عون لا يرى بديلاً من التفاوض.. سوى الحرب

عون لا يرى بديلاً من التفاوض.. سوى الحرب

الكاتب: ندى أندراوس | المصدر: المدن
8 تشرين الثاني 2025

في لحظة سياسية وأمنية دقيقة يعيشها لبنان وسط تصعيد إسرائيلي متواصل، والتهويل بحرب شاملة، وبتولي إسرائيل نزع سلاح حزب الله “حيث عجز الجيش” وفق ادعاءاتها، يبرز موقف رئيس الجمهورية جوزاف عون بوصفه خياراً واقعياً في مواجهة مأزق مفتوح لا غالب فيه ولا مغلوب. فالرئيس الذي يدرك تعقيدات الميدان، استند في طرحه للتفاوض إلى قناعة ثابتة مفادها أن لا خيار آخر متاح لإنهاء الصراع القائم؛ إذ إن الحروب، تنتهي عادة إمّا بانتصار طرف على آخر، وإمّا بالتفاوض حين يتبيّن أن لا أحد قادر على الحسم العسكري. 

التجربة والواقع

عون يرى أن تجربة لبنان الحالية تشبه في جوانب كثيرة ما جرى في قطاع غزة: فإسرائيل لم تتمكن من القضاء على حركة حماس بالرغم من حربها المدمّرة، تماماً كما لم يُقضَ على حزب الله بالرغم من كل الخسائر والشهداء والضغوط. النتيجة واحدة: حرب من دون أفق، واستنزاف متبادل لا ينتج تسوية. من هنا، يرى الرئيس، أن لا مناصّ من التفاوض، لأن استمرار الوضع الراهن يعني بقاء لبنان في دائرة الخطر والانكشاف، وهو ما لا يمكن القبول به.

ويستند عون في طرحه إلى تجربتي التفاوض غير المباشر السابقتين مع إسرائيل، سواء في ترسيم الحدود البحرية أو في آلية الميكانيزم الأمنية، حيث أثبتت التجربة أن الحوار عبر الوسطاء قد يحقق تقدماً عندما تعجز المدافع عن ذلك.

التفاوض خيار لا بديل عنه

في هذا السياق، عرض عون فكرة التفاوض على الأميركيين، كما أكد علناً أن لبنان جاهز للتفاوض، وأعاد التأكيد في جلسة مجلس الوزراء أن لا خيار آخر، قائلاً بصراحة: «من يملك حلاً بديلاً فليتقدّم به، لأن رفض التفاوض يعني الحرب. فمن يريد الحرب؟”.

تشدد مصادر مطلعة لـِ “المدن” على  أن الرئيس نسق طرحه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام، كما لقي طرحه تأييداً من أطراف عدّة، في حين أتى مجلس الوزراء ليؤكد الموقف الرئاسي ويدعمه.

أما في ما يتعلّق بآلية التفاوض، فإن الرئيس عون يدرك أن المسألة ليست معقّدة إلى حدّ الاستحالة، لكنها أيضاً ليست بسيطة. “فقبل الخوض في تركيبة الوفد اللبناني وطبيعته، يجب أن توافق الجهة المقابلة، سواء إسرائيل أو الولايات المتحدة، على المبدأ نفسه. وحتى الساعة، لم يتلقَّ لبنان جواباً رسمياً من واشنطن، وإن كان ثمة ارتياح أميركي مبدئي لخيار التفاوض،” وفق ما كشفت المصادر.

في غضون ذلك، كشفت مصادر دبلوماسية لـِ “المدن” أن الرسائل التي نقلها الأميركيون في الآونة الأخيرة إلى بيروت كانت واضحة: «إذا كنتم تريدون وقف الاعتداءات الإسرائيلية، فعليكم التفاوض». كما نُقل تحذير وتذكير بأن تفويض قوات اليونيفيل سينتهي بنهاية العام 2026، مع احتمال انسحاب القوات الدولية وإنهاء مهامها بعد خمسين عاماً من وجودها في الجنوب، وهو ما يعني أن لبنان قد يجد نفسه مكشوفاً أمنياً إذا لم يُنشئ ترتيبات جديدة.

لكن مقابل كل الاستعداد الذي يبديه لبنان للتفاوض لم تُبدِ إسرائيل أي تجاوب؛ بل صعّدت عسكرياً وأرسلت رسائل بالنار، للبنان ولجيشه، مع رفع سقف شروطها. ولا مؤشرات إيجابية حتى الآن، بالرغم من استمرار الاتصالات عبر القنوات الأميركية والمصرية التي دخلت حديثاً على خط الوساطة.

انتظار السفير الأميركي الجديد

في الوقت الراهن، تنتظر بيروت وصول السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى، الذي أُبلغت بعبدا بأنه سيتسلّم هذا الملف بتفويض مباشر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وبعد تقديم أوراق اعتماده، يُرتقب أن تنشط الاتصالات لمعرفة اتجاهات واشنطن بشأن مسار التفاوض وآليته. 

آلية قد تكون في إطار الميكانيزم الذي طرحه الرئيس نبيه بري، والذي لا يلقى اعتراضاً من بعبدا، حتى لو تضمّن الوفد اللبناني إشراك خبراء وتقنيين، خصوصاً عند بحث قضايا تحتاج إلى خبراء كقضية الحدود وتصحيح الترسيم. هنا تشير المصادر إلى أن الحديث عن تكليف الرئيس عون لبول سالم كمفاوض مدني غير صحيح. “فالرئيس استقبل سالم ويستقبله من وقت إلى آخر، إنما لم يكلفه بأيّة مهمة للتفاوض مع إسرائيل.” 

فلبنان، كما يرى عون، لا يفضّل إشراك الدبلوماسيين أو السياسيين في المفاوضات التقنية، في حين تصرّ إسرائيل عادة على وجودهم. وقد سبق أن حاولت فرض مشارَكة سفير ووزير في مفاوضات الترسيم البحري، إلا أن لبنان أصرّ وقتها على الوفد التقني، وهو ما نجح الوسيط الأميركي آموس هوكستين في تثبيته.

لا تفاوض تحت النار

لا يمكن القول إن قطار التفاوض انطلق، تقول المصادر. لكن التحضيرات بدأت فعلاً، والاتصالات جارية مع الوسطاء الأميركيين والمصريين. غير أن الموقف اللبناني واضح: في اليوم الذي تبدأ فيه المفاوضات، يجب أن يتوقف إطلاق النار. فلبنان لن يفاوض تحت النار، وهو يعتبر أن التزام إسرائيل باتفاق 27 تشرين الثاني 2024 شرطٌ أساسي للدخول في التفاوض. وحتى الآن، تردّ إسرائيل على لبنان بالنار، لا بالكلام.

لذلك يضع عون معادلته بوضوح: إما التفاوض أو الحرب. وهو يدرك أن خيار الحرب مدمّر للبنان، وأن طريق التفاوض وحدها قادرة على حماية ما تبقّى من استقرار هشّ. لكن هذه الطريق محفوفة بالعقبات، من تصلّب إسرائيل إلى حسابات واشنطن، مروراً بانقسام الداخل اللبناني بين مؤيد ومرتاب. ومع ذلك، يبدو أن الرئيس حسم أمره: لا بديل عن الحوار، ولو مع العدو، إذا كان الهدف إنقاذ لبنان من استنزاف دائم لا أفق له.

في الخلاصة، يمشي رئيس الجمهورية على حبل مشدود بين الميدان والسياسة، بين واشنطن والضاحية، وبين واجب حماية الدولة ومنع انهيارها. وفي بلدٍ لا يتفق على شيء، يبدو أن قرار التفاوض نفسه سيكون… ساحة تفاوض جديدة.