
ماذا بعد مهلة الشهرين من واشنطن للبنان؟
الأميركي يطرح أسئلةً لا ليتلقّى أجوبةً، بل لإيصال رسالة إلى مَن يسألهم ومفادها أنّه يعرف وينتظر من لبنان أن يلاقيه في منتصف الطريق، وفي اعتقاده أنّ هذه الملاقاة تتطلّب شجاعةً وعدم التردّد في اتخاذ القرار المطلوب.
غيوم داكنة تتجمّع في سماء لبنان، لا لأسباب مناخية، ونحن بين الخريف والشتاء، بل لأسباب سياسية، والأسئلة المطروحة: هل الضربة الإسرائيلية حتمية؟ هل ما يُنشر تهويل؟ مَن يتحدّثون عن الضربة يجزمون بأنّها ستحصل، إلى درجةٍ أنّهم يحدّدون مواعيد: هل تكون قبل زيارة قداسة البابا؟ أم بعدها؟ هل قبل عيدَيْ الميلاد ورأس السنة أم مطلع السنة الجديدة؟ وإذا صح أنّها بعد شهرين، فهل يكون الشهران هما المهلة الأخيرة للبنان لتنفيذ ما هو مطلوب منه؟ أم يتمّ تلزيم إسرائيل مسؤولية إنهاء سلاح “حزب الله”؟
المؤشّرات ليست مطمئنةً، فالوفد الأميركي الذي زار بيروت هذا الأسبوع، كأنّه حمل معه ما تجمَّع من تهديداتٍ أميركيةٍ منذ ايام الموفد آموس هوكستين، مرورًا بالموفدة مورغان أورتيغوس، وصولًا إلى توم باراك، وثبت أنّ السياسة الخارجية الأميركية تُقرأ في كتابٍ واحدٍ ولا يختلف سوى الأسلوب، وإلّا كيف نُفسِّر أنّ ما قالته أورتيغوس لا يختلف عمّا كان يقوله آموس هوكستين، كما لا يختلف عمّا قاله لاحقًا توم باراك.
يُراقب الأميركيون كلّ شيء، يحملون معهم تقارير حين يأتون، تمامًا كما يحملون تقارير عندما يغادرون. يسألون، من ضمن أسئلتهم: كيف يؤمّن حزب الله رواتب وتعويضات لعائلات مَن سقطوا في الحرب؟ إذا كانت الأموال من الخارج، فكيف دخلت؟ وإذا كانت من الداخل فهذا يعني أنّ التهريب ما زال شغّالًا، فكيف يحصل في ظلّ التشدّد في المطار وفي المرافئ ولا سيما مرفأ بيروت؟
الأميركي يطرح أسئلةً لا ليتلقّى أجوبةً، بل لإيصال رسالة إلى مَن يسألهم ومفادها أنّه يعرف وينتظر من لبنان أن يلاقيه في منتصف الطريق، وفي اعتقاده أنّ هذه الملاقاة تتطلّب شجاعةً وعدم التردّد في اتخاذ القرار المطلوب.
وهناك إجراء موازٍ مرتقب وهو فرض عقوبات على كيانات وشخصيات لبنانية، وتقول معلومات مصدرها العاصمة الأميركية إنّ الأسماء التي ستُدرَج على لائحة العقوبات قد وُضِعت ولا تحتاج سوى إلى الإعلان عنها، وهذا الإعلان ينتظر إبلاغ وموافقة الرئيس الأميركي.
بناءً على كلّ ما تقدم، هل يتلقّف لبنان “اللحظة” أم يعتبر أنّ الاستقرار الداخلي يستحقّ التمهّل لئلا يقع ما هو متخوَّف منه. الجانب الأميركي يُلِح ولا يقبل بأي عذر، فهل ينفد صبره؟ وكيف سيُترجم نفاد الصبر هذا؟
السفير الأميركي الجديد في لبنان، ميشال عيسى، وصل إلى لبنان أمس، ومن خلال صداقته للرئيس دونالد ترامب، يبدو كأنّه سفير فوق العادة، وقد تكون الكلمة التي سيُلقيها عند تقديم أوراق اعتماده الاثنين، مؤشرًا إلى ما ستكون عليه السياسة الأميركية حيال لبنان، والتي يبدو أنها ستكون مُتشدّدة.
لم يعد لبنان يملك ترف الوقت، بل على العكس من ذلك، هو في سباقٍ مع الوقت، والمهلة المعطاة تنتهي في نهاية هذه السنة، فهل تتمّ الاستفادة مما تبقّى من وقت؟.
