
إقبال المغتربين على التسجيل بكثافة في اليومين الماضيين فاجأ الجميع؟
إن الجهود الحثيثة التي بُذلت في اليومين الماضيين، وقبل انتهاء مهلة التسجيل بأربعة أيام، قد أثمرت إقبالًا اغترابيًا مفاجئًا، وذلك بعدما توضحت الصورة، وأنجلت الغيمة السوداء من سماء بلاد الاغتراب. وقبل كتابة هذه السطور بيومين لم يكن الاقبال الاغترابي على التسجيل الالزامي في المستوى المطلوب، إلاّ أن ما قد تحقّق في اليومين الماضيين من قفزة نوعية، حيث ارتفع العدد إلى الضعفين، فاجأ الجميع بمن فيهم الذين يراهنون على الفتور الاغترابي.
ولكي يستطيع المغترب أن يشارك في العملية الانتخابية حيث هو، سواء أكان في كندا أو في الولايات المتحدة الأميركية أو في أستراليا أو في الدول الأوروبية أو في أفريقيا، عليه أن يسجّل اسمه على المنصة الخاصة لوزارة الخارجية والمغتربين. وفي مقارنة سريعة بين تسجيل اليوم وتسجيل العام 2022، فإن في مقاطعة كيبيك، وبالتحديد في مدينة مونتريال، حيث التجمّع الأكبر للبنانيين، نلاحظ أن عدد المسجلين قد تخطّى الثمانية آلاف، في حين وصل هذا العدد في الانتخابات الماضية إلى خمسة عشر ألفًا. ومن المتوقع أن يصل هذا العدد في اليومين المتبقيين إلى المستوى المطلوب.
وعلى رغم أن الاتصالات الجارية على قدم وساق بين الداخل اللبناني ومختلف دول الاغتراب قد أثمرت، وأنه من المتوقع أن يصل العدد مع نهاية مهلة التسجيل إلى أرقام مفاجئة، فإن بعض المراجع الاغترابية ترى أن لهذا الفتور النسبي أكثر من سبب، ومن بينها ثلاثة أسباب على الأقل، وذلك قبل هذه القفزة النوعية في الاقبال. وأول هذه الأسباب أن إصرار رئيس الجمهورية جوزاف عون، كما رئيسي المجلس النيابي
نبيه بري، والحكومة نواف سلام، على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها في ربيع 2026، لا يعني بالضرورة أن الطريق سالكة سياسياً أمام إنجازها بلا أي تأخير في ظل تصاعد وتيرة “الكباش السياسي” بين رئيس المجلس وخصومه الذين يطالبونه، وبإلحاح، بإدراج اقتراح القانون الذي تقدّموا به على جدول أعمال الجلسة التشريعية، والذي يقضي بشطب المادتين 112 و122 من قانون الانتخاب بما يسمح للمنتشرين اللبنانيين في الاغتراب بالاقتراع من مقر إقامتهم لـ 128 نائباً.
إلاّ أن الرئيس بري حّول اقتراحهم إلى اللجنة النيابية الفرعية المكلفة بدراسة الاقتراحات الخاصة بقوانين الانتخاب، وهذا ما سينسحب على مشروع القانون الذي أعدته الحكومة، في هذا الخصوص، فور إحالته إلى رئاسة المجلس، في الوقت الذي تتوقع فيه مصادر نيابية أن تصل اقتراحات القوانين المتعلقة بالتعديلات المقترحة على قانون الانتخاب إلى أكثر من 14 اقتراحاً، إضافةً إلى اقتراح مشروع القانون الذي أعدته الحكومة ولم ترفعه حتى الساعة إلى رئاسة المجلس ريثما تكتمل توقيعات الوزراء المعنيين. وعليه، فإن المجلس النيابي يقف حالياً أمام زحمة اقتراحات قوانين.
وهذا السجال بدأ يشتد مع اقتراب انتهاء مهلة تسجيل المغتربين، والتي تنتهي وفق التوقيت الكندي أو الأميركي أو الأسترالي، الذي يتطابق مع التوقيت المحلي في بيروت، أي منتصف ليل بعد غد الخميس.
فهذا الغموض الذي يكتنف مصير قانون الانتخابات، الذي على أساسه ستُجرى الانتخابات، قد سبّب إرباكاً حول الآلية التي ستُعتمد لاقتراعهم. وهذا الغموض والتردّد والحيرة لم تكن موجودة في الانتخابات الماضية، مع توالي المعلومات عن استحالة تمديد هذه المهلة، وهذا ما كان قد طالب به الوزير جو رجي في الجلسة الأخيرة للحكومة، بحيث يصار إلى تمديد هذه المهلة إلى 31 كانون الأول المقبل، لكن طليه قوبل بمعارضة من وزراء “الثنائي الشيعي بذريعة أن تمديدها يحتاج إلى تعديل القانون.
أمّا السبب الثاني فيعود إلى ما يصل إلى مسامع المغتربين من أصداء غير مشجعة. وهذا ما يزيدهم يأسًا وقنوطًا إلى حد ما يشبه حالة “القرف”، إذ يُلاحظ أن ثمة موجة من التشاؤم في إمكانية إحداث أي تغيير يُرجى. وهذا ما حاول
رئيس حزب الكتائب اللبنانية الشيخ سامي الجميل خلال زيارته لكندا تبديده، حيث شدّد في كل لقاءاته على أهمية ما تشهده الساحة اللبنانية من تطورات إيجابية تسمح بالذهاب بعيدًا في حالات التفاؤل، والتي بات تحقيقها قريبًا جدًّا. وفي اعتقاده أن سنة 2026 ستكون بداية قيامة لبنان، وهذا ما يدفع القوى التي لا ترى في كل ما يجري سوى المصلحة اللبنانية إلى الاعتقاد بأن الأيام المقبلة في ظل عهد الرئيس جوزاف عون ستكون أفضل بكثير من الأيام السابقة، وأن لبنان سيوضع على سكة التعافي والنهوض.
أمّا ثالث الأسباب، وهو سبب تافه في مظهره، ولكنه يعكس واقعًا مرضيًا إلى حدود معينة. فبعض مريضي النفوس يعللون النفس بأنه إذا لم يتسجّلوا في الخارج حيث هم ستضطّر الأحزاب، التي لديها امكانات مادية، لتنظيم رحلات جوية عبر جسر جوي مباشر مع لبنان لنقل أكبر عدد من المغتربين مجانًا، ذهابًا وإيابًا.
إلاّ أن هذا الجو غير الصحّي يتعارض أولًا وأخيرًا مع الحدّ الأدنى من الكرامة الذاتية، لأنه يتعارض مع أبسط قواعد اللعبة الديمقراطية، التي تمنع الرشوة الانتخابية، أيًّا يكن نوعها وحجمها وشكلها.
فأمام خوض “الثنائي الشيعي” معركته النيابية على أساس “قاتل أو مقتول” بالمفهوم السياسي للكلمة، أثمرت حملات تشجيع المغتربين على تكثيف الاقتراع، بالتوازي مع استمرار رهان “الثنائي” على انقضاء المهل بما يسمح بإعادة الاعتبار لقانون الانتخاب النافذ حالياً، الذي يحتاج بدوره إلى تعديل، في ضوء امتناع الحكومة عن إصدار المراسيم التطبيقية لتنفيذ بعض بنوده التي ما زالت عالقة، ورميها كرة النار في حضن المجلس. وهذا يعني بالمختصر المفيد عدم تمكّن المغتربين من التصويت هذه المرّة إلاّ إذا استجد ما يمكن أن يغيّر هذه المعادلة من أساسها.
