رسائل سعودية- شيعية قيد الإنضاج: “طائف” لبناني والحزب منفتح

رسائل سعودية- شيعية قيد الإنضاج: “طائف” لبناني والحزب منفتح

الكاتب: منير الربيع | المصدر: المدن
15 تشرين الثاني 2025

لم يكن الإعلان السعودي عن زيارة وفد استثماري إلى لبنان، ووفد للبحث في إعادة السماح للصادرات اللبنانية بالدخول إلى السعودية، أمراً عابراً أو تفصيلياً؛ بل إنه بالتأكيد لا ينفصل عن مسار سياسي يُراد استكماله. يتزامن المؤتمر الإستثماري الذي يُعقد في بيروت، مع زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للولايات المتحدة الأميركية حيث سيُعقد أيضاً مؤتمر استثماري سعودي أميركي مشترك. وسواء سياسياً أو اقتصادياً، لا يبدو أن هناك تباعداً بين الرؤيتين السعودية والأميركية حول مقاربة الملف اللبناني. الجانبان يشددان على ضرورة إنجاز الإصلاحات والاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ووقف التهريب ومكافحة المخدرات، إضافة إلى مكافحة تبييض الأموال واقتصاد “الكاش”. كما يشددان على ضرورة سحب سلاح حزب الله.

الطائف الذي لم يُطبَّق

في اللقاءات التي عقدها مسؤولون لبنانيون مع مسؤولين أميركيين وسعوديين، سمعوا العبارة نفسها: “الاستفادة من الفرصة القائمة والتحولات الإقليمية لتحقيق الإصلاح وحصر السلاح بيد الدولة والالتزام بكل الاستحقاقات الدستورية، بما فيها تطبيق الدستور”. من هنا، إن الانفتاح السعودي الجديد على لبنان من بوابة الاقتصاد والاستثمار لن يكون بعيداً عن التحضير للمزيد من الخطوات السياسية. فقبل أشهر، دخلت السعودية بقوة على الخط في سبيل إنجاز الانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة. وفي العهد الجديد والحكومة الجديدة، شكل تطبيق الدستور ولا سيما “الطائف” العنوان الأبرز لكل المسار المرسوم. لذا، وعندما يتم الحديث عن سحب السلاح، يُرجِع الجميع ذلك إلى أنه أُقِرّ في اتفاق الطائف وتأخر تطبيقه لأكثر من ثلاثين سنة. وعندما يتم الحديث عن الانتخابات النيابية، ومجلس الشيوخ واللامركزية الإدارية الموسعة، يتم التذكير بأنه أُقِر في الطائف الذي لم يُطبق. 

الحزب ومفهومه للطائف

يتعرض لبنان لضغوط كبيرة، ولا سيما من جانب الولايات المتحدة الأميركية، لأجل سحب سلاح حزب الله ومكافحة تبييض الأموال. ويلوّح الأميركيون بإجراءات مشددة إذا لم ينجز لبنان التزامه بهذه الشروط، خلال فترة قصيرة. حزب الله في المقابل، أعلن على نحوٍ واضح الخروج من منطقة جنوب نهر الليطاني. أما مسألة التخلي عن السلاح في شمال نهر الليطاني وكل الأراضي اللبنانية، فيربطها بوقف الضربات الإسرائيلية والانسحاب من الجنوب واعتماد الاستراتيجية الدفاعية. ولا يمرّ يوم إلا ويعلن فيه الحزب تمسكه بالطائف الذي ينص على تحرير الأرض، وأيضاً على اعتماد قانون انتخابي واضح ركيزته الدائرة الموسعة؛ أي المحافظات الخمس أو الست، كما أن الطائف يتحدث عن إلغاء الطائفية السياسية الذي ذكّر به رئيس مجلس النواب نبيه بري أكثر من مرة. 

طائف جديد يستكمل تطبيق القديم

من هنا يبرز الدور السعودي الذي يُحضَّر له للمرحلة المقبلة، وهو يقوم على التأسيس لمسار سياسي جديد في لبنان، بما يشبه مداولات الطائف قبل الوصول إلى إنهاء الحرب الأهلية. ولكن هذه “المرة”، هذا “الطائف” يُراد له أن يُعقد في لبنان وفي مجلس النواب تحديداً، على أن تكون هناك جلسات مفتوحة هدفها توافق الكتل النيابية المختلفة على التزام الدستور والطائف وتطبيقه بكامل بنوده. وهذه الخطوة، جرى التمهيد لها بالندوة التي عقدها المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عن الطائف والتي شارك فيها القائم بأعمال السفارة السعودية في بيروت، كما ذلك لا ينفصل عن التواصل المستمر بين السفير السعودي في لبنان ورئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب، وسط معلومات تفيد بإمكان توجيه دعوة إليه لزيارة السعودية. وهو ما لا ينفصل عن القناة المفتوحة بين السعودية ورئيس مجلس النواب نبيه بري، والذي تقع على عاتقه مهام كبيرة أبرزها كيفية العمل في سبيل تجنيب الجنوب التصعيد الإسرائيلي المستمر، وحماية أهل الجنوب في أراضيهم ومواجهة أي تهجير، إضافة إلى إعلانه الدائم عن التزام الطائف كاتفاق لا بديل منه. 

حزب الله وجدية الانتقال إلى السياسة

لا يمكن التغافل عن الرسالة العلنية التي وجهها الأمين العام لـحزب الله الشيخ نعيم قاسم قبل أسابيع إلى السعودية، والإعلان عن اليد الممدوة لأجل طي صفحة الماضي. وذلك، على الأرجح، ترافق مع نقل رسائل غير علنية حول التزام الحزب بالطائف، في ظل أجواء جدية داخل حزب الله تبحث في كيفية الانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة، وشكل جديد من الانخراط في بنية الدولة بعد “الحرب الكبيرة” التي يتعرض لها كمقاومة مسلحة، وبعد بلوغ الضغوط الدولية إلى الحد الأقصى لسحب السلاح. ووفق التقديرات، فإن ندوة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لم تأتِ من فراغ، وجاءت بناء على تنسيق بين المجلس وحزب الله، كذلك فإن مواقف رئيس مجلس النواب نبيه بري وتوجهاته السياسية التي تشير إلى الالتزام بالطائف، واستمرار العلاقة مع الغرب والعرب قائمة على التنسيق مع الحزب. 

منعاً لطروحات التغيير الكيانية

يحصل ذلك في ظل الضغوط القصوى التي يتعرض لها لبنان والحزب، في محاولة لإعادة إنتاج اتفاق سياسي شامل يحافظ على الكيانية اللبنانية الحالية، في مواجهة أيّة طروحات أخرى بعضها قد يتصل بـِ “الدعوات” إلى التقسيم أو الفدرلة، وبعضها الآخر يتحدث عن تعديل الدستور وتغييره. من هنا، فإن أيّة مبادرة ستأتي مترافقة مع هذا الضغط في محاولة للوصول إلى نتائج تجنّب لبنان خيارات أسوأ من بينها إدراجه على اللائحة السوداء، وتركه لمواجهة انهيار جديد في ظل مواصلة الحرب الأمنية والعسكرية التي تخوضها إسرائيل، في موازاة الحرب الاقتصادية الهادفة إلى تفكيك كل بنية حزب الله المالية والسياسية والمؤسساتية. وهنا أيضاً يمكن الرهان على التواصل الإيراني السعودي المفتوح، وعلى تفاهم بين الجانبين يمكن أن يحقق نتائج على الساحة اللبنانية في المرحلة المقبلة.