
خاص- “الحزب” يدرس قرار الاستسلام؟
بات أمراً حتميّاً أنّ الضربة الإسرائيلية المقبلة للبنان هي مسألة وقت. فالأميركيّون، من خلال زيارة وفد وزارة الخزانة المدجّجة لبيروت، قالوا كلمتهم: لديكم مهلة لستين يوماً، لا أكثر ولا أقلّ. وما لم يقولوه علناً، هو أن لبنان سيُترك بعد هذه المهلة ساحة مفتوحة أمام إسرائيل.
وهذه المرّة، كما تؤكّد مصادر في واشنطن، المهلة نهائية، ولن يتمّ تجديدها. فالأميركيون ملّوا من الوعود اللبنانية والكلام الذي لا يُترجَم أفعالاً، ويئسوا من إعطاء الفرصة تلو الأخرى للحكومة ولرئيس الجمهورية. وقد تأكّدوا أنّ لبنان الرسمي لن يقدِم يوماً على سحب سلاح “حزب الله”، ما لم تحصل تطوّرات دولية وإقليمية تدفع في هذا الاتّجاه.
كما أنّ إسرائيل جهّزت الخطّة لتوجيه ضربة للبنان، تقضي فيها على محاولات “الحزب” تجديد ترسانته العسكرية، فيما تعمل الولايات المتّحدة مع دول في المنطقة، بينها سوريا وتركيا، على قطع طرق التمويل من إيران التي أرسلت خلال العام الحالي ما يقارب المليار دولار إلى “الحزب”.
وأوردت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية قبل أيّام، أن “الجيش الإسرائيلي يستعدّ لتنفيذ عملية هجومية ضد حزب الله في لبنان”. وكشفت أن “الضربات تشمل استهدافاً لمصانع إنتاج الأسلحة في البقاع وبيروت، والتي تُستخدم لتطوير صواريخ تقليدية إلى صواريخ دقيقة”. وعمليّاً، لن تختلف هذه الموجة المتوقّعة من الهجمات عن الحرب السابقة، سوى ربّما بمستوى كثافة الضربات.
ولن يكون في مقدور “الحزب” أن يردّ أو أن يدافع عن نفسه. كما لن يجد من يقف معه، لا إيران ولا سواها. وهذا ما كان عليه الوضع في الحرب السنة الماضية مع ردود محدودة جدّاً من لبنان، بينما بقيت طهران تتفرّج. فكم بالحريّ اليوم مع إضعاف “الحزب” وإيران وكامل المحور؟
وفي مقابل هذه الصورة التي تؤكّد حتمية الضربة للبنان، يبقى أمام “الحزب” أن يتّخذ القرار: إمّا بتعريض نفسه والبلد لمزيد من الإضعاف والقتل والدمار، أو القبول بالمفاوضات بالشروط الإسرائيلية، والتي ستصرّ على تطبيق سحب السلاح كبند أوّل.
وليس “الحزب” بعيداً عن هذه الأجواء. وهناك نقاشات حثيثة لتحديد الخطّة للمرحلة المقبلة.
ولكن، هناك تعقيدات عدّة تقف أمام اتّخاذ القرار المناسب والمدروس. فإيران توعز إلى “الحزب” بالتصعيد، إن عبر إعلان الرفض لسحب السلاح شمال الليطاني أو التنديد بما أعلنه لبنان عن الاستعداد للتفاوض مع إسرائيل. ويبدو أنّ طهران تريد استنزاف ذراعها اللبنانية حتّى آخر رمق، كي تفاوض عليها لاحقاً مع الولايات المتّحدة.
وفي المقابل، هناك نقاشات تجري بالتزامن، حول القبول بالتفاوض، إذا كان “الحزب” هو الطرف الفاعل فيها. وهكذا، يمكنه، على ما يعتقد، ربح المزيد من الوقت ومحاولة تحقيق مكاسب له. إنّما، يبدو أنه تأخّر كثيراً في الانضمام إلى هذا الخيار الذي كان مطروحاً عليه قبل الحرب من جانب المبعوث آموس هوكشتاين. ولكن “الحزب” لم يلتقط الفرصة آنذاك بسبب طلب إيران منه التشدّد.
أمام “الحزب” الآن خياران: تلقّي الضربة، ثمّ الصبر والانتظار، أو الاستسلام الفعلي. فإيّهما سيختار؟
في الواقع، ليس الصبر والانتظار خياراً. فنموذج غزّة ماثل للعيان، حيث اضطرّت حركة “حماس” بعد سنتين من الحرب إلى الاستسلام. فقبلت بشروط وقف النار، التي تنصّ في مرحلتها الثانية على انتقال إدارة غزّة إلى هيئة حكم مدنية تتكوّن من مستقلين فلسطينيين، وانتشار قوّة استقرار دولية فيها، واستكمال انسحاب القوّات الإسرائيلية، ونزع سلاح الحركة.
وإذا طبّقنا سيناريو غزّة على لبنان، فليس مستبعداً بعد الضربة الإسرائيلية المتوقّعة، أن يجري تنفيذ عملية نزع السلاح بالقوّة، وربّما على أيدي قوّات دولية، وبإشراف مباشر من إدارة الرئيس دونالد ترامب.
إذاً، قد يكون خيار الاستسلام ماثلاً في ذهن “الحزب”. لكنّه يريد قبل ذلك تحصيل مكاسب داخليّة أوّلاً، بعدما تيقّن أن المكاسب الإقليمية بعيدة المنال.
