
واشنطن وعنوان “الإرهاب”: شراكةٌ مع الشرع وإطباق على الحزب
دخلت الولايات المتحدة الأميركية مرحلة الإطباق الكامل على المنطقة. هي لا تتوانى عن الدعوة إلى توسيع الاتفاقات الإبراهيمية وإبرام اتفاقات السلام بين إسرائيل وجيرانها. تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تحقيق ذلك عبر اعتماد استراتيجية الضغط القصوى في المجالات المختلفة، بما فيها إفساح المجال أمام إسرائيل لاستخدام القوة العسكرية في سبيل ذلك. الشرق الأوسط، تريده واشنطن منطقة مداها الحيوي، في إطار الصراع على النفوذ العالمي ومواجهة الصين، وهو ما يتصل ليس بالنفوذ السياسي أو العسكري فحسب؛ بل له ارتباطاته المالية والاقتصادية والتجارية. لذا فإن التصعيد العسكري الإسرائيلي لا ينفصل عن الضغط المالي والاقتصادي الأميركي، للوصول إلى الهدف عينه، وهو فرض وقائع جديدة في المنطقة تكون واشنطن صاحبة التفوق الأكبر فيها.
… وهكذا تصبح المفاوضات ثنائية
لا تريد الولايات المتحدة الأميركية لأيّة دولة أخرى أن تتمتع بأي دور أو نفوذ أو تأثير على مجريات السياسة اللبنانية؛ بل تريد من جميع الدول أن تكون منسجمة مع استراتيجيتها، بمعنىً أوضح، أي دولة تريد أن تلعب دوراً مؤثراً في لبنان لا بد أن تكون متقاطعة مع الشروط الأميركية، لذا تحاول واشنطن دوماً تطويق أيّة محاولة انفراد فرنسي، أو تمايز، وكذلك بالنسبة إلى أي مقترح مصري. وانطلاقاً من هذه الاستراتيجية ولدت فكرة تضييق هامش عمل لجنة الميكانيزم، وضغطت واشنطن على الدولة اللبنانية للدخول إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل تكون برعايتها، على أن تنسحب بعدها، فتتحول المفاوضات إلى ثنائية لبنانية إسرائيلية.
حل القضية الفلسطينية أولاً
ما يسري على لبنان يختلف عن الوضع في سوريا؛ إذ تعلم واشنطن أن هناك جهات عديدة ناشطة وتتمتع بنفوذ ومراكز قوى على الأراضي السورية، وخصوصاً روسيا التي أظهر الرئيس السوري أحمد الشرع انفتاحاً عليها وزارها وهي تواصل انتشارها في الساحل كجهة ضامنة، إضافة إلى استعدادها لتزويد قوات الجيش السوري بالأسلحة. وذلك لا يمكن أن يحصل من دون موافقة واشنطن، التي ربما يكون من مصلحتها بقاء القوات الروسية على الساحل السوري في هذه المرحلة، ما دامت لا تفسح في المجال أمام وصول مشروع “الحزام والطريق الصيني”. أما بالنسبة إلى وجود تركيا ونفوذها، فذلك ينسجم مع الاستراتيجية الأميركية. وكذلك بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، ودولة قطر. في حين تسعى واشنطن بين دمشق وتل أبيب للتوصل إلى اتفاق ترتيبات أمنية يمهد لاحقاً لاتفاق سلام، خصوصاً أن ترامب سيطلب من الشرع موقفاً يبدي فيه الاستعداد للانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية، إلا أن موقف الشرع واضح وهو يرتبط بعدم الدخول في أي مسار من هذا النوع، في ظل موقف عربي تمثله السعودية وقطر يرفض الانضمام إلى اتفاقات السلام قبل الوصول إلى حل للقضية الفلسطينية.
… ولبنان متمسك بالمبادرة العربية
لبنان كذلك، يعلن أن أي مسار للسلام بالنسبة إليه يجب أن يمر من المبادرة العربية للسلام، والتي تنص على حلّ الدولتين، وهو ما سيبحث خلال زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن ولقائه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب. لكن دمشق سلكت طريق التفاوض المباشر مع تل أبيب منذ أشهر، ويُحضّر لعقد جولة تفاوضية جديدة في الفترة القريبة المقبلة. أما لبنان فلم يلتحق بهذا المسار بعد على الرغم من إبدائه النية مقابل عدم تقديم إسرائيل أي جواب، وسط استمرار المساعي والمحاولات وانتظار لبنان للجواب الإسرائيلي، إلى جانب مواصلة تل أبيب اعتماد لغة التهديد والتصعيد العسكري.
الطائفة و”حرب الوجود”
في الموازاة، برزت زيارة وفد وزارة الخزانة الأميركية إلى بيروت، والتي انضم إليها مسؤولون من مكتب الأمن القومي في البيت الأبيض، مع رسالة في غاية الوضوح والتشدد تتصل بضرورة إسراع الدولة اللبنانية في العمل على سحب سلاح حزب الله ومنعه من إعادة بناء قدراته العسكرية، إضافة إلى ضرورة تفكيك كل البنى المؤسساتية التي تشكل عماداً أساسياً للحفاظ على بنيته الأمنية والعسكرية والاجتماعية حتى، لذلك فإن الإستراتيجية الأميركية في هذه المرحلة تتركز على تشديد الخناق المالي على حزب الله، وقطع الإمداد على مؤسساته الصحية، التربوية، الاجتماعية وغيرها، في حرب يعتبرها الحزب وغالبية أبناء الطائفة الشيعية بأنها حرب وجود عليهم.
آليات لرصد “الأموال الفردية”
هنا لا يمكن فصل جولة وفد وزارة الخزانة الأميركية على المنطقة. فهو قبل الوصول إلى لبنان مرَّ بإسرائيل وتركيا. مع إسرائيل الأهداف واضحة، وهي تتصل بالتنسيق الاستخباري والتقني لمكافحة طرق حزب الله في إدخال الأموال إلى لبنان. ولزيارة تركيا الهدف نفسه، بعد ورود تقارير كثيرة تعتبر أن حزب الله ينجح في تمرير أموال عبر تركيا بطريقة فردية، أو عبر تطبيقات مالية الكترونية. ووفق ما تؤكد مصادر متابعة فإن الأميركيين يواجهون صعوبة في مواجهة آليات الحزب لإدخال الأموال، التي تستند في جانب كبير منها إلى إدخال أموال فردية. وهو ما تريد الخزانة الأميركية البحث في كيفية مكافحته، عبر تشديد الرقابة أكثر على كل شركات الصيرفة وتحويل الأموال.
الورشة ضد الإرهاب: واشنطن ترسل هيرلي وتستقبل الشرع
وللمصادفة، أن الزيارة الأميركية إلى بيروت تتزامن مع زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لواشنطن من أجل الانضمام إلى تحالف محاربة الإرهاب، والسعي إلى رفع قانون قيصر، إضافة إلى الانضمام إلى النظام المالي العالمي، وما يقتضيه ذلك من مكافحة تبييض الأموال، خصوصاً أن واشنطن تعتبر أن حزب الله نجح طوال السنوات الماضية، ولا يزال، من الاستفادة من سوريا كمعبر لتمرير الأموال أو البضائع، وهو ما يُسعى إلى إغلاقه على نحوٍ كامل. ولا تقف الأمور عند هذا الحد؛ بل إن أي اتفاق أمني يتم التوصل إليه بين سوريا وإسرائيل لن تقتصر مفاعيله على ضبط الوضع الأمني في الجنوب السوري، أو خلق منطقة خالية من السلاح؛ بل سترتبط تداعياته بتنسيق أمني واستخباري بين الجانبين، لمواجهة أيّة محاولة من جانب حزب الله لتهريب الأموال أو الأسلحة، وهو يندرج في سياق تشديد الخناق على نحوٍ كامل.
