إشراك المغتربين اللبنانيين مهمّ وإلّا العقوبات: واشنطن تُعدّل استراتيجيتها في لبنان

إشراك المغتربين اللبنانيين مهمّ وإلّا العقوبات: واشنطن تُعدّل استراتيجيتها في لبنان

الكاتب: امل شموني | المصدر: نداء الوطن
17 تشرين الثاني 2025

تستعدّ واشنطن لمرحلة من الضغط الأقصى وإعادة تقييم استراتيجيّتها تجاه بيروت مع بدء العدّ التنازليّ لمهلة نزع السلاح غير الشرعي في لبنان. فقد بدأت الإدارة الأميركية فعليًا تسليط الضوء على العمليات المالية لـ “حزب اللّه”، والتدقيق في إخفاقات المؤسّسات الرسمية اللبنانية. وتلفت مصادر واشنطن إلى أن بيروت يجب أن تستعدّ لمرحلة من تشديد العقوبات خصوصًا مع تجديد التركيز على النخب المصرفية والسياسية ورجال الأعمال في لبنان الذي يعكس استياءً أميركيًا واضحًا من الوضع الراهن.

وتعكس العقوبات التي استهدفت وستستهدف مجموعة من المتهمين بتحويل ملايين الدولارات من إيران إلى “الحزب”، سعي المسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخزانة الأميركية لتكثيف حملتهم ضد الشبكات المالية لـ “حزب اللّه”. وتهدف هذه الإجراءات، التي أعلن عنها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، ليس فقط إلى تعطيل الموارد المالية التشغيلية لـ “الحزب”، بل أيضًا إلى توجيه رسالة قويّة مفادها بأن الاقتصادات الشرعية لا يمكن أن تزدهر في ظلّ تمويل الإرهاب. وأشار مصدر في الخزانة الأميركية إلى أنه مع إتقان “حزب اللّه” إدارة اقتصاد لبنان القائم على الكاش، فإن واشنطن تسعى إلى تشديد الخناق على المنظمات والأفراد الذين يستغلّون الثغرات التنظيمية، لافتًا إلى أن الهدف يتمثل في إحباط قدرة “الحزب” على تمويل أنشطته العسكرية والاجتماعية.

وفي المعلومات، أكّدت زيارة الوفد الأميركي الذي رأسه مساعد الرئيس الأميركي لشؤون مكافحة الإرهاب سيباستيان غوركا إلى لبنان التزام الولايات المتحدة بتعزيز جهود مكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط. فقد ركّزت اجتماعات الوفد مع المسؤولين اللبنانيين على الحث على اتخاذ إجراءات أقوى لمكافحة تبييض الأموال، وتفكيك الشركات المالية المرتبطة بـ “حزب اللّه”، وتعزيز الأطر القانونية للحدّ من التدفقات المالية غير القانونية. وأكد غوركا أن الدعم الدولي للبنان يتوقف على تنفيذ إصلاحات حقيقية للحدّ من نفوذ “حزب اللّه” واستعادة النزاهة المالية. وأشار مصدر وزارة الخزانة إلى أنه ورغم التزام لبنان بالإصلاحات، هناك عقبات كبيرة بسبب تداخل المصالح المجتمعية والمالية وكيف أن حاجة “حزب اللّه” للكاش تتداخل مع المجتمع والأزمة المالية المستمرة، ما يُبرز التحدّيات المعقدة المتعلّقة بتوازن القوى والإصلاح في البلاد.

ضغط من الكونغرس

من هنا، ينكشف استياء الكونغرس المتزايد من النخب اللبنانية السياسية والمالية. فقد حث كبار المشرّعين الجمهوريين الرئيس ترامب على إعداد عقوبات ضد هذه النخب، في مقدّمهم رئيس مجلس النواب نبيه بري. ويتهم المشرّعون بري بعرقلة الإصلاح البرلماني والتحالف مع “حزب اللّه” لعرقلة الانتخابات النيابية عام 2026. وقد أكّد عضو الكونغرس دارين لحود، الذي وقع الرسالة الأخيرة إلى الرئيس ترامب أنه حان الوقت لتذكير الإدارة الأميركية بضرورة مواصلة الضغط على لبنان، “وخاصةً المسؤولين الذين عرقلوا ويعرقلون إقامة نظام انتخابي منفتح وديمقراطي”. وسلّط لحود الضوء على الدور المهم الذي يلعبه الشتات اللبناني في تشكيل المشهد السياسي في لبنان، وقال لـ “نداء الوطن” إن المغتربين يلعبون دورًا مهمًا ومؤثرًا في وضع لبنان على خريطة العالم… “وهم يستحقون أن يلعبوا دورًا مهمًا في الانتخابات النيابية في لبنان”. ودعا لحود إلى محاسبة من يعيقون التقدّم، مؤكدًا أن “أي شخص يقف في طريق التقدّم وإجراء انتخابات حرة وشفافة يشارك فيها المغتربون… علينا أن نجعل الإدارة وخاصة وزارة الخزانة، تنظر في أمره”.

يشار إلى أن رسالة عضوي الكونغرس إلى البيت الأبيض دعت إلى تجميد أصول المسؤولين “الذين يواصلون عرقلة العمليات الديمقراطية”، مردّدةً وجهة نظر صناع القرار الأميركيين المقتنعين بأن الدولة اللبنانية فقدت مصداقيتها كشريك، بينما تسعى جهات النخبة “لكسب الوقت، على أمل الحصول على خطة إنقاذ غربية دون إصلاح حقيقي”. وقد أشار مصدر قريب من لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي إلى أن واشنطن “لم تعد ترى فرقًا كبيرًا بين أجندة “حزب اللّه” وأجندة كبار أصحاب النفوذ في لبنان”. في هذا الإطار، شدّد لحود، قبيل لقائه قائد الجيش رودولف هيكل الذي يزور واشنطن هذا الأسبوع، على أهمية “نزع السلاح غير الشرعي خصوصًا سلاح “حزب اللّه” كمقدّمة للتغيير الحقيقي”، قائلًا “يجب أن يكون نزع السلاح في المقام الأول… والتأكد من أن الجيش اللبناني يتمّم هذه المهمة. ويتولى نزع السلاح جنوب الليطاني وشماله وصولًا إلى المنطقة الخلفية”، مضيفًا أنه “ما دام الجيش والحكومة اللبنانية يسيران في هذا الاتجاه، فإننا نعتقد أن العلاقة مع الولايات المتحدة ستكون إيجابية للغاية”.

وقف إطلاق النار مع إسرائيل في خطر

ومع تصاعد التوتر على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية، يبدو أن استدامة وقف إطلاق النار على المحك، خصوصًا في ظلّ تزايد المخاوف بشأن قدرة الجيش على كبح طموحات “حزب اللّه” العسكرية، ما دفع إلى إصدار تحذيرات أميركية عاجلة تحث لبنان على إنهاء مهمة أحادية السلاح بيد الدولة وفرضها على كامل لبنان. وفي المعلومات، قال مصدر في البنتاغون إن واشنطن ستشرح لقائد الجيش أن على المؤسسة العسكرية العمل على إنجاز ما طلبته الحكومة أي نزع السلاح غير الشرعي، من دون الدخول بمتاهات القيود والضغوط السياسية، وإلّا يتحمّل الجيش ضياع فرصة بسط سلطة الدولة على كامل لبنان. وكشفت إحاطة شاملة عن أن عدم تنفيذ الجيش الفعّال توجيهات الحكومة اللبنانية بنزع السلاح غير الشرعي كان جليًا، كما أن الانقسامات السياسية اللبنانية، لا سيّما تلك المُتأثرة بنفوذ “حزب الله” قد أعاقت ذلك أيضًا. وأشارت الإحاطة إلى أن “حزب اللّه” استغلّ هذه القيود، مُواصلًا تجديد ترسانته من خلال التهريب والإنتاج المحلي. وحتى في المناطق التي يُنفذ فيها الجيش عملياته، لا تزال هناك تحدّيات كبيرة، أقرّ الجيش اللبناني بوجودها.

باختصار، يشير المشهد الأميركي في مواجهة “حزب اللّه” وشبكاته المالية إلى تحوّلٍ استراتيجيّ في سياسة واشنطن. ورغم أن العقوبات بدأت تركّز بشكلٍ خاص على عملاء ماليين رئيسيين داخل بيئة “حزب اللّه”، بالإضافة إلى شبكاتهم في أوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، إلّا أن مصادر في البيت الأبيض أشارت إلى أن إدارة ترامب لن تتوانى عن فرض عقوبات على أفراد وكيانات سياسية لبنانية أيضًا. فبالنسبة إلى واشنطن، تمثل جهود إضعاف “حزب اللّه” اقتصاديًا وسياسيًا أولوية ستكون لنتائجها آثارٌ عميقة على لبنان والمشهد الجيوسياسي الأوسع في الشرق الأوسط.