الماليّة والمركزي: عودة الخلاف حول قرض الـ16.5 مليار

الماليّة والمركزي: عودة الخلاف حول قرض الـ16.5 مليار

المصدر: المدن
17 تشرين الثاني 2025

أفادت معلومات “المدن” أنّ الخلاف بين وزارة الماليّة ومصرف لبنان، حول الملف المعروف بقرض الـ 16.5 مليار دولار، عاد إلى الواجهة من جديد. مع الإشارة إلى أنّ الطرفين كانا قد شكّلا لجنة مشتركة لبت هذه المسألة الخلافيّة، بمشاركة شركة KPMG، لتدقيق مصدر هذا القرض محل الخلاف ومشروعيّته.

محضر مُختلف عليه

وفق مصادر “المدن”، عقدت هذه اللجنة آخر اجتماعاتها يوم الجمعة الماضي، واطلعت على نتائج التدقيق الذي قامت به شركة KPMG. غير أنّ ممثلي وزارة الماليّة في اللجنة رفضوا التوقيع على مسودّة المحضر الختامي للاجتماع، التي أعدها فريق مصرف لبنان. وأثناء ذلك، عاد التواصل بين الطرفين للوصول إلى استنتاجات مشتركة، يمكن على أساسها صياغة المحضر النهائي.

وكما هو معلوم، برز الخلاف حول قرض الـ 16.5 مليار دولار في شباط 2023، حين أضاف الحاكم السابق رياض سلامة هذا المبلغ في ميزانيّة مصرف لبنان، كالتزام مُستحق على الدولة لمصلحة المصرف المركزي. وزعم سلامة يومها أنّ المبلغ نتج عن أموال اقترضتها الدولة بالدولار من المصرف المركزي على مراحل، في “حساب مكشوف”، منذ العام 2007.

إلا أنّ وزارة الماليّة أكّدت في المقابل أنّ تلك السحوبات كانت عمليّاً نفقات مُغطاة بسيولة موجودة بالليرة اللبنانيّة، في حسابات الدولة لدى المصرف المركزي. وأنّ صرف الأموال بالدولار كان يُفترض تسجيله في مصرف لبنان كعمليات قطع؛ أي تحويل للمبالغ الموجودة من الليرة إلى الدولار الأميركي، بدل تسجيله كديون.

ووفق معلومات “المدن”، أكّد تقرير شركة KPMG أنّ مصرف لبنان كان يسجّل نفقات الدولة بالدولار بالفعل في حساب مكشوف؛ أي كديون على الدولة، بدل تحويل السيولة الموجودة في حسابات الدولة من الليرة إلى الدولار لصرفها. إلا أنّ الشركة حصرت رأيها بالجانب المحاسبي فقط، ولم تقدّم رأياً قانونيًا بخصوص مشروعيّة الدين الذي لم يخضع لأي مصادقة من جانب مجلس النوّاب أو الحكومات المتعاقبة، أو حتّى وزارة الماليّة.

حجج الماليّة والمركزي

وأفادت المصادر أن ممثلي وزارة الماليّة في اللجنة حذّروا من أن الاعتراف بهذا الدين سيتسبّب بإشكاليّات قانونيّة مع حملة سندات اليوروبوند، الذي ينتظرون مرحلة التفاوض مع الدولة على إعادة هيكلة ديونهم. ووفق ممثلي الوزارة، سيكون بإمكان حملة السندات الزعم بأنّ الدولة أخفت هذه الديون طوال 16 سنة، بين أعوام 2007 و2023، قبل إظهارها إلى العلن بعد التخلّف عن دفع السندات. أو سيكون بإمكانهم الزعم بأنّ مصرف لبنان تورّط بمخطّط لإضافة ديون غير مشروعة، عن حقبات سابقة، بعد حصول التعثّر المالي.

وتشير المصادر إلى أنّ وزارة الماليّة لم تُصدر طوال السنوات الممتدة منذ العام 2007 أي طلب لاقتراض الدين المزعوم، ولم تُصدر أي تأكيدات على وجود هذا القرض. مع الإشارة إلى أنّ قانون النقد والتسليف يفرض ضوابط مشدّدة وواضحة لاقتراض الدولة من مصرف لبنان، بما في ذلك ضرورة التفاوض بين وزارة الماليّة ومصرف لبنان على قيمة القرض وشروطه، فضلاً عن موافقة البرلمان، وهذا ما لا ينطبق على القرض المزعوم حالياً.

وترى وزارة الماليّة حالياً أنها أصدرت منذ العام 2007 أوامر الصرف بالدولار على أساس إنفاقها من أموالها الموجودة في مصرف لبنان بالليرة، بعد إجراء عمليّات تحويل لهذه الأموال من الليرة إلى الدولار. ولا ترى أن مصرف لبنان يمتلك سنداً قانونياً لاحتساب هذه النفقات كديون ضمن حساب “مكشوف” بالدولار الأميركي. هذا فضلاً عن الغرابة في عدم لحظ هذا الدين في ميزانيّات مصرف لبنان منذ العام 2007، ثم إظهاره إلى العلن فجأة عام 2023.

من ناحية أخرى، يعتبر مصرف لبنان أنّه فتح الحساب المكشوف عام 2007، ولم يُظهر نتيجته في الميزانيّة العامّة للمصرف المركزي لكونه “مضموناً” بأموال مودعة بالليرة (Cash Collateral/Guarantee). ويبرّر المصرف انكشاف المبلغ فجأة عام 2023 بتغيير سعر الصرف المُعتمد لإعداد ميزانيّة مصرف لبنان، وهو ما أظهر الفارق ما بين ديون الدولة بالدولار وأموالها المودعة بالليرة اللبنانيّة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الخلاف حول هذا القرض المزعوم يتّسم بحساسيّة في هذه المرحلة، التي يجري خلالها إعداد مقاربات قانون الفجوة الماليّة، ما سيشمل تحديد التزامات الدولة اللبنانيّة في عمليّة توزيع خسائر المصرف المركزي. ووفق المصادر، تفضّل وزارة الماليّة أن تلتزم الدولة تسديد نصيبها من الخسائر، بقيمة قد تقارب الـ 5 مليار دولار، تحت عنوان إعادة رسملة مصرف لبنان. إلا أنّ الوزارة تسعى لتفادي تكبيد الدولة عبء الدين الضخم موضع الخلاف، لتفادي الإشكاليّات القانونيّة مع حملة سندات اليوروبوند، ولعدم تضخيم الدين العام إلى مستويات غير مستدامة.