بري مفوض ومفاوض: تأجيل للانتخابات وتسوية تدخل الشيعة للدولة؟

بري مفوض ومفاوض: تأجيل للانتخابات وتسوية تدخل الشيعة للدولة؟

الكاتب: منير الربيع | المصدر: المدن
16 تشرين الثاني 2025

يتعرض رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى حملة ضغوط عنيفة. تتقاطع الضغوط داخلياً وخارجياً. ولكن في المقابل، ينظر إليه كثيرون في الداخل والخارج باعتباره يحمل “مفتاح الحل والتسوية”. وربما لأنه كذلك تشتد الضغوط عليه وصولاً إلى الرسالة التي وقعها عضوا الكونغرس الأميركي دارين لحود وداريل عيسى ووجهاها إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويحمّلان فيها بري مسؤولية التعطيل وتغطية حزب الله. هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها بري لمثل هذا الضغط، كما أن حملات كثيرة شُنت في الولايات المتحدة الأميركية دعت إلى فرض عقوبات عليه، وهو ما لم تقدم عليه أيّة إدارة أميركية، في حين اكتفت إدارة ترامب في ولايته السابقة بفرض عقوبات على معاونه السياسي علي حسن خليل. 

بري وخيار التحولات لدى حزب الله

في مواجهة كل الضغوط، يبقى بري بالنسبة إلى الأميركيين قناة التفاوض الأساسية، والذي يتحدث باسم الطائفة الشيعية، والقادر على إدارة الكثير من المسائل السياسية والتأثير على خيار التحولات لدى حزب الله. فمنذ أيام الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، كان بري هو المفوض إدارة الأمور السياسية الداخلية ومع الخارج، تماماً كما كان الحال أيام مفاوضات ترسيم الحدود البحرية والتفاوض مع المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، إضافة إلى التفاوض للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار. وهذا الدور يستمر فيه بري بناء على تأكيد من الأمين العام الحالي للحزب الشيخ نعيم قاسم. 

صاحب خيار التسوية وانخراط الحزب في الدولة

حتى على المستوى العربي، فإن بري هو قناة مفضلة لدى العديد من الدول. وكما ذكرنا في مقال سابق، هو كان قد تلقى دعوات لزيارة المملكة العربية السعودية وقطر لكنه لم يلبها، إضافة إلى علاقته القوية مع مصر ومع إيران. ومعظم هذه الدول تنظر اليوم إلى بري باعتباره صاحب خيار التسوية والعمل على تأمين انخراط حزب الله في مشروع الدولة بعد تغير كل الظروف الإقليمية والدولية، حتى إنه يعلن الموقف أمام الموفدين بوضوح ويقرنه بمسألة الحفاظ على الشيعة ودورهم وموقعهم وإعادة إعمار مناطقهم ومنع تهجيرهم. 

أحد أبرز صُنّاع الطائف وحُراسِه

معروف أن بري هو أحد أبرز صنّاع الطائف والملتزمين به، لكنه التزم تطبيقه وفق الآلية التي فرضتها الوصاية السورية طوال السنوات الماضية، والتي بقيت قائمة بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، وفي ذروة نمو السيطرة والتأثير من جانب حزب الله على اللعبة السياسية الداخلية. اليوم يُطرح عنوان تطبيق الطائف كاملاً. وكان بري قد استبق هذه الموجة بسلسلة مواقف أطلقها حول ضرورة تطبيق الطائف عبر إنشاء مجلس الشيوخ، والعمل على تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، واعتماد الدوائر الكبرى في قانون الانتخاب. لذلك، ومع التشديد العربي والدولي على ضرورة تطبيق الطائف لجهة حصر السلاح بيد الدولة، يبقى بري في الواجهة، انطلاقاً من الضغوط التي تُمارس عليه. 

انتخابات 2026 “معركة وجودية”

على مدى سنوات، كان بري عرضة لهجمات سياسية وشعبية عنيفة في الداخل، تلاقت مع ضغوط خارجية، منذ انتفاضة النفايات في العام 2015، إلى ثورة 17 تشرين، وحتى اليوم، بعد الضربات التي تلقاها الثنائي الشيعي عسكرياً وسياسياً. ويعلم بري أن لبنان سيُقبل في السنوات الآتية على تحولات كبرى بالمعنى السياسي وفي التركيبة الداخلية. وهو ينظر إلى الانتخابات النيابية المقبلة بوصفها محطة جديدة لتحدّ كبير يختار له الثنائي الشيعي عنوان “المعركة الوجودية” بمعناها السياسي، لأن الثنائي مقتنع بأن المطلوب هو ترجمة الهزيمة العسكرية سياسياً، بمنع الثنائي وحلفائه من نيل الثلث المعطل في المجلس النيابي، وبإِحداث خروقٍ في المقاعد الشيعية من جانب معارضين لحزب الله وحركة أمل. حتى إن البعض يذهب إلى حد التفكير بتأمين أكثرية نيابية مع نواب من الطائفة الشيعية معارضين للثنائي، واختيار أحدهم لانتخابه رئيساً للمجلس النيابي. وهنا يكمن مغزى الصراع على تصويت المغتربين الذي يعارضه بري وحزب الله بقوة. ولذلك، يرفض رئيس المجلس تعديل القانون القائم لمنحهم حق الانتخاب. 

نقل الشيعة إلى “مرحلة الدولة”

يمتلك بري هذه الورقة، كما يمتلك أوراقاً أخرى، وهي مسألة نقل الطائفة الشيعية من مرحلة إلى مرحلة جديدة عنوانها تطبيق الطائف، والعمل على الالتزام بتنفيذه من داخل المجلس النيابي، إضافة إلى السعي لحصر السلاح بيد الدولة، ولكن من دون حصول عملية صدامية أو مكاسرة ضد حزب الله، وكذلك، توفير كل الظروف التي تدفع الإسرائيليين إلى الانسحاب من الجنوب ووقف الضربات. 

تأجيل الانتخابات عاماً أو اثنين

عملياً، في حال انطلقت هذه الورشة النيابية والسياسية حول تطبيق الطائف، وترافقت مع مسار حصر السلاح، وهي حتماً ستكون نتاج تفاهمات إقليمية ودولية، فإنها ستكون في حاجة إلى أشهر طويلة من العمل البرلماني والحكومي لأجل تحقيق حصر السلاح، وإقرار اللامركزية الإدارية، وإنشاء مجلس الشيوخ، والتفاهم على قانون الانتخاب، وذلك سيفتح الباب أمام تأجيل الانتخابات النيابية لسنة أو اثنتين. وبذلك، تبقى الحكومة الحالية قائمة، ويبقى مجلس النواب بتوازناته الحالية وبرئاسة نبيه بري في سبيل إنجاز كل التفاهمات المطلوبة. 

تحدّي التوازنات والانقلابات

أما إذا لم ينجح هذا المسار، فالمعركة الانتخابية ستكون حامية جداً، وعنوانها محاولات كسر سيطرة الثنائي الشيعي على المقاعد الـ27. وفي هذه الحال، الضغوط ستتواصل. وإذا سُمح للمغتربين بالتصويت أو تأجلت الانتخابات لأسابيع قليلة كي يتمكن المغتربون من التصويت خلال وجودهم في لبنان، فعندئذٍ ستصبح احتمالات تغيير توازنات المجلس النيابية قائمة بقوة. وهذا سيكثف الضغط على بري، وستزداد محاولات فرض رئيس مجلس نيابي بديل منه. وعند ذاك يمكن للرجل أن لا يفكر في الترشح، وسط كلام عن استعداد نجله باسل لخوض الانتخابات النيابية، وهو ما سيمثل استثناءً لدى الطائفة الشيعية منذ عقود، يتعلق بالتوريث لا سيما أن نجم حركة أمل وبري نفسه إلى جانب حزب الله سطع أساساً في مواجهة الإقطاع والتوريث. ولا تزال التفاهمات هي الخيار المطروح، خصوصاً إذا استُكمل المسار المتعلق بتطبيق الطائف كاملاً، والذي تريده القوى الإقليمية والدولية. وبالنسبة إليها، نبيه بري حاجةٌ وضرورة.