من المعابر إلى مخابئ السلاح: لبنان يدخل زمن الاحتواء الأمني

من المعابر إلى مخابئ السلاح: لبنان يدخل زمن الاحتواء الأمني

الكاتب: ندى أندراوس | المصدر: المدن
14 تشرين الثاني 2025

في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، قدّم قائد الجيش العماد رودولف هيكل تقريره الثاني حول تنفيذ خطة حصر السلاح بيد الدولة، عارضًا ما تحقق جنوب الليطاني، وما يجري بالتوازي شماله في إطار ما يسميه الجيش بعملية الاحتواء.

لكن ما كشفه التقرير هذه المرة تخطّى البُعد الميداني؛ إذ بدا أن الجيش يخوض معركة صامتة شمال الليطاني تشكّل البنية التحتية لكل ما سيأتي لاحقًا في مسار تطبيق مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة.

الجيش الذي لطالما وُضع في موقع الحياد بين المكونات اللبنانية، قرّر اليوم الانتقال من منطق إدارة التوازنات إلى منطق ضبطها. هذه النقلة تُعتبر في جوهرها إختباراً مزدوجاً: اختبار أمني يهدف إلى استعادة السيطرة الميدانية على كامل الجغرافيا اللبنانية، واختبار سياسي يرمي إلى قياس مدى استعداد القوى الداخلية والإقليمية لتقبّل فكرة أن يكون القرار الأمني حكراً على الدولة وحدها.

ومن بين كل مراحل الخطة، برز ما وُصف في التقرير بعملية الاحتواء شمال الليطاني بوصفها المختبر الحقيقي لقدرة الجيش على تنفيذ الخطة من دون الانزلاق إلى مواجهة داخلية أو صدام مع قوى الأمر الواقع.

الاحتواء شمال الليطاني

عملية الاحتواء التي بدأ تنفيذها بموازاة إجراءات المرحلة الاولى جنوب الليطاني ليست مجرّد إنتشار أمني؛ بل استراتيجية أمنية هادئة تهدف إلى السيطرة على حركة السلاح ومنع نقله بين المناطق، بعد عقودٍ من التساهل مع هذه الحركة تحت مسمّيات مختلفة أبرزها سلاح المقاومة.

ففي الجلسة الحكومية الأخيرة، قدّم قائد الجيش عرضًا تفصيليًا لجداول توضح ما أنجز شمال الليطاني مقابل ما تحقق جنوبه، مشيرًا إلى أن الخطة تقوم على فصل مرحلتين متوازيتين:

•      الأولى، احتواء شمالي لمنع نقل السلاح أو إستخدامه.

•      والثانية، حصر جنوبي يسعى إلى نزع السلاح حيث تسمح الظروف الميدانية.

ويكشف مطلعون على المداولات لـِ “المدن” أن قائد الجيش شرح أن المقصود بالاحتواء هو إقفال الدائرة على السلاح المتحرّك، لا عبر المواجهة المباشرة؛ بل عبر ضبط المعابر، وتشديد الرقابة، ومصادرة أيّة شحنة أو قطعة سلاح تُضبط في مسار النقل أو التداول.

الجيش، بهذا المعنى، أوقف العمل بكل ما كان يُعرف بتسهيل مرور السلاح، خصوصًا ذلك العائد إلى حزب الله، والذي كان محمياً سابقًا بغطاء سياسي في البيانات الوزارية ضمن ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة.”

هذه المقاربة الجديدة تعني عمليًا أن الغطاء السياسي والأمني لتحريك السلاح قد سُحب، وأن ما تبقّى منه اليوم بات محصورًا في مخابئه، لا يتحرك ولا يُنقل، لأن أي عملية رصد أو نقل تُعتبر خرقًا مباشرًا لخطة الجيش، وتؤدي إلى مصادرة السلاح وملاحقة ناقليه.

خط الاحتواء الثاني

جزء أساسي من عملية الاحتواء يتمركز على الحدود اللبنانية السورية. في هذا الإطار كشف مصدر حكومي لـِ “المدن” أن قائد الجيش أبلغ مجلس الوزراء أنّ عددًا كبيرًا من المعابر غير الشرعية ومنافذ التهريب ومنها تلك التي كانت تُستخدم لنقل السلاح أُقفل فعليًا، في حين بقي بعضها ناشطًا بحكم صعوبة التضاريس وطول الحدود مع سوريا.

الجيش يعزّز نقاط المراقبة والدوريات في هذه المناطق؛ إذ تعتبر قيادة المؤسسة العسكرية أن الحدود الشرقية هي الامتداد الطبيعي لعملية الاحتواء شمال الليطاني. فأيّة حركة سلاح من سوريا إلى الداخل اللبناني أو العكس تُعدّ خرقًا مباشرًا للخطة، ولذلك جرى إنشاء خط دفاع أمني موازٍ للّيطاني في الشرق، هدفه احتواء تهريب السلاح والمخدرات معًا.

حرب موازية

لم يقتصر مفهوم الاحتواء على السلاح السياسي أو العسكري؛ بل شمل أيضًا سلاح العصابات وشبكات المخدرات المنتشرة على الحدود.

هذه الجبهة، كما وصفها القائد أمام الوزراء، لا تقل أهمية عن حصر السلاح العسكري، لأنّها تمسّ الأمن الاجتماعي والاقتصادي للدولة، وتؤثر على علاقاتها الإقليمية.

الجيش يتعقّب اليوم بؤرًا منظّمة تعمل بتنسيق عبر الحدود بين عصابات لبنانية وسورية، تتولى تصنيع المخدرات وتهريبها.

وتشير المعلومات إلى أنّ عمليات نوعية جرت في البقاع الشمالي والهرمل، أسفرت عن مصادرة أسلحة ومواد كيميائية كانت معدّة للاستخدام المزدوج، في تصنيع المخدرات وتهريبها.

المصادر الحكومية إختصرت ما عرضه قائد الجيش في مجلس الوزراء عبر جداول موازية تتعلق بالمرحلة الاولى جنوب الليطاني كما عملية الاحتواء بالتوازي جنوباً وشمالاً بثلاث نقاط موزعة زمنيا على الشكل الآتي:

الشهر الاول: بدء الدوريات وإنشاء نقاط تفتيش شمال الليطاني وعلى الحدود السورية. 

الهدف: ضبط نقل السلاح ومراقبة الطرق والمعابر.

النتائج: إغلاق عدد من المعابر غير الشرعية ووقف تسهيلات النقل.

الشهر الثاني: توسيع نطاق التفتيش والمراقبة الميدانية.

الهدف: مصادرة الأسلحة المضبوطة وملاحقة العصابات.

النتائج: رفع مستوى الردع ومنع الحركة المسلحة.

الشهر الثالث: تقويم شامل ورفع تقرير لمجلس الوزراء.

الهدف: تثبيت معادلة عدم النقل وعدم الاستخدام.

النتائج المتوقعة: ترسيخ مناخ الردع من دون مواجهة ميدانية.

أما الخريطة الميدانية فتختصر بثلاثة قطاعات:

•       شمال الليطاني: انتشار وحدات الجيش على الطرق الحيوية في البقاع والشمال، إقامة نقاط مراقبة على محاور عكار البقاع، وتعزيز الرقابة على المعابر.

•      الحدود الشرقية: تمركز وحدات إضافية في الهرمل والقاع، وإغلاق ممرات جبلية كانت تُستخدم للتهريب.

 جنوب الليطاني: إقامة نقاط تفتيش في القرى الجنوبية الواقعة ضمن القرار 1701، مع إستمرار التنسيق مع قوات اليونيفيل في المناطق الحساسة.

حصر السلاح تحت سقف الاحتلال والمعوقات

في جنوب الليطاني، المهمة تبقى أكثر تعقيدًا. الجيش يواصل انتشاره في مناطق القرار 1701، ويضع يده على أي سلاح يُضبط خارج إطار المؤسسات الرسمية، لكنّ المعوقات الميدانية الناتجة عن الاحتلال الإسرائيلي وخروقاته المتكررة تحول دون الانتشار الكامل أو استلام كل المواقع.

ولهذا السبب، يبقى الاحتواء حاضرًا كآلية تنفيذية في المناطق التي يتعذّر فيها الحصر الفعلي؛ أي إنّ الجيش يمنع نقل السلاح أو إستخدامه، ويضع يده عليه، من دون الذهاب إلى مواجهة مباشرة حفاظًا على الاستقرار.

من المقرر أن يقدّم الجيش تقريره الثالث الشهر المقبل، لتقويم ما إذا كانت المرحلة الأولى أنجزت أهدافها، ولتحديد مدى إمكان الانتقال إلى المرحلة الثانية جنوبًا، بالتوازي مع استمرار عملية الاحتواء.

في السياسة والأمن

يُظهر مسار الخطة أنّ الجيش اختار الواقعية الأمنية بدلاً من المواجهة السياسية.

فالاحتواء لا يعني التراخي؛ بل تحويل السيطرة من شكلها الصدامي إلى شكلٍ إداري منظم، يمنع تحريك السلاح ويجمده ميدانيًا، ريثما تتوافر ظروف الحصر الكامل.

وفي المقابل، فإنّ حصر السلاح جنوبًا هو الامتحان العملي لقدرة الدولة على ترجمة هذا المنهج إلى سيطرة ميدانية مكتملة.

المصادر الأمنية التي تواكب التنفيذ تؤكد أنّ الجيش يسير بخطىً ثابتة ومتصاعدة، وأنّ السلاح الذي لم يُصادر بعد بات بلا غطاء سياسي أو أمني؛ إذ أُجبر على البقاء في مخابئه، وتوقّف أي انتقال له بين المناطق.

بين الاحتواء وحصر السلاح، تمضي المؤسسة العسكرية في اختبارٍ دقيقٍ عنوانه فرض سلطة الدولة على السلاح من دون كسر التوازنات الداخلية.

فالجيش اللبناني لا يذهب إلى المواجهة، لكنه يُمسك بالميدان خطوةً بخطوة، مانعًا تحريك السلاح أو تهريبه، وممهّدًا لمرحلةٍ لاحقة قد تكون الأولى في تاريخ لبنان الحديث التي تضع البلاد على طريق احتكار القوة الشرعية بيد الدولة وحدها. مهمة شاقة ومحفوفة بالمطبات لا يمكن أن تُحدد سقوف زمنية نهائية وحاسمة لإنجازها، مهما دُوِّن من حبر على ورق.

11.jpg

تسلل إسرائيلي إلى عيترون وتفجير أربعة منازل

Image-1762860005

عون: لا نتيجة إيجابية بشأن طلبنا من الدول الضغط على إسرائيل

GettyImages-1229322699.jpg

اجتماعٌ للميكانيزم اليوم: بحث الخروق وتثبيت التهدئة

نعيم قاسم (Getty)

قاسم للحكومة: نريد خطة لاستعادة السيادة تنفذها القوى الأمنية

اعلان

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث