“الجزرة” السعودية: تشجيع المسار وعدم تخريبه

“الجزرة” السعودية: تشجيع المسار وعدم تخريبه

الكاتب: روزانا بو منصف | المصدر: النهار
19 تشرين الثاني 2025

من مؤشرات العودة الاقتصادية السعودية من بوابة مؤتمر “بيروت 1″، أن الخطوات التي اتخذها لبنان حتى الآن على صعيد مكافحة التهريب ومراقبة حدوده وضبطها بدأت تعطي ثمارها، وأن الخارج المعني، وهو المملكة السعودية التي يعول على أن تكون الرافعة المعنوية والمادية للبنان متى أنجز دفتر الشروط المتعلقة بالإصلاح وضمان سيادة الدولة على أراضيها بقواها الذاتية وحصرية السلاح، سيوفر استكمال الخطوات التالية تباعا.

هناك متابعة لما تقوم به الدولة وإظهارها الجدية في هذا الإطار، وليست عصا الابتعاد عن لبنان والامتناع عن دعمه وحدها المرفوعة في وجهه، بل توفير جزرة تمثلها بداية التجاوب وسرعته. وهو ما يفترض أن يشكل حافزا وتشجيعا في الوقت نفسه، اقتصاديا واستثماريا.
هذه المؤشرات وحدها أطلقت سيلا من الترحيب الرسمي والسياسي على أعلى المستويات، على خلفية إدراك أن المجتمع الدولي والدول الداعمة للبنان، أكانت فرنسا أم الولايات المتحدة، تعوّل جميعها على المملكة السعودية لإعادة الانخراط اقتصاديا وحتى سياسيا في لبنان، باعتبار أن هذا الانخراط يشبه إلى حد بعيد الغطاء الأميركي المُعطى  للرئيس السوري أحمد الشرع لدى استقباله في البيت الأبيض، بغطاء سعودي، ليطلق مسار استعادة الثقة الدولية بلبنان.

وثمة من يضيف إلى ذلك أن عودة الانخراط السعودي تساعد في اتجاه الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل، ولا سيما مع زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان واشنطن راهنا وحاجة إيران إلى علاقاته الوثيقة بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتوجيه الرئيس الإيراني رسالة إلى وليّ العهد قبيل توجهه إلى واشنطن، من أجل عدم تخريب إسرائيل ما يقوم به لبنان وعدم تخريب إيران لذلك في الوقت نفسه.
والواقع أن تصعيدا عسكريا إسرائيليا متجددا ضد “حزب الله” قد يؤدي إلى ضرب ركائز الدولة الجديدة الناشئة في لبنان ويعطل مسار خطواتها، حتى لو كانت بطيئة أكثر مما هو متوقع. يُعطف هذا الاعتبار على الإجراءات التي بدأ لبنان اتخاذها فورا على أثر المطالب التي قدمتها الولايات المتحدة للحكومة اللبنانية خلال زيارة وفد الخزانة الأميركي في التاسع من الشهر الجاري، والرامية إلى تنفيذ قائمة مطالب اقتصادية وأمنية تهدف إلى إضعاف “حزب الله” أكثر. فقد وجّه رسالة عبر بدء اتخاذ الإجراءات إلى تلقيه الرسالة الأميركية وعدم مخاطرته بالتمييع أو التجاهل، ما يفترض أن ينظر إليه إيجابا في هذه المرحلة وتشجيعه على استكمال الجهد لتنفيذ الإجراءات المطلوبة منه.

الجانب الأميركي أوضح أن الموعد النهائي المحدد بـ60 يوما لا ينبغي “أن يؤخذ حرفيا”، لكنه مهلة مبدئية لا تستطيع الحكومة اللبنانية تجاهلها، تحت طائلة أن تنسحب الولايات المتحدة من دورها كوسيط إذا فشلت الحكومة اللبنانية في إحراز تقدم، ولاسيما في ظل اعتبار الولايات المتحدة أن تأخر لبنان في التقدم في نزع سلاح الحزب أو في منع تمويله يتيح له مزيدا من الفرص لإعادة بناء قدراته. وهذا خط أحمر أميركي، بدليل رد الفعل المتمثل في إلغاء زيارة قائد الجيش رودولف هيكل لواشنطن، وهي رسالة قوية بعدم التهاون ولو كلاميا، تطاول اتجاهات عدة، وكذلك هو خط أحمر إسرائيلي بعد تغيير المقاربة الإسرائيلية لحرب غزة.

والضمانات للمستوطنات الإسرائيلية الشمالية التي قدمها الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم في تجاوزه الدولة اللبنانية من جهة وأوراقها التفاوضية المحتملة من جهة أخرى، كشفت في رأي مراقبين ديبلوماسيين مدى حراجة موقفه ومحاولته الشرسة إبقاء القديم على قدمه، متسائلين كيف كان يمكن أن يكون رد الحزب لو عمد رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة إلى تقديم هذه الضمانات حول منطقة عازلة في الجنوب لإسرائيل، من تخوين وتهم بالعمالة وما شابه؟ ويدرك الحزب افتراضا أن هذه المقاربة ربما كانت ستنجح لولا أن الحزب لم يخسر العمق الذي كانت تمثله سوريا أو لم يبادر إلى حرب إسناد غزة بعد 17 عاما من هدوء الحدود مع إسرائيل إثر حرب 2006، ما لا يقدم ضمانا بعدم احتمال عودة الحزب إلى سابق عهده عند أول فرصة.