زيارة الشرع لواشنطن… ومرحلة إعادة تشكيل ملامح «الشرق الأوسط الجديد»

زيارة الشرع لواشنطن… ومرحلة إعادة تشكيل ملامح «الشرق الأوسط الجديد»

المصدر: الراي الكويتية
14 تشرين الثاني 2025
– واشنطن تمسك بخيوط متشابكة تمتد إلى غزة ولبنان وطهران… وإسرائيل تُراقب المشهد ببراغماتية حذرة
– سوريا تحاول العودة عبر البوابة الأميركية
– التركية… وفي خلفية اللقاء خطة ثلاثية
– إسرائيل تفضل «استمرار السماء المفتوحة» التي تتيح لها شن هجماتها على أهداف في لبنان وسوريا من دون قيد
– خطة براك للبنان «قوبلت بالرفض الكامل في تل أبيب»

من جناح فاخر في فندق «سانت ريجيس» بواشنطن، إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، رسمت زيارة الرئيس السوري خريطة جديدة للشرق الأوسط، أو على الأقل حاولت أن ترسمها. بين الابتسامة المدروسة أمام عدسات الكاميرا والتصلب المحسوب خلف الأبواب المغلقة، حمل أحمد الشرع إلى واشنطن ملفّات ثقيلة تتشابك فيها غزة وإيران ولبنان وسوريا، وكلها تتقاطع عند بوابة خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي لاتزال، كما وصفتها صحيفة هآرتس في افتتاحيتها، «مجرد رزمة مسودات لم تتبلور بعد لتصبح خطة قابلة للتطبيق».

زيارة غير مسبوقة… وصورة مدروسة

وكتبت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، من جانبها، إن صورة الشرع وهو يجلس مرتاحاً على أريكة الفندق الفاخر قبل لقاء ترامب «تحكي القصة كلها». قبل أقل من عام كان معروفاً باسمه الحركي «الجولاني»، ومطلوباً بمكافأة قدرها 10 ملايين دولار، أما اليوم فيُستقبل في البيت الأبيض ويدلي بتصريحات للصحافة الأميركية.

وأضافت أن واشنطن «أخفت الزيارة بدايةً، وأدخلت الشرع من باب جانبي»، قبل أن تسمح لاحقاً بنشر صور اللقاء، بعد مقابلة مطولة أجرتها صحيفة «واشنطن بوست» معه، في خطوة فُهمت على أنها اختبار أميركي لردود الفعل الإقليمية والدولية.

وتضيف «هآرتس»، أن ترامب يحتفظ على مكتبه «برزمة مسودات» لخطط تتعلق بأربع جبهات رئيسية في الشرق الأوسط: سوريا، إيران، لبنان، وغزة، لكن أياً منها لم يتحول بعد إلى مبادرة عملية.

وترى أن «زيارة الشرع إلى البيت الأبيض مثّلت إنجازاً سياسياً للطرفين»، لكنها كشفت في الوقت نفسه حجم التعقيد أمام تحويل هذه الزيارة إلى مسار سياسي فعلي.

وبحسب مصدر دبلوماسي أوروبي تحدث للصحيفة، فإن «البيت الأبيض يبدو وكأنه مركز تدور حوله أوراق كثيرة، لكن لا أحد يعرف بعد ما هو التوجه الفعلي للرئيس ترامب».

سوريا تبحث عن شرعية… وترامب عن ورقة إقليمية

الشرع خرج من واشنطن بإنجاز رمزي تمثل في تمديد الإعفاء من بعض العقوبات المفروضة على سوريا بموجب «قانون قيصر»، غير أن المراقبين يشككون في أن هذا التمديد سيفتح أبواب الاستثمار أو الإعمار.

وكتبت «هآرتس»، إن «المانحين لن يغامروا بأموالهم من دون وضوح سياسي، خصوصاً في ظل معارضة داخل الكونغرس لأي تخفيف على دمشق».

في خلفية اللقاء، دار الحديث عن خطة ثلاثية بين أنقرة وواشنطن ودمشق، تنص على أن تؤمّن تركيا المظلة العسكرية العليا للجيش السوري، فيما تُدمج القوات الكردية ضمنه تدريجياً، مع نزع السلاح من المناطق الحدودية.

لكن هذه الخطة، بحسب هآرتس، «مازالت حبيسة الورق»، فدمشق وأنقرة ترفضان الشروط الكردية المتعلقة بالاستقلال الإداري، بينما يرى مراقبون أن تركيا تستخدم الملف الكردي للهيمنة على القرار السوري الجديد.

وأشار التقرير إلى أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان رافق الشرع سراً إلى واشنطن، وشارك في بعض اللقاءات مع ترامب وكبار مسؤولي الإدارة، في خطوة اعتُبرت ضمانة لعدم انحراف المباحثات عن الخط التركي.

فيما اعتبرت «هآرتس»، أن «المفاوضات الأمنية بين إسرائيل وسوريا لاتزال متعثرة»، أصر الشرع في حديثه لـ«واشنطن بوست» على رفض إقامة منطقة منزوعة السلاح داخل الأراضي السورية، قائلاً إن «هذه أراضٍ سورية، ولا يمكن التنازل عن سيادة الدولة عليها».

وأضاف الشرع أن بلاده مستعدة لـ «ترتيبات أمنية» مع إسرائيل شرط انسحابها إلى «خطوط الثامن من ديسمبر»، أي إلى ما قبل توسعها في الأراضي السورية بعد سقوط نظام الأسد السابق.

وبحسب مصادر الصحيفة، فإن هناك اقتراحاً روسياً بنشر قوة شرطية في جنوب سوريا لتأمين الحدود وضمان التهدئة، على غرار النموذج الذي جرى أيام الأسد، وهو ما ألمح إليه الشرع خلال زيارته الأخيرة لموسكو ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين، حين أكد «احترام كل الاتفاقات الموقعة مع موسكو».

أما على الجبهة اللبنانية، فترى «هآرتس» أن الرئيس جوزف عون «مازال ينتظر رد إسرائيل على اقتراحه إجراء مفاوضات حول الترتيبات الأمنية والحدود».

وقال عون خلال مؤتمر صحافي، أخيراً: «عندما لا تؤدي الحرب إلى نتيجة، لا يبقى سوى الدبلوماسية، والمفاوضات لا تُجرى مع الأصدقاء بل مع الأعداء».

لكن إسرائيل، وفق التقرير، «غير معنية بالمفاوضات لا المباشرة ولا غير المباشرة»، وتفضل «استمرار السماء المفتوحة» التي تتيح لها شن هجماتها على أهداف في لبنان وسوريا من دون قيد.

وتشير «هآرتس» إلى أن خطة المبعوث الأميركي توم براك، التي تقترح وقف الهجمات الإسرائيلية لمدة شهرين وفتح مفاوضات حول ترسيم الحدود وإنشاء منطقة منزوعة السلاح، «قوبلت بالرفض الكامل في تل أبيب».

في موازاة هذه الجبهات، تبقى غزة وإيران خارج دائرة الحسم. فبينما تحاول واشنطن التوصل إلى «هدنة طويلة الأمد» عبر وساطات إقليمية، لاتزال طهران تمسك بخيوط تأثيرها في الساحتين السورية واللبنانية، وهو ما يجعل أي تسوية ناقصة أو موقتة.

ضبط الإيقاع الإقليمي

ويرى محللون أن زيارة الشرع جاءت في سياق محاولة أميركية لإعادة ضبط الإيقاع الإقليمي، بحيث يُعاد تعريف التحالفات لا من خلال الاتفاقات التقليدية مثل «اتفاقات إبراهيم»، بل عبر ترتيبات أمنية موقتة تُبقي النفوذ الأميركي حاضراً من دون انخراط مباشر.

وقال خبير في شؤون الشرق الأوسط للصحيفة «ترامب لا يريد شرقاً أوسطاً مستقراً بالكامل، بل شرقاً أوسطاً يمكن التحكم بإيقاعه…».

في المقابلات التي أجراها في واشنطن، أظهر الشرع ذكاءً لافتاً، بحسب «يديعوت أحرونوت»، حين أجاب عن الأسئلة المحرجة بابتسامات دبلوماسية وحسابات دقيقة.

فعندما سُئل عن المواجهات مع العلويين والدروز، قال بهدوء: «نحن في بداية الطريق لتوحيد الشعب السوري».

وعندما سُئل عن علاقته السابقة بتنظيم «القاعدة»، أجاب بابتسامة لافتة «كنت في التاسعة عشرة حينها، ولم أكن أنتمي للتنظيم».

لكن اللافت أكثر كان تصريحه الصريح عن إسرائيل: «نحن نجري حواراً مباشراً»، من دون استخدام المصطلحات التقليدية مثل «الكيان الصهيوني»، ما عُدّ تحولاً في الخطاب السوري الرسمي.

الشرع نجح في كسر العزلة السياسية، وترامب أضاف ورقة جديدة إلى ملفاته المبعثرة، لكن لا مؤشرات على تحول الزيارة إلى مسار سياسي واضح. كما قال دبلوماسي أوروبي لــ«هآرتس»: «هناك نشاط سياسي كبير، وأوراق تنتقل بين العواصم، لكن الجهة الوحيدة القادرة على الحسم مازالت صامتة في البيت الأبيض».

زيارة الشرع إلى واشنطن ليست مجرد حدث بروتوكولي، بل إشارة إلى مرحلة إعادة تشكيل خرائط النفوذ في الشرق الأوسط.

دمشق تحاول العودة عبر البوابة الأميركية – التركية، وواشنطن تمسك بخيوط متشابكة تمتد إلى غزة ولبنان وطهران، بينما تراقب إسرائيل المشهد ببراغماتية حذرة.

الملفات مفتوحة، والخطط لم تتبلور، لكن المؤكد أن ما بعد زيارة الشرع لن يكون كما قبلها، وأن «خطة ترامب للشرق الأوسط» بدأت تتشكل – ولو في الظل – على وقع تفاهمات غامضة بين الأصدقاء والخصوم في آن واحد.