
خاص- بكاسين بخير… لا إسرائيل أشعلت الحريق ولا الحرج احترق
أُخمد بعد ظهر أمس الحريق الذي اندلع من بلدة عاراي وصولًا إلى الغباطية فبكاسين في قضاء جزين، بعد ساعاتٍ من العمل المتواصل من قِبل فرق الدفاع المدني بمؤازرة الجيش اللبناني وشباب البلدة. وتمكّنت الجهود من محاصرة النيران ومنع تمدّدها إلى الأحراج الصنوبرية التي تُعدّ من أجمل غابات لبنان وأكثرها كثافة، فيما اقتصرت الأضرار على أشجار الزيتون والصنوبر الخاصة العائدة لأبناء البلدة، في خسارةٍ موجعة للموسم والرزق معًا.
وبحسب المعطيات الأوليّة، يُرجَّح أن يكون الحريق قد نتج عن إحراق أغصانٍ يابسة، أو أنّ أصحاب المشاحر في المنطقة قد يكونون المسبّبين الرئيسيين للحريق. ولا مؤشرات حتى الآن تدعم ما تمّ تداوله عبر بعض المواقع “الصحافية” عن “عملٍ مفتعل” أو “محاولة حرق متعمّدة” من قبل أيّ جهة خارجية.
في كلّ سنة، ومع بداية موسم الزيتون والتشحيل وتنظيف الأراضي، تتكرّر هذه الحوادث في أكثر من منطقة لبنانية، والسبب في معظمها الإهمال وسوء التقدير. فتكفي شرارة صغيرة لتلتهم في دقائق تعبَ سنوات.
ورغم ذلك، يُسجَّل لبلدية بكاسين أنّها من البلديات النموذجية في الجهوزية البيئية، إذ تمتلك نقاط مراقبة وإطفاء سريعة التدخّل، وقد تعاونت خلال السنوات الماضية مع الدفاع المدني لإنشاء مستودعات مياه ومضخّات احتياطية في مواقع متقدمة داخل الحرج وحول البلدة، ما ساهم في الحدّ من تمدّد الحريق الأخير وإنقاذ رئة الجنوب الصنوبرية.
صحيحٌ أنّ حرائق اخرى اشتعلت في الجنوب بسبب الغارات الإسرائيلية، ولكنّ ما يؤسف حقًا هو أن البعض، كلما اشتعلت نار في لبنان، يُسارع إلى اتهام إسرائيل. باتت التهمة أسهل من مواجهة الحقيقة، وكأنّها المخرج السريع من كل تقصير.
كفانا تعليق كل خطأ على شماعة ما تسمّونه بـ”العدوّ”. فإسرائيل لا تحتاج أن تشعل غاباتنا، نحن نحرقها بأنفسنا حين نُهمل ونغضّ الطرف عن المخالفات، ونسمح بالاستهتار تحت ذريعة “ما فينا نعرف مين السبب”.
العدوّ الحقيقي اليوم هو الإهمال المزمن، والفوضى، وغياب المحاسبة. فالتهرّب من المسؤولية لا يُطفئ الحرائق، بل يُبقيها مشتعلة في الغابات… وفي عقولنا. مواجهة الكوارث لا تكون بالشعارات، بل بالصدق والعمل والمحاسبة.
دعوة للمحاسبة والتعويض
في هذا السياق، طالب رئيس بلدية بكاسين الأستاذ جوزيف نصر عبر موقع Beirut24، الأجهزةَ الأمنية بـملاحقة المسؤولين عن إشعال الحرائق ومحاسبتهم بلا تهاون، معتبرًا أنه “من غير الطبيعي أن تشتعل الحرائق في كل لبنان في الوقت نفسه”.
وأشار إلى أنّ معالي وزير الزراعة نزار الهاني كان قد أكّد أنّ “جميع الحرائق الأخيرة خلفها نشاط بشري”، ما يستوجب، بحسب نصر، تشديد التحقيقات ومحاسبة كل من يثبت تورّطه، مؤكدًا أنّ “النقطة التي بدأ منها الحريق معروفة، وبالتالي فصاحب العقار هو صاحب الشرارة الأولى، ولا يجوز التستّر على أحد”.
وأضاف نصر أنّه “لا يُفترض مطالبة الأهالي بالإبلاغ عن الفاعل، بل على الأجهزة الأمنية أن تتولّى الاستقصاء والتحقيق الميداني، منعًا لأي تلاعب أو حماية للمسبّبين”، داعيًا في الوقت نفسه وزارة الزراعة إلى “إحصاء الأضرار والخسائر التي لحقت بالمزارعين، وتعويضهم عبر تقديم شتول جديدة لإعادة تشجير الأراضي المتضررة”.
ودعا رئيس بلدية بكاسين، اتحاد بلديات المنطقة إلى أن يقوم، عبر مكتب الزراعة في جزين، بتبليغ البلديات المجاورةأصول التشحيل والوقاية، خصوصًا في هذا الموسم الجافّ الذي يسهّل اشتعال الحرائق وانتشارها بسرعةٍ خطيرة، مشددًا على ضرورة الالتزام بتوقيت وآلية التشحيل وفق معايير السلامة، تفاديًا لتكرار الكارثة.
دروس للبقاء الأخضر
بلدية بكاسين مدعوّة، كما سائر البلديات، إلى مواصلة نهجها الوقائي وتوسيعه، عبر:
– تنظيم حملات توعية قبل موسم التشحيل.
– تشديد الرقابة على إحراق الأعشاب والأغصان اليابسة.
– تفعيل الإنذار المبكر بالتعاون مع الدفاع المدني.
– تجهيز فرق تدخل سريع إضافية في النقاط الحساسة.
فالحريق هذه المرّة انطفأ قبل أن يلتهم الأحراج، لكنّ التهاون المتكرّر قد لا يمنحنا فرصة ثانية.
بكاسين نجت بالأمس، لكنّ نجاتها المقبلة مرهونة بوعي أهلها وبصدق إداراتها المحليّة في تحمّل المسؤولية قبل أن تشتعل النار مجددًا.
