
بين التصعيد والتفاوض: إسرائيل و«الحزب» على حافة الانفجار؟
بدأت العمليات العسكرية الإسرائيلية تتخذ منحى أكثر خطورة مع اتساع نطاقها ومع معاودة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي توجيه الإنذارات لسكان عدد من البلدات الجنوبية بالابتعاد عن مواقع يزعم أنها تشكل بنى تحتية لـ «حزب الله». وجاء هذا التصعيد الإسرائيلي ليزيد من المؤشرات حول احتمال انزلاق الجبهة الجنوبية مجدداً امتداداً إلى البقاع والضاحية الجنوبية في ضوء التهديدات المتتالية من قادة الكيان بتوسيع دائرة الاستهدافات والحديث عن تحديد مهلة لنزع سلاح «حزب الله» في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الحالي.
وإذا كان الرئيس اللبناني العماد جوزف عون طرح خيار التفاوض كخيار وطني جامع في محاولة لتجنيب لبنان حرباً مدمرة من جديد واستعادة المبادرة عبر مسار دبلوماسي، إلا أن تجاهل تل أبيب لهذا الخيار يعكس رغبة إسرائيلية بمواصلة الضغط العسكري لفرض أمر واقع وتحقيق مزيد من الشروط والمكاسب قبل الدخول في أي مفاوضات في المستقبل، وذلك بعد استنزاف قدرات «حزب الله» وتقييد تحركاته ليس فقط جنوب نهر الليطاني بل في شماله أيضاً وصولاً إلى منعه من إعادة بناء قدراته وإجباره على تسليم سلاحه.
وعلى الرغم من أن بعض المسؤولين الإسرائيليين يستبعدون الانجرار إلى حرب شاملة، إلا أن النهج الذي يعتمد على تكثيف الضربات يترافق مع رسائل تهويلية حول إعداد خطة هجومية لتكريس معادلة التفوّق الميداني والتفاوض بالنار، وهذا ما يدركه لبنان الرسمي الذي يسعى لتفادي أي مواجهة جديدة محفوفة بالمخاطر، خصوصاً أن تجربة «حرب الإسناد» أثبتت غياب «توازن الردع» لدى «حزب الله» والخلل في تقدير الحسابات بدءاً بتفجيرات «البيجر» وصولاً إلى استهداف أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله وخليفته هاشم صفي الدين وقادة الصف الأول والثاني.
وفي هذا السياق، تعلن تل أبيب عدم انسحابها من النقاط التي احتلتها في الجنوب، وتمارس سياسة التوغل داخل القرى وتفجير البيوت السكنية، متحدثة عن استعادة «حزب الله» قوته عبر تهريب الأسلحة من سوريا والعراق. وبدلاً من أن ينفي «الحزب» إعادة تسلحه يخرج أمينه العام الشيخ نعيم قاسم ليجاهر «بأن، المقاومة تعافت واستعادت قوتها»، مشدداً «على استمراريتها وقدرتها على الصمود والمواجهة المستقبلية، وأنها لن تسمح بنزع سلاحها الذي تعتبره أساساً للسيادة والدفاع عن لبنان»، مقدماً ذريعة صريحة لإسرائيل لاستكمال عدوانها تحت حجة منع تهديد أمنها.
أكثر من ذلك، جاء الكتاب المفتوح الذي وجّهه «حزب الله» إلى الرؤساء الثلاثة والشعب اللبناني ليعاكس رغبة رئيس الجمهورية وليشكل نوعاً من الانقلاب على خطاب القسم والبيان الوزاري للحكومة الذي تحدث عن احتكار السلاح بيد الدولة إضافة إلى تحديه قراري الحكومة في 5 و7 آب/أغسطس الفائت اللذين كلّفا الجيش اللبناني وضع خطة تطبيقية لتسليم السلاح.
وتكمن خطورة كتاب «الحزب» في رأي البعض ليس فقط في لغة الرفض، بل في الرسالة الضمنية التي تقول إن قرار الحرب والسلم لا يزال يُفرض من خارج مؤسسات الدولة بحجة المقاومة، وهذا ما رد عليه رئيس الحكومة نواف سلام بتأكيده «أن الدولة استردت قرار الحرب والسلام وما حدا إلو كلام بهالموضوع». ويدرك رئيس الحكومة الذي استاء من هذا الكتاب أن موقف «الحزب» يضع لبنان على شفير فقدان الثقة بالدولة من قبل المجتمع الدولي والعالم العربي، لذلك حرص على التأكيد على صلاحيات المؤسسات الشرعية ورفض التسليم باحتكار أي طرف قرار الحرب والسلم. فيما الرئيس عون رد في خلال جلسة مجلس الوزراء على تحذير «الحزب» من التورط في أفخاخ التفاوض بقوله «إن طرْحنا لخيار التفاوض لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لمناطق في الجنوب وإعادة الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية يرتكز إلى قناعتنا بضرورة إعادة الهدوء والاستقرار إلى الجنوب، واستكمال انتشار الجيش حتى الحدود الجنوبية المعترف بها دولياً، إضافة إلى ان خيار الحرب تحت أي مسمى كان، لم يؤد إلى نتيجة»، موضحاً «أن النهاية الطبيعية للحروب هي عبر التفاوض الذي يحصل مع الأعداء وليس مع الأصدقاء».
وفي ما يؤشر إلى عزم الدولة على مواصلة عملية حصر السلاح بيدها، أتى تجاهل مجلس الوزراء لاقتراح قائد الجيش العماد رودولف هيكل تجميد خطة تطبيق حصرية السلاح إلى حين الانسحاب الإسرائيلي من النقاط الخمس المحتلة ووقف الخروقات والاعتداءات.
في المقابل، سألت أوساط قريبة من «حزب الله» «لماذا لا يُقرأ الكتاب المفتوح من الناحية الإيجابية، فما ذكرناه هو ردّ مباشر على المبادرات التي حملها الموفدون إلى لبنان ومنهم رئيس الاستخبارات المصرية اللواء حسن رشاد، الذي طلب من لبنان تقديم التزامات بأن يمنع حزب الله من القيام بعمليات ضد إسرائيل». وقالت الأوساط «إن رفضنا للمفاوضات السياسية يعني أننا نؤكد على عمل لجنة الميكانيزم، وهو التفاوض غير السياسي»، كاشفة أنه «طُلب من لبنان أن يعلن في بيان رسمي تسليم السلاح في جنوب الليطاني في شكل كامل، وعدم إطلاق أي رصاصة من شمال الليطاني في اتجاه إسرائيل، ثم تبدأ مفاوضات لوقف العدوان والانسحاب الإسرائيلي وتسليم الأسرى ونزع كل السلاح على كافة الأراضي اللبنانية، وهذا يعني أن علينا أن نقبل بمفاوضات تحت النار توصل بالنتيجة إلى نزع السلاح».
ولا تتوقف الأوساط عن انتقاد حكومة سلام، مشيرة إلى أنه «على عين الحكومة المجتمعة في بعبدا ويديها المبسوطتين للتفاوض وسحب السلاح، سحب العدو الصهيوني البساط من تحت خياراتها، مختاراً رفع مستوى ترهيب الجنوبيين».
وفي ضوء هذه المعطيات، تتضح المعادلة: فإسرائيل ماضية في سيناريوهاتها التصعيدية وعينها على نزع السلاح وإنشاء منطقة أمنية عازلة على الحدود الشمالية، و»حزب الله» ماض في رفض تسليم سلاحه وحل بنيته العسكرية والأمنية ما يؤشر إلى جولة جديدة من مواجهة غير متكافئة يرفع فيها «الحزب» شعاره الشهير «بين السِلّة والذِلّة هيهات منا الذِلّة».
