
لبنان بين إنذار الشيخ نعيم وخطر التهديدات الإسرائيلية: المشهد على حافة الانفجار
فيما تشهد البلاد معالم أزمة سياسية داخلية على خلفية قانون الانتخاب وانتهاء مهلة تسجيل المغتربين في 20 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي وامتناع رئيس مجلس النواب نبيه بري عن إحالة مشروع القانون المعجل المُحال من الحكومة إلى الهيئة العامة لمناقشته وإقراره، فإن خطر التهديدات الإسرائيلية بحرب جديدة يرتفع منسوبه مع إعلان صحيفة «يديعوت أحرونوت» صراحة عن استعداد الجيش الإسرائيلي لتنفيذ عملية هجومية محدودة ضد مواقع إنتاح الأسلحة التابعة لـ «حزب الله» في البقاع وبيروت.
وتكمن الخطورة في أن هذا التهديد الإسرائيلي سبقه تحذير من قبل أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم بأن «العدوان الإسرائيلي لا يمكن أن يستمر ولكل شيء حد»، وهذا الكلام جاء بمثابة «إنذار» من جانب «الحزب» حمل في طيّاته نية بالرد على أي عدوان واسع وعدم الوقوف مكتوف اليدين، ما يعني أن الوضع يقترب من بلوغ حافة الانفجار.
غير أن القراءة في خطاب الشيخ نعيم الأخير تحتم التوقف عند أمرين: أولاً هناك شريحة من الرأي العام لا تعتقد بأن «حزب الله» قادر فعلاً على مواجهة ندية مع إسرائيل على الرغم من الحديث عن «تعافي المقاومة» وإعادة بناء قدراتها العسكرية ولاسيما مع المتغيّرات الكبرى التي طرأت على المشهد منذ عام وتتمثل بخسارة «حزب الله» قسماً كبيراً من ترسانته الصاروخية والعسكرية، ثم بإنقطاع خطوط الإمداد من إيران إلى لبنان عبر سوريا مع انهيار نظام بشار الأسد ووصول الرئيس أحمد الشرع المناوئ للحزب.
وفي اعتقاد هذه الشريحة من الرأي العام أن تلويح الشيخ نعيم بنفاد الصبر هو خطاب يتوجّه فيه إلى بيئته الحاضنة لرفع معنوياتها وعدم تسرّب الإحباط إليها نتيجة الكلام عن خسارة قوة الردع أو توازن الرعب، وهما العبارتان اللتان كان يرفعهما أمين عام «الحزب» السابق السيد حسن نصرالله لدى دخوله «حرب الإسناد».
ثانياً: لاحظت بعض أوساط القوات اللبنانية أن خطاب الشيخ نعيم حمل تناقضات، إذ في الوقت الذي لوّح فيه بوضع حد للعدوان الإسرائيلي، طمأن المستوطنات الشمالية من خلال قوله إن لا خطر على أمن هذه المستوطنات. وهذا ما رأى فيه هذا البعض رغبة من الشيخ نعيم بإجراء مقايضة بين الإبقاء على سلاحه شمال نهر الليطاني وبين التعهد بعدم تشكيل أي خطر على المستوطنات الشمالية وضمان أمنها.
ويأتي موقف أمين عام «الحزب» في ذروة تركيز رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزف عون على أن لا خيار لدى لبنان إلا التفاوض مع إسرائيل وأن لغة الحرب لم تعد تصلح، مشدداً في رسالة إلى «حزب الله» على ضرورة الانتقال من منطق القوة إلى قوة المنطق.
وفي هذا السياق، هناك اختلاف عميق بين الدولة و«الحزب» في تفسير منطق ومنطوق اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي يقترب من حلول عام على توقيعه في 27 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2024. فالشيخ نعيم ما زال يعتبر أن هذا الاتفاق الذي ينص على نزع سلاح «الحزب» هو حصراً لجنوب نهر الليطاني وعلى إسرائيل الانسحاب من النقاط المحتلة التي تجاوزت الخمس نقاط، وإيقاف العدوان، وإطلاق سراح الأسرى، مقابل التزام الحزب بوقف إطلاق النار وتفكيك بنيته العسكرية جنوب الليطاني. أما الحكومة اللبنانية ومعها راعية الاتفاق الولايات المتحدة الأمريكية فتعتبر أن حصرية السلاح تبدأ من جنوب نهر الليطاني لتشمل كل الأراضي اللبنانية، وهذا ما أكدت عليه قرارات جلستي 5 و7 آب/أغسطس الماضي.
أكثر من ذلك، لم يحاول الشيخ نعيم تقديم رواية مقنعة حول وظيفة السلاح شمال نهر الليطاني في مقابل اعتقاد خصومه أن الإبقاء على هذا السلاح يهدف بشكل رئيسي إلى الهيمنة على لبنان، وبالتالي ليست إسرائيل سوى ذريعة دائمة لتبرير مشروع سيطرته على البلد.
ولكن ما موقف الدولة اللبنانية من توجهات أمين عام «حزب الله» ولاسيما أن اللبنانيين إستبشروا خيراً بالعهد الجديد وبتشكيل حكومة جديدة تبنت خطاب القسم الذي يتكلم عن احتكار السلاح؟
لا تبدو الدولة اللبنانية حازمة في تنفيذ قراراتها المتعلقة بحصرية السلاح ولم تُظهر لغاية تاريخه أي تصميم جدي على تسريع خطواتها وتطبيق خطة الجيش قبل حلول نهاية السنة بذريعة الخوف من الاصطدام ببيئة «الحزب» والذهاب إلى حرب أهلية، فيما الخيار الآخر سيكون تعريض البلد لحرب إسرائيلية تستكمل القتل والتدمير.
من هنا، بدأت الثقة تتراجع بالعهد لدى بعض الجهات التي تجري مقارنة بين أداء الرئيسين جوزف عون وأحمد الشرع، وتخشى أن يخسر لبنان الفرصة الثمينة لقيام دولة وأن يتخلف عن اللحاق بالتطورات المتسارعة في المنطقة، ثم يُترَك لمصير مجهول في مواجهة إسرائيل. وما الرسائل التي أطلقها الموفد الأمريكي توم براك ثم المبعوثة مورغان أورتاغوس إلا الدليل على ما ينتظر لبنان في حال انتهاء المهلة المعطاة لنزع السلاح والتشكيك بدور الجيش اللبناني والاتهامات الإسرائيلية التي تلاحقه بالتنسيق مع «حزب الله».
