
وزارة الصحة لضبط بائعي المنتجات الطبية في مواقع التواصل
تستعد وزارة الصحة العامة في لبنان، لملاحقة بائعي الأدوية، وضبط بائعي مستجحضرات التجميل في المواقع الالكترونية والشبكات الاجتماعية، وذلك في ظل فوضى تعمّ الفضاء الرقمي، وتجاوز للقانون.
وقال مصدر من وزارة الصحة العامة في لبنان لـ”المدن” إن الوزارة “تابعت حالتين تتعلقان ببيع منتجات تجميلية غير مسجّلة لدى مصلحة الهندسة الصحية، وتمّت الملاحقة القانونية المناسبة”.
وأضاف: “لا أرقام أو إحصاءات دقيقة حول المخالفين، ولا يمكن الجزم بأن جميع من يبيعون المنتجات الصحية أو التجميلية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا يملكون تراخيص، إلا أن الوزارة تتابع هذا الملف في الفترة الأخيرة”.
وشدد المصدر على أن “بيع الأدوية عبر المنصات الرقمية ممنوع قطعًا، إذ يُسمح فقط لمراكز التجميل المرخّصة ببيع بعض المنتجات، على أن تُنشر قريبًا لائحة بأسماء هذه المراكز المرخّصة من قبل وزارة الصحة”.
كما أكد أن “أي منتج يُراد بيعه يجب أن يمر عبر مصلحة الدواء إذا كان دواءً، أو عبر مصلحة الهندسة الصحية إذا كان من الكريمات أو المستحضرات التجميلية، وذلك للحصول على الموافقة الرسمية قبل تداوله”.
فوضى في التداول الرقمي
“من هبّ ودبّ”، هكذا بات المشهد في منصّات التواصل الاجتماعي في لبنان، حيث تحوّل معظم المؤثرين إلى “خبراء” تجميل ومدرّبين رياضيين، فيما الباقون مشاريع “مدرّبي حياة”، يقدّمون نصائح حياتية وطبية وتجميلية للجمهور.
يطلّون عبر الشاشة الصغيرة مرتدين الأردية البيضاء، محاطين بديكورات متقنة تناسب كل سوق، في حفلة استعراضية قد تخلو من المضمون، أو يكون مضمونها مضلِّلاً. والسؤال: أي صلاحيات يمتلك هؤلاء لمخاطبة الجمهور وترويج منتجات قد لا تكون مرخّصة، أو لتقديم معلومات غير دقيقة؟
رقابة على المؤثرين
قبل أيام، أثارت خطوة السلطات الصينية الأخيرة بتشديد الرقابة على المؤثرين عبر المنصات الرقمية ردود فعل واسعة على المستوى الدولي.
وحسب القرار الجديد، بات لزاماً على كل من يقدّم محتوى في مجالات حساسة مثل الطب، والقانون، والمالية أو التعليم أن يثبت مؤهلاته العلمية والمهنية، من خلال شهادات جامعية أو تكوين متخصص أو خبرة عملية موثقة.
وتوضح السلطات الصينية أن الهدف من هذه الإجراءات هو الحد من انتشار المعلومات المضللة وضمان أن تصدر الإرشادات في المجالات المهنية الحساسة عن خبراء معتمدين فقط، بما يعزز الثقة في المحتوى الرقمي ويحمي الجمهور من تبعات الأخطاء.
عشوائية
أما في لبنان، فالصورة مختلفة تماماً. المشهد الرقمي هنا يفتقر إلى أي إطار قانوني أو مهني ينظّم المحتوى المتعلق بالطب أو الصحة أو غيرها من المجالات الحساسة. فوضى وعشوائية تسيطر على الفضاء الرقمي، حيث يقدّم عدد متزايد من المؤثرين محتوى “مهنياً” من دون أي توثيق لمؤهلاتهم، وغالبًا من دون التزام بمعايير علمية أو أخلاقية.
هذا المحتوى غير الموثوق يشكّل خطراً مباشراً على المستخدمين، إذ قد يروّج لمعلومات مغلوطة تؤثر على قرارات الناس اليومية في مجالات دقيقة كالصحة أو الاستثمار أو التعليم، مما يفتح الباب أمام تبعات قانونية وأخلاقية كبيرة.
سلطة النقابات والهيئات
ويوضح مدير برنامج الإعلام في منظمة “سمكس” عبد الغني قطايا لـ”المدن” أن “النقابات والهيئات الصحية يجب أن تقوم بدورها في المحاسبة، لأنّ تنظيم المهنيين سيؤدي تلقائيًا إلى تنظيم الصورة العامة، فالناس ستتابع الشخص الموثوق لا المدوّن أو البلوغر، لأن الأخير يعبّر عن تجربته الشخصية، ولا يمكن ببساطة تضييق الفضاء الرقمي”.
ويضيف: “لا ألوم الجمهور في مسألة الوعي، بل يجب أن يمتلك القدرة على التمييز بين ما هو مهني وصحي وما هو دون ذلك”.
ويشير قطايا إلى أن هذا النوع من التسويق يُعرف بـBusiness Model، أي نموذج الأعمال، “حيث يستغلّ الشخص الذي يمتلك عدداً كبيراً من المتابعين (Fan Base) هذا الانتشار لتحقيق مكاسب مادية. فحتى لو باع الهواء، سيشتريه الناس لأنه شخصية معروفة”. ويرى أن “الحلّ لا يكون عبر فرض رقابة على المنصات الرقمية، بل عبر تفعيل دور الوزارات والجهات المختصة”.
حرية التعبير والتنظيم
في مواقع التواصل، يروّج شخص ما لخلطات التنحيف أو “علاجات منزلية” دون أساس علمي، وهو ما يعدّ شكلاً من أشكال الترويج غير القانوني، لأنّ التخصصات الطبية والنفسية يجب أن تبقى في عهدة أصحابها المرخَّصين.
ويؤكد أستاذ ومحاضر في اقتصاد المنصات الرقمية، الدكتور ربيع جميل، أنّ حرية التعبير في الفضاء الرقمي حق أساسي يجب أن يبقى مصاناً، لكنه في الوقت نفسه يشير إلى وجود حدٍّ فاصل بين التعبير الحرّ وبين التعدّي أو نشر معلومات غير صحيحة أو غير علمية، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بمسائل صحية أو اجتماعية أو أمنية.
ويحذر من أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت المصدر الأول للمعلومات لدى الناس، مما يجعل المسؤولية أكبر على من يُنتج المحتوى. وحسب جميل، “جزء من حوكمة الإنترنت هو تنظيم عمل صانعي المحتوى، خصوصاً عندما يقدّم بعضهم وصفات أو نصائح طبية لا تستند إلى اختصاص أو شهادة علمية”.
ويشدّد جميل على أنّ التنظيم لا يعني الرقابة أو قمع الحريات، بل هو وسيلةٌ لضبط المحتوى الذي قد يضرّ بالمستخدمين، مشيراً إلى أنّ المسؤولية في هذا المجال تقع على ثلاثة أطراف أساسية: النقابات المهنية التي يُفترض أن تضع سياسات واضحة لتنظيم إنتاج المحتوى المرتبط بمهن أعضائها كالأطباء والمحامين والمهندسين، والدولة التي عليها أن تتحمّل مسؤولية إدارة الفضاء الرقمي ووضع أطر قانونية للمحاسبة، والمستخدمون أنفسهم الذين يُفترض أن يتعاملوا بوعي مع ما يُنشر ويتصرّفوا كمستهلكين مسؤولين تجاه هذا الكمّ الهائل من المعلومات.
ويشدد على أن الفضاء الرقمي لم يعد عالماً فوضوياً لا يمكن تنظيمه، بل مساحة يجب إدارتها بحكمة توازن بين حرية التعبير والمساءلة والمصداقية.
مسؤولية مهنية
في المحصلة، يعكس المشهد الرقمي في لبنان حالة من التحوّل غير المنظم في مفهوم التأثير، حيث تداخلت الأدوار بين التخصص المهني والتسويق الشخصي، وبين المعرفة والإبهار البصري. فغياب الأطر القانونية والمؤسساتية التي تواكب هذا التحوّل جعل المنصات مساحة مفتوحة لكل من يمتلك القدرة على الظهور، لا بالضرورة على الإقناع أو المصداقية.
لم يعد تنظيم الفضاء الرقمي المهني مسألة تقييد للحرية، بل خطوة ضرورية لحماية المستخدمين وضمان حقهم في الوصول إلى المعلومة الصحيحة من مصادر موثوقة. فبينما تمضي دول كثيرة نحو تشريعات واضحة لمساءلة صناع المحتوى، يبقى لبنان بحاجة إلى مقاربة شاملة تُعيد التوازن بين حرية التعبير والمسؤولية المهنية، وتمنح الفضاء الرقمي دوره الحقيقي كمنصة معرفة لا مساحة تضليل.
