ما تأثير تراجع الناتج المحلي 50%؟

ما تأثير تراجع الناتج المحلي 50%؟

الكاتب: د. فؤاد زمكحل | المصدر: الجمهورية
17 تشرين الثاني 2025

تراجع الناتج المحلي في لبنان من نحو 50 مليار دولار ما قبل العام 2019، إلى حوالى 25 ملياراً اليوم، أي انهيار بنسبة 50% تقريباً. فما تأثير هذا التدهور على حياتنا اليومية والإقتصاد اللبناني ككل؟

عندما يتراجع الناتج المحلي بهذه الطريقة الحادة، هذا يعني أنّ كل القيمة الإجمالية قد تراجعت أيضاً في كل القطاعات الإنتاجية، والخدماتية: من التجارة إلى الزراعة فالصناعة والتكنولوجيا، فضلاً عن تراجع الإستثمارات ومداخيل القطاعَين العام والخاص. بمعنى آخر، لقد افتقر الإقتصاد لكن معه الشعب والشركات.

إنّ التأثير الأول يكون بارتفاع البطالة وانخفاض فرص العمل مع تراجع في الإنتاج، فجزء كبير من الشركات قد أقفلت أبوابها، والجزء الآخر قد نقل أعماله إلى الخارج، والجزء الأخير قد جمّد استثماراته وتطويره، فهذا يؤدّي إلى بطالة خانقة تزداد يوماً بعد يوم، وحتى انهيار في الرواتب التي انخفضت جرّاء النقص في العرض والزيادة على الطلب.

من جهة أخرى، إنّ إنهيار الناتج المحلي يؤدّي مباشرةً إلى ارتفاع في الأسعار، زيادة التضخّم وفقدان القدرة الشرائية جرّاء التضخّم الدولي، ومن جهة أخرى جرّاء زيادة كلفة الإنتاج وكلفة السلع، كذلك جرّاء انخفاض الكمّيات المستوردة أو المصنّعة. فنشهد زيادة في الكلفة المعيشية وتراجعاً لما تبقّى من المدخول لجزء كبير من العائلات اللبنانية. وهذا يفسّر لماذا وصل لبنان إلى أعلى مستويات الفقر حسب المنظمات الدولية، التي تطال أكثر من 75% من الشعب اللبناني الذي يعيش تحت خط الفقر.

أمّا على صعيد القطاع العام، فالإنخفاض في الناتج المحلي يؤدّي إلى تراجع الخدمات العامة للدولة، وتراجع في إيراداتها وقدرتها على تمويل الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والمستشفيات والأمن.

فأصبح حجم الدولة وكلفة الرواتب يفوق 50% من موازنة الدولة، فيزيد العجز العام أكثر فأكثر، كما تزيد الكلفة بطريقة غير منتجة وينخفض المدخول جرّاء التراجع الإقتصادي.

في المحصّلة، إنّ التراجع في الناتج المحلي وانهيار الإقتصاد 50% قد دمّرا مدخول القطاعَين العام والخاص، ونسبة عيش أكثرية العائلات في لبنان. فإعادة بناء الإقتصاد تحتاج أولاً إلى رؤية موحّدة وإستراتيجية على المدى القصير، المتوسط والبعيد.

أمّا إعادة بناء الناتج المحلي، فستحتاج أولاً إلى إعادة بناء الحجر الأساس، وهو إعادة بناء الثقة كأولوية قصوى، إعادة بناء الاقتصاد والناتج المحلي ستحتاج أولاً وآخراً إلى إعادة بناء الدولة على ركائز صلبة ومتينة.

أمّا اليوم، فلا نرى في الآفاق لا رؤية موحّدة ولا ثقة ولا نية حقيقية لبناء الدولة. لكنّ المثابرة هي سرُّنا للنجاح والبقاء في هذه الأرض المقدّسة. سنتابع مسيرتنا، ولم ولن نستسلم لليأس والخضوع.