعدة الفصل الواجب بين ما يجري على الساحة اللبنانية من عمليات عسكرية وتلك الجارية في قطاع غزة وتداعياتها الكبرى.
على هذه الخلفيات، تلاقت مراجع ديبلوماسية اوروبية وعربية مع نظيراتها اللبنانية على قراءة الحراك الألماني الجديد بعين واحدة. وصولاً إلى اقتناع بأنّه لا يمكن الفصل بين ما يهدف إليه ومجموعة المبادرات التي أطلقها الاتحاد الأوروبي بالتنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية وكل من فرنسا وبريطانيا تحديداً. ذلك أنّه في جانب آخر من الأزمات الدولية، تشكّل برلين ومعها باريس ولندن “الترويكا الأوروبية” التي لم توقف مفاوضاتها مع طهران لمعالجة الملف النووي، بالإنابة عن الجانب الأميركي، طالما انّ نتائجها تصبّ في مسار الوكالة الدولية للطاقة النووية. وإلى ذلك، فقد سبق للحكومة الالمانية أن ساهمت بفاعلية في كثير من المبادرات التي أوصلت إلى إجراء ترتيبات أمنية موقتة، كتلك التي اختبرتها الساحة الفلسطينية من خلال مجموعة الهدن الإنسانية التي شكّلت تجربتها الخماسية فسحات إنسانية للفلسطينيين المحاصرين في القطاع. بالإضافة إلى المجتمعات التي تأثرت بمسلسل الحروب على الساحة اللبنانية بعد السورية، فكانت جاهزة على مستوى الدعم اللوجستي للقوى الأمنية والعسكرية والمجتمعات اللبنانية المضيفة للنازحين السوريين منذ أكثر من 13 عاماً.
وانطلاقاً من هذه الوقائع كانت جولة الديبلوماسي الألماني في المنطقة بدءاً من دمشق، وبدلاً من أن يعود من بيروت إلى بلاده، تلقّى تعليمات بالتوجّه إلى القاهرة للقاء نظيره المصري ومسؤولين آخرين، في محاولة جدّية لسبر أغوار المشاريع المطروحة في شأن لبنان والمنطقة، بعد تفاهم غزة وعقب زيارة مدير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد للبنان. فالإلمان يعملون في صمت منذ زمن بعيد، وكانت لهم تجارب عدة في الوساطات السرّية التي عالجت قضايا شائكة مماثلة، ومنها عمليات تبادل المعتقلين والأسرى والرهائن بين إسرائيل و”حزب الله” في العام 2008، حيث تمّ ترتيب اكبر عملية تبادل في تاريخ النزاع العربي ـ الإسرائيلي.
وفي التفاصيل، قالت المصادر إنّ الديبلوماسي الألماني الذي ناقش مع القيادة السورية الجديدة مجالات التفاهم مع إسرائيل وعلاقاتها بجاراتها، سأل عن الدور الذي يمكن ان تلعبه بلاده في لبنان لمساعدته في تجاوز الأزمات المتنامية على اكثر من مستوى، ولا سيما منها تلك التي تتصل بضمان التوصل إلى انسحاب إسرائيلي شامل من الأراضي المحتلة ونزع سلاح “حزب الله” والميليشيات الأخرى، كما انتهى اليه تفاهم 27 تشرين الثاني 2024 بالوسائل الديبلوماسية والسياسية، لمنع تجديد الحرب وتفادي ما يمكن ان تقود إليه من خراب ودمار، عدا عن الأضرار الأخرى المنظورة وغير المنظورة في لبنان وقدرته على تحمّل المزيد منها.
وفي ظن المسؤول الألماني، كما نُقل عنه، انّ الفرصة سانحة اليوم اكثر من أي وقت مضى لاستنساخ التجربة التي انطلقت في غزة، وانّ بلاده ترى مع مجموعة الدول المعنية بأمن المنطقة وسلامة شعوبها ولحماية الأمن والسلم الدوليين، ضرورة السير في الخيارات الديبلوماسية والسياسية، ووقف كل الأعمال العسكرية وفق القواعد الجديدة التي تنهي أي دور للميليشيات غير الشرعية في دول المنطقة. وكان لافتاً حديثه عن التجربة السورية التي انتقلت فيها “الثورة السورية” من أنماطها الثورية والميليشيوية إلى الأطر الدولتية، على طريق بناء سوريا الجديدة بعد سقوط النظام السابق والانتقال بها تدريجاً إلى دولة صديقة قادرة على التعاون مع محيطها والعالم، من منظور القوانين والمواثيق الدولية في كل المجالات. وهي خطوات دفعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودولاً أخرى إلى رفع العقوبات عنها والانطلاق في ورشة استثمارات عربية وغربية لإعادة الاعمار وبناء ما تهدّم توطئة لعودة النازحين السوريين من مختلف دول العالم. فألمانيا تعرف حجم النزوح نحو الدول الأوروبية، وما تسبب به من أزمات داخلية وإنّ أكبرها وأخطرها كانت في المانيا، قبل ان تندلع الحرب في أوكرانيا قبل عامين. فأضيف نازحوها إلى من سبقهم من الآسيويين الذين قصدوها من دول الشرق الأوسط وأفريقيا، وهي تسعى إلى إعادة النازحين إلى أي دولة انتموا إلى بلدانهم، مع التشجيع على هذه العودة بمساعدات مالية غير مسبوقة توفّر لهم الاستقرار فيها.
وعليه، فُهم من المواقف التي عبّر عنها الديبلوماسي الألماني، انّ بلاده تنوي الغوص أكثر في كثير من المجالات، لمواكبة ورشة السلام في المنطقة، ولذلك كان واضحاً في حضّه المسؤولين اللبنانيين على تنفيذ تعهدات الحكومة في التفاهمات المعلنة والتحضير للمرحلة التي تكرّس وقفاً شاملاً لإطلاق النار وإعادة الإعمار في لبنان، بما فيها تلك الناجمة عن الأزمات الاقتصادية والمالية وإصلاح القطاع المصرفي والقوانين القضائية والإدارية، ليعود لبنان إلى سابق عهده من الازدهار. كما فُهم منه انّ بلاده مستعدة للمشاركة في الجهد الدولي للإفراج عن المعتقلين والأسرى اللبنانيين في إسرائيل وبقية مستلزمات التهدئة وإعادة النازحين اللبنانيين إلى المناطق الحدودية وإعادة إعمارها. وانّ اتصالاتهم مع الدول الراعية للتفاهم الخاص بغزة قادته إلى القاهرة لمناقشة المراحل المقبلة، وربما توجّه إلى دول الخليج العربي لاحقاً.
وعلى وقع وحدة الموقف اللبناني الذي سمعه الضيف الألماني من ضرورة الضغط على إسرائيل لتنفيذ تعهداتها ووقف الحرب، وملاقاة إجراءات الجيش في عملية “حصر السلاح” غير الشرعي بالانسحاب من النقاط اللبنانية التي تحتلها، يستذكر الجميع الخبرة الألمانية السابقة وما أنجزته، فالألمان يحاولون هذه المرّة خرق الجهد الأميركي والدولي الذي تلاقى والجهود المصرية والخليجية بعد الهجوم الإسرائيلي على قطر، الذي نقل الأميركي إلى موقع أكثر اعتدالاً، وذلك بحثاً عن موقع لهم بين هذه التحركات الدولية.
