
لبنان يطمر رأسه في الرمال
في الوقت نفسه، حصلت زيارتان دوليتان: الأولى للرئيس السوري أحمد الشّرع الذي اتّخذ مساراً لبلاده أوصله إلى لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والثانية للرئيس اللبناني جوزف عون إلى بلغاريا والمجر، المعروفة بكنائسها وتاريخها العريق، ودعمها للمسيحيين. لكل منهما مسار مصير.
حال رئيس الوفد الأميركي الذي زار بيروت، سيباستيان غوركا كحال بلغاريا. هو هنغاري الأصل، له جذور مسيحية عميقة، دغدغه كلام الرئيس عون عن المسيحيين في اللقاء الأخير بينهما، فخرج مادحاً الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق، السائر على خُطى رؤية ترامب في الاتفاقيات الإبراهيمية. كيف ومتى ولماذا استنتج غوركا هذه الخلاصة؟
أمام عنوانيْ هذا المشهد بين دمشق وبيروت، لا بدّ من استعادة قول مأثور: “اعمل يا عبدي كي أعمل معك”، فهل بالصلاة وحدها يحيا لبنان؟
لعلّ ما كتبه المبعوث الدوليّ إلى سوريا توم بارّاك على حسابه في منصة “إكس” أكبر دليل على تقدّم سوريا باتجاه ما يسمى بـ”قطار المنطقة”. هذا بطبيعة الحال سبق أن تطلّب منه قرارات جريئة قد تُصنَّف في خانة التنازلات. إلا أنّ الشّرع الذي كان يوماً محمد الجولاني، نزل على الأرض وقرّر أن يخطو ببراغماتية مطلقة، على قاعدة التوازنات الجديدة، والأهم تحت رعاية إقليمية، سعودية تحديداً.
أصبح الشّرع أول رئيس سوري يزور البيت الأبيض منذ أن نالت سوريا استقلالها. بينما خطت دمشق الخطوة العملاقة من العزلة إلى الشراكة، تعلّق مصادر دبلوماسية مواكبة للملفين اللبناني والسوري بالقول: “إنّ لبنان يسير معاكِساً، أي يتجه إلى عزلته. تحولت المسافات السياسية بين دمشق وبيروت إلى مسافات ضوئية، حيث يقوم الرئيس الذي تحوّل إلى نجم المنطقة، بقيادة سوريا إلى صدارة القطار، بينما يأخذ لبنان مكان سوريا في الأزمة والحرب والحصار، وربما لاحقاً، يرث “قانون قيصر” بينما تنجو منه سوريا”.
توم بارّاك قالها في منشوره على “إكس”، أنّ سوريا ستساعد واشنطن على محاربة داعش، ومحاربة “الحزب”. وهذا الكلام لن يكون تفصيلاً في المشهد المقبل على العلاقة بين البلدين، وعلى الحدود بينهما، وعلى ما يمكن أن يتعرّض له لبنان من حصار من شماله وجنوبه وشرقه.
لبنان يرث حصار سوريا
في لبنان، السرديّة الرسمية مختلفة. لبنان لا يزال يشبه لبنان القديم على الرغم من انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة. إلا أنّ واقع الحياة السياسية لم يتغيّر كما هو مطلوب دولياً، ولا جرى تطبيق الإصلاحات، لا بل تمّ تسجيل عدد من الأحداث التي صُنِّفت على أنها خروقات أمنية في السلاح والمال والإدارة.
إلا أنّ المشهد الداخلي لا يختصر كل شيء. رئيس الجمهورية الأمين على وضع لبنان على خارطة الطريق الدولية، يشكو في كل لقاء له مطالباً عواصم القرار بالتدخل للضغط على إسرائيل لتقديم “أيّ شيء” للبنان؛ لأنّ غاراتها واحتلالها لا يساعدان لبنان على التقدّم بشكل جدّي باتجاه التفاوض المباشر، كما تريد واشنطن.
مصدر دبلوماسي تحدث لـ”أساس”، قائلاً إنّ هذا الأمر لن يحصل. إسرائيل سبق أن قدّمت إطلاق سراح الرهائن الخمسة المدنيين ولم يَمضِ لبنان في خارطة الطريق. لذلك، إنّ واشنطن تحديداً لا تريد أن تلعب دور الوسيط، فهي ضاقت ذرعاً بكل هذه المساعي وكل هذه الوفود التي تصل وتغادر.
بناءً على ذلك، تحدثت المصادر أنّ مهلة الشهرين هي الأخيرة: إما يتجاوب لبنان وإما لا شيء سيبقى على ما هو عليه. بالنسبة إلى عواصم القرار، إن الأزمة لم تعد فقط مع “الحزب”، بل أصبحت مع السلطة السياسية. “ما الذي يضمن لهذه السلطة أن يبقى لبنان سالماً معافى طيلة عمر العهد الجديد بحكومته هذه أو بحكومة جديدة بعد الانتخابات”؟
هو السؤال الذي بدأ يُطرَح بصوت عالٍ. لبنان مقبل على جحيم اقتصادي ومالي وأمني ما لم يجلس فيه عاقل ويعالج كل العناوين.
أما سفير واشنطن في لبنان ميشال عيسى الذي سيصل قريباً إلى لبنان، فهو لا يختلف أبداً عمن سبقه. وبالتالي، إنّ الرهان على انتظار “اللبناني الأصل ميشال عيسى” ليكون أملاً لتغيير ما في المقاربة الأميركية هو ساقط حكماً. عيسى مثله مثل بارّاك مثل مورغان أورتاغوس، لا تتغير السياسات مع الأشخاص. أما الكلام عن الرهان على عودة آموس هوكستين، فهو بحد ذاته تسخيفٌ للأزمة؛ لأنّ هوكستين لم يعد في دائرة القرار.
في واشنطن، يرى الدبلوماسيون أنّ المسؤولين في لبنان يتصرفون كالنعامة التي تضع رأسها في الرمال كي لا ترى حقيقة ما ينتظرها. إلا أنّ واقع الحال أنّ الانهيار لن يرحم أحد هذه المرة.
