
بن سلمان- ترامب: حماية لبنان بعد تحصين سوريا؟
هل باتت القاعدة القائلة إنّه حيث تكون دمشق يكون لبنان في تموضعه الإقليميّ والدوليّ أقرب إلى التحقُّق بعد الحضور الجذّاب للرئيس أحمد الشرع في واشنطن؟
كانت السعوديّة نقطة انطلاق رحلته لإخراج سوريا من العزلة التي أغرقها بها نظام الأسدين. من الطبيعيّ أن تهتمّ بملء الفراغ الذي تركه انكفاء إيران عنها. فتح وليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان طريق الشرع إلى البيت الأبيض، بترتيبه لقائه الأوّل مع الرئيس دونالد ترامب في الرياض منتصف أيّار الماضي.
ثمّة من يتوقّع أن يأتي دور لبنان على لائحة اهتمام المملكة العربيّة السعوديّة، الحريصة على احتضان السلطة الجديدة فيه. لذا يرصد المراقبون مدى حضور لبنان على جدول أعمال محادثات الأمير محمّد بن سلمان وترامب الثلاثاء المقبل في واشنطن.
حماية لبنان وسوريا من إسرائيل
لبنان البلد الصغير يحتاج إلى الحماية من التوغّل الإسرائيليّ الساعي إلى فرض شروط عليه باسم ادّعاء تل أبيب ضمان أمن حدودها بالتزامن مع توغّلها على الجبهة السوريّة. استظلّت القيادة السوريّة الدعم السعوديّ في رفضها ضغوط تل أبيب على الدولة الطريّة العود لجرّها إلى تنازلات يستحيل قبولها.
يمكن القول إنّ السقف الذي وضعته الرياض برفض التطبيع مع إسرائيل قبل التسليم الدوليّ والأميركيّ بمسار واضح وعمليّ لقيام الدولة الفلسطينيّة، يمكّن سوريا ولبنان معاً من مقاومة غرور بنيامين نتنياهو الفائض لرسم صورة “الشرق الأوسط الجديد”، بعد الهزائم العسكريّة التي ألحقتها حملته العسكرية بغزّة ولبنان.
صيانة التّحوّل الاستراتيجيّ
القيادة السعوديّة أكثر من اختبر تاريخيّاً ترابط موقعَي دمشق وبيروت في الخريطة الإقليميّة. لعبت دوراً في تسريع الانفتاح الأميركيّ على سوريا الجديدة، وشجّعت ترامب على رفع العقوبات عنها، بالإضافة إلى الدور الذي لعبته تركيا. كانت الرياض سبّاقة في احتضان سوريا الجديدة للحؤول دون توسّع التوغّلات الإسرائيليّة ذات الأهداف التقسيميّة، ولملء فراغ الانكفاء الإيرانيّ، علاوة على استباق تفرّد تركيا ببلاد الشام.
والحال هذه سيكون من باب أولى أن تستعيد الرياض دورها في لبنان بالإصرار على دعم قرارات الحكومة تطبيق حصريّة السلاح في يد الدولة لتكون أساساً للإمساك بيده في مسار استعادة عافيته. يشكّل تحصين التغيير في لبنان منذ إعادة تكوين السلطة الجديدة فيه، أسوة بتحصين سوريا الجديدة، إحدى أضلع صيانة الأمن القوميّ العربيّ، وأمن المملكة في المقدّمة.
عن “وحدة المسار والمصير” وحراسة الحدود
لطالما تردّد شعار “وحدة المسار والمصير” بين لبنان وسوريا الذي مارسه النظام البعثيّ بطريقة مقلوبة وسلبيّة، تكريساً لهيمنته على قراره السياسيّ. تلك الهيمنة هي التي جلبت النفوذ الإيرانيّ الذي حوّل البلد الصغير إلى منصّة لتقويض الاستقرار في دول المنطقة.
لم تكن عن عبث رعايةُ الاجتماعات اللبنانيّة السوريّة الوزاريّة والعسكريّة بهدف ضمان أمن الحدود بينهما. تبدأ صيانة التحوّل الاستراتيجيّ في سوريا والتغيير المرغوب منذ سنوات في لبنان لاستعادته إلى الحظيرة العربيّة بحراسة الحدود بينهما. من نافل القول أنّ من الأهداف الحؤول دون عودة التواصل العملانيّ والأمنيّ بين فلول النظام البائد في بلاد الشام وبين وكيل النفوذ الإيرانيّ في لبنان، “الحزب”، لمنع تهريب الأسلحة والكبتاغون… والتمهيد لمعالجة مشكلة مزمنة بفعل عدم ترسيم تلك الحدود على مرّ العقود والعهود.
زيارة بن سلمان
هل تستكمل زيارة محمّد بن سلمان لواشنطن بعد 3 أيّام خطوات تحصين البلد بصرف النظر عن إنكار إيران و”الحزب” للهزائم التي تعرّضا لها؟
يصعب فصل الموقف السعوديّ الإيجابيّ الأخير حيال لبنان عن السياقات المذكورة أعلاه، قبيل زيارة بن سلمان لواشنطن. إعلان مسؤول سعوديّ رفيع لـ”رويترز” أوّل من أمس أنّ وفداً سعوديّاً “سيزور لبنان قريباً لمناقشة تذليل العقبات التي تعطّل الصادرات اللبنانيّة إلى المملكة” له وقع سياسيّ مؤثّر استدعى إشادة فوريّة و”رسالة تقدير” من رئيس الحكومة نوّاف سلام ووزراء لـ”المبادرة الطيّبة” للمملكة.
لفتت إشادة المسؤول السعوديّ “بمبادرات الرئيس اللبنانيّ ورئيس الحكومة في إطار العمل على إزالة العوائق التي تحول دون تعزيز التبادل التجاريّ”، وقوله: “أثبتت الحكومة اللبنانيّة وقوى الأمن اللبنانيّة كفاءة في الحدّ من تهريب المخدّرات خلال الأشهر القليلة الماضية، وتعتزم السعوديّة تعزيز العلاقات التجاريّة مع لبنان في أقرب وقت”.
“بيروت-1” وتنسيق الرّياض – باريس
يقول مصدر دبلوماسيّ منخرط بتفاصيل الجهود لتفعيل العلاقة السعوديّة اللبنانيّة لـ”أساس” إنّ الوفد السعوديّ الذي سيزور بيروت لحضور مؤتمر “بيروت1 – الثقة المستعادة” يضمّ مسؤولين ومستثمرين. وينعقد المؤتمر الثلاثاء 18 الجاري ليومين، وكان أعلنه وزير الاقتصاد عامر البساط ورئيس المجلس الاقتصاديّ الاجتماعيّ شارل عربيد قبل 3 أسابيع.
يعتبر المصدر نفسه أنّ لزيارة الوفد أبعاداً سياسيّة لا تقف عند حدود العلاقات الاقتصاديّة، إذ يتوقّف مراقبون أمام تزامنه مع وجود وليّ العهد السعوديّ في واشنطن. وتأتي زيارة الوفد وسط زحمة الموفدين الدوليّين في ظلّ التهديدات الإسرائيليّة للبنان، وآخرهم مستشارة الرئيس الفرنسيّ لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا آن كلير لوجاندر تحت عنوان تثبيت الاستقرار وتنفيذ اتّفاق وقف النار مع إسرائيل.
باريس والرياض على تنسيق متواصل في شأن لبنان، لا سيّما في ما يخصّ دعوة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى مؤتمرَين أوّلهما يتعلّق بإعادة الإعمار وثانيهما يتّصل بدعم الجيش اللبناني وتأمل باريس انعقاده في السعوديّة، لكن ما يزال موعدهما مرتبطاً بمدى تقدّم الخطوات اللبنانيّة على صعيدَي الإصلاحات الاقتصاديّة وسحب سلاح “الحزب”.
دور سعوديّ مع إيران؟
إلّا أنّ البعد السياسيّ للخطوة السعوديّة باتّجاه لبنان يستدعي ترقّب دور الرياض في تذليل العقبة الإيرانيّة من أمام سحب السلاح، فيما تشدّد طهران متّصل بالتعثّر في الحوار الإيرانيّ الأميركيّ.
يراهن بعض الأوساط على أن يلعب التحسّن في العلاقة السعوديّة الإيرانيّة دوراً على هذا الصعيد، بالاستناد إلى إبلاغ طهران الدوائر الدوليّة والعربيّة أنّها لا تريد حرباً جديدة مع إسرائيل أو مع أميركا، خلافاً لأجواء التشنّج المخيّمة على البروباغاندا الإيرانيّة.
سبق أن نصحت الرياضُ طهرانَ بتليين مواقفها حيال واشنطن من باب أولويّتها تجنّب ما يهدّد استقرار الإقليم. هل تفتح المحادثات الأميركيّة – السعوديّة كوّة في جدار التصلّب الأميركيّ الإيرانيّ يستفيد منها لبنان؟
