الحزب يواجه هجمة واشنطن على القرض الحسن: نتمسك به كالسلاح

الحزب يواجه هجمة واشنطن على القرض الحسن: نتمسك به كالسلاح

الكاتب: غادة حلاوي | المصدر: المدن
14 تشرين الثاني 2025

خلال مهلة الستين يوماً التي حدّدها وفد وزارة الخزانة الأميركية، سيُصار إلى فرض سقوف محددة على عمل شركات تحويل الأموال، واتخاذ تدابير وصفت بالجذرية تحت عنوان “الانتظام” و”اتخاذ إجراءات حاسمة” لمحاصرة ما تسميه واشنطن “منظمة” القرض الحسن، والتي تعاملها كـَ “سوق سوداء” يجب ملاحقتها عبر استهداف المتعاملين معها، وفق سياسة تقوم على القضم والتقييد. وما تقدّم هو خلاصة مداولات داخلية ضيقة لم يتخذ قرار بشأنها بعد، ريثما تُستكمل دراسة تُعد حالياً، في إطار سياسة الخطوات المتصاعدة والمتتابعة.

وكما في الملفات الأمنية، كذلك في السياسة: فترة زمنية منحتها واشنطن للبنان لسحب السلاح وإنجاز الإصلاحات، تحت ضغط تشديد الخناق المالي والاقتصادي، بالتوازي مع توسيع رقعة العدوان الإسرائيلي على لبنان.

ويمكن اعتبار السابع والعشرين من الشهر الجاري، وهو الذكرى السنوية الأولى لاتفاق وقف النار، ذريعة جديدة تستخدمها إسرائيل لمواصلة اعتداءاتها، بحجة أن لبنان لم يتحول، كما سوريا، إلى منطقة منزوعة السلاح. وفي السياق نفسه من الضغوط، ولكن من البوابة الاقتصادية، تبقى المؤسسات المالية والاجتماعية التابعة لحزب الله موضع رصد وملاحقة. 

وقد أعد وفد الخزانة تقريراً مفصلاً عن القرض الحسن، تراخيصه وآلية عمله، والسبل القانونية الكفيلة بوقف نشاطه عبر إعداد مضبطة اتهام بحقه. وقبل ذلك، كانت المبعوثة مورغان أورتاغوس تستفسر وزارة الشؤون الاجتماعية عن عدد المؤسسات الاجتماعية التابعة للشيعة في لبنان، والفئات والمناطق التي تغطيها مساعداتها.

وأمام اقتناع الولايات المتحدة بأن العقوبات التقليدية لم تحقق نتائج كافية، تبحث واشنطن عن وسائل أخرى لإصابة بيئة حزب الله. وهي مواجهة تعود جذورها إلى العام 2019 مع أزمة المصارف والشروط التعجيزية لاستعادة أموال المودعين، وتتواصل اليوم عبر التدقيق في المال النقدي، وملف القرض الحسن، ومساعدات حزب الله الاجتماعية ونطاقها الجغرافي.

على أن الضغط لا يطال حزب الله وبيئته فقط؛ بل يشمل الدولة اللبنانية نفسها التي تبدو عاجزة عن إيجاد آليات للتعاطي مع الضغوط المفروضة عليها. كما لا تستطيع فتح مواجهة إضافية مع حزب الله، وهي تدرك حجم توسع نشاط القرض الحسن وعدد المستفيدين منه، فضلاً عن كونه مؤسسة مستوفية للشروط القانونية. فتُطرح الأسئلة حول المدخل الذي يمكن استخدامه للإطباق عليه تنفيذاً للمطلوب.

المس بسيادة الدولة

وما يجري ليس إلا جانباً متقدماً من الضغوط، ستكون له ارتدادات مباشرة على الناس. أمّا بالنسبة إلى حزب الله، فالمسألة تتعلق بسيادة الدولة، التي يفترض بها اتخاذ قرار واضح بشأنها.

وقد أبلغ حزب الله المعنيين من المسؤولين أن موقفه من القرض الحسن لا يختلف عن موقفه من سلاح المقاومة، لكونه ملفاً يمسّ حياة الناس واحتياجاتهم. فالممارسات الأميركية تضغط على أصحاب الحسابات الكبيرة، في حين تواطأت المصارف في التعامل مع حسابات المودعين إلى حدّ فقدان الناس ثقتهم بها نهائياً. ولذا جاء التوجه نحو القرض الحسن نتيجة الأزمة المالية وانعدام الثقة بالمصارف وعجزها عن سداد أموال المودعين.

ويشدّد حزب الله على أن سياسة  القرض الحسن وآلية عمله قائمة على أنها مؤسسة مفتوحة أمام اللبنانيين كافة، خاضعة للقوانين اللبنانية، مستوفيةً الشروط ومرخصةً وفق الأصول. وهذا النوع من المؤسسات متداول في مختلف الطوائف اللبنانية، وليس حكراً على جهة معينة. لكن ما جعل القرض الحسن محطّ أنظار الخارج هو تدفق الناس إليه بفعل الأزمة الاقتصادية وشروط المصارف الخاصة واستيلائها على تعب الناس.

واليوم هناك عشرات الآلاف من المستفيدين من  القرض الحسن (مالاً وذهباً). وقد تلقت الدولة في الفترة الأخيرة مجموعة أسئلة أميركية تتعلق بعمله وإمكانية سحب الترخيص منه، وطُلب من الحكومة إدراج الملف على جدول أعمال مجلس الوزراء، قبل أن يُستدرك الأمر لما قد يترتب على الخطوة من تداعيات خطيرة على البلد والحكومة معاً.

ولم تغب عن حزب الله زيارة أورتاغوس لوزارة الشؤون الاجتماعية، حيث سألت عن المؤسسات الاجتماعية التابعة للحزب ثم تلك التابعة للطائفة الشيعية على نحوٍ عام. والأمر نفسه قام به وفد الخزانة الأميركية الذي كان حاسماً في اجتماعه مع حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، موجهاً إليه انتقادات قاسية بسبب استمرار عمل القرض الحسن، رافضاً تبرير الحاكم بأن نشاطه لا يدخل في اختصاص المصرف المركزي. هذا الضغط المتصاعد دفع إلى تقاذف كرة المسؤولية بين وزارة الداخلية والمصرف المركزي حول ملف القرض الحسن، خشية العواقب المحتملة.

لكن، ومن خارج إطار الحكومة، يُتوقع صدور قرارات مالية تشكل التفافاً على عمل القرض الحسن، عبر استهداف المتعاملين معه والمعاملات الصادرة عنه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مؤسسات حزب الله على اختلافها.