
بيروت «مصدومة» مع الإلغاء «العقابي» للقاءات قائد الجيش في واشنطن
فيما كان دويّ «دقّ النفير» من إسرائيل لجولة قتالٍ جديدة مع «حزب الله» يتردّد في أروقة مؤتمر «بيروت 1» الذي أريد له أن يشكّل جسراً استثمارياً يربط لبنان بـ «اليوم التالي» للحرب، هبّت على «بلاد الأرز» غضبةٌ أميركية صادمة على الجيش اللبناني الذي بات في دائرة «العين الحمراء» من واشنطن التي كان يُفترض أن يحطّ فيها الجنرال رودولف هيكل قبل أن تُلغى مواعيدُه فيها وتالياً «تطير» المحطة في ربع الساعة الأخير.
وفي الوقت الذي كان مؤتمر «بيروت تنهض من جديد» يَنعقد في حضور خليجي وعربي وغربي ليرسم «سَلّة الفرص» أمام المستثمرين بعد أن ينتقل لبنان إلى ضفة الاستقرار المستدام، باغت الوطن الصغير «ثقب» خطير في علاقةِ الولايات المتحدة بالجيش اللبناني الذي يُخشى أن ملف سحب السلاح بدأ يَستنزف رصيده لدى واشنطن لدرجة ارتفاع مَخاطر وضْعه على «اللائحة الرمادية» على مستوى الدعم والمساعدات وإلحاقها، كما ملف إعادة الإعمار، بشروط تفكيك الترسانة العسكرية للحزب.
وحلّ وَقْعُ إلغاء الإدارة الأميركية الاجتماعات التي كانت مُقرَّرَة اليوم الثلثاء، لقائدِ الجيش في واشنطن كالصاعقة على بيروت، وسط التعاطي مع هذا التطور الذي دَفَعَ في اتجاهه أعضاء بارزون في الكونغرس اتّهموا هيكل شخصياً كما المؤسسة العسكرية، بحصر اللوم في عدم الاستقرار بجنوب لبنان بإسرائيل «العدوّ» وإظهار ضعف وعجز عن حصْر سلاح «حزب الله»، على أنه رسالة قاسية جداً ونكسة كبيرة أصابت شظاياها رئيس الجمهورية العماد جوزف عون.
وتوقفت أوساط سياسية عند الأبعاد العميقة للخطوة الأميركية التي ترافقت مع إشاراتٍ فُسِّرت على أنها بمثابة «تجميد» لمسار مساعدة الجيش الذي لطالما شكّلت واشنطن الرافعةَ الأساسية لتسليحه وتجهيزه إلى جانب كونها مع فرنسا قاطرةَ مؤتمر دعمه، الذي «عَلِق» عملياً في «شِباك» التوتر غير المسبوق في علاقة الولايات المتحدة بالجيش.
وفي رأي هذه الأوساط أن التصويبَ العنيف من أعضاء في الكونغرس، وبينهم لصيقون بالرئيس دونالد ترامب مثل ليندسي غراهام، وأعضاء في الحزب الجمهوري مثل طوم حرب، على هيكل والجيش لدرجة اعتباره «استثماراً غير جيد لأميركا»، يطرح جملة تحديات ما فوق عادية على المؤسسة العسكرية ومن خلْفها لبنان الرسمي الذي يميل إلى التردّد في ملف سلاح «حزب الله» مُعْلياً الحفاظ على السِلم الأهلي فوق مخاطر حرب جديدة وساعياً إلى موازنةٍ بالغة الصعوبة بين «المُرّ والأمرّ» في سياق محاولة تجنُّب «تَجَرُّع» أي منهما. وأبرز هذه التحديات:
– أن مآخذ أعضاء الكونغرس الصادمة تشكل واقعياً غطاءً أو «مصادقةً» على مضبطة الاتهام الإسرائيلية للجيش اللبناني بأنه «عاجز عن تنفيذ التزاماته بموجب اتفاق وقف النار ونزع سلاح حزب الله الذي يحاول تكديس الأسلحة، بل بنى خط دفاعه الجديد شمال الليطاني»، ما يعزز تالياً المخاوف من أن تسرّع تل أبيب التي تُعطي إشارات متزايدةً إلى أن جولة جديدة من القتال مع الحزب لم تعد مسألة «إذا» بل «متى» تقع، في «الضغط على الزناد».
– أن التشدّد الأميركي غير المسبوق يرفع القلق من أن فترة السماح التي أُعطيت للبنان لبت ملف السلاح (حتى نهاية السنة) وإحكام الطوق المتعدد البُعد على مختلف «الطبقات» التي تشكل ركائز تمكين الحزب عسكرياً ومالياً واجتماعياً – وكانت آخِر تعبيراتها خلال زيارة وفد الخزانة الأميركية لبيروت الأسبوع الماضي – لن تكون مريحة بل محكومة بضغوطٍ متدحرجةٍ وأن ما تطرحه واشنطن مهلة إسقاطٍ وليس حثّا.
– أنّ رَفْعَ «البطاقة الصفراء» بوجه هيكل يَحمل بين سطوره أن واشنطن غير راضية أو غير «مُكْتفية» بإعلان النيات من لبنان الرسمي بالموافقة على التفاوض مع إسرائيل، وهو ما تولى الحزب عملياً تفريغه من مَضمونه بتمسكه بحظر أي نقاش حول سلاحه على طاولةٍ مفاوضاتٍ يدرك مسبقاً أنها لن توصل إلا إلى شَبْك هذا الملف بمختلف العناوين الأخرى الأمنية والحدودية باعتباره «الهدف رقم 1» لتل أبيب وواشنطن، وأنه سيلقى في أي مفاوضات – بالحد الأدنى – مصيرَ «حماس» وفق خطة سلام غزة التي صارت «أممية» بموجب قرار مجلس الأمن.
وفي هذا الإطار لم تكتم الأوساط تَعاظُم الخشيةَ من أن يشكل نجاح ترامب في إدارة التناقضات داخل مجلس الأمن وتَفادي فيتو الصين وروسيا وتالياً تمريره إنجازاً دبلوماسياً كبيراً، حافزاً إضافياً له على تسريع إنهاء جبهة لبنان، ولإسرائيل ربما لمحاولةِ تعويض ما تَعتبره «عدم مراعاة» لها في خطة غزة عبر هروبٍ إلى الأمام في اتجاه «حزب الله».
– أن «الحيثية» الرئيسية المعلَنة لإلغاء لقاءات قائد الجيش تمحورتْ حول بيان قيادته في 16 نوفمبر الذي اتهم فيه «العدو الإسرائيلي بالإصرار على انتهاكاته للسيادة اللبنانية، مسبباً زعزعة الاستقرار في لبنان، ومعرقلاً استكمال انتشار الجيش في الجنوب، وآخِر الاعتداءات المدانة استهدافه دورية لليونيفيل»، لـ «وضع حد للانتهاكات والخروق المتواصلة من جانب العدو والتي تستلزم تحركاً فورياً كونها تمثل تصعيداً خطيراً».
على أن وراء هذه الحيثية، لاحتْ التقارير التي كانت نقلت عن هيكل دعوته أمام مجلس الوزراء قبل نحو أسبوعين إلى تجميد خطة الجيش لسحب السلاح ومرحلتها الأولى (جنوب الليطاني) ما دامت الاعتداءات الإسرائيلية مستمرة، وصولاً إلى ما ظهّرته معلومات صحافية من تل أبيب وبيروت عن ضغط على الجيش للانتقال في عمليات البحث جنوب الليطاني إلى إستراتيجية تفتيش المنازل، وهو ما رفضه لأنه يشكّل «باب» احتكاكات لن ينجر إليها مع سكان الجنوب.
وفي خلفية الغيمة الكبيرة في سماء علاقات واشنطن وبيروت، ترى الأوساط نفسها أنه لا يمكن إغفال الصدى السلبي الذي تركته مطالبة عون قبل نحو 3 أسابيع من الجيش التصدي «لأي توغل إسرائيلي في الأراضي الجنوبية دفاعاً عن الأراضي اللبنانية وسلامة المواطنين»، بعد مقتل لبناني بتوغل إسرائيلي واقتحام مبنى بلدية بليدا.
غراهام
وحينها تولى السيناتور ليندساي غراهام تظهير الاستياء الأميركي بإعلانه «إنّ فكرة أن ينضمّ الجيش اللبناني إلى«حزب الله»في القتال ضد إسرائيل تُعرّض للخطر كلّ ما أعمل عليه أنا وكثيرون غيري لمساعدة لبنان على التقدّم إلى الأمام (…) ولو جرى نزع سلاح الحزب لتوقّفت العمليات العسكرية الإسرائيلية فوراً (…)».
وتولى غراهام اليوم الثلاثاء، الإضاءة على خلفيات «الغضب» الأميركي على الجيش وقائده، إذ كتب على «اكس»: «من الواضح أن قائد الجيش اللبناني، بسبب إشارته إلى إسرائيل على أنّها العدو، وجهوده الضعيفة شبه المعدومة لنزع سلاح حزب الله، يُمثِّل عائقاً كبيراً أمام جهود دفع لبنان إلى الأمام».
وأضاف: «هذا المزيج يجعل من الجيش اللبناني استثماراً غير جيّد لأميركا».
وجاء كلام غراهام تعليقاً على منشور للسيناتور جوني ارنست كتبت فيه «خاب ظني من هذا البيان للجيش اللبناني. القوات المسلحة اللبنانية شريك إستراتيجي، وكما ناقشتُ مع قائد الجيش في أغسطس، فقد مَنحت إسرائيل لبنان فرصة حقيقية لتحرير نفسه من إرهابيي حزب الله المدعومين من إيران. وبدل اغتنام هذه الفرصة والعمل معاً لنزع سلاح حزب الله، يقوم قائد الجيش وفي شكل مخجل بتوجيه اللوم إلى إسرائيل».
وإذ أتى موقف ارنست بعدما عاودت نشر بيان الجيش الصادر في 16 نوفمبر، فقد سبقها حرب، الذي قال: «تشعر إدارة ترامب بالإحباط من الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني. فقد ألغت جميع الاجتماعات المقرّرة (اليوم الثلاثاء) في واشنطن مع قائد الجيش رودولف الهيكل، واضطرت السفارة اللبنانية إلى إلغاء حفل الاستقبال المخطّط على شرفه».
وتابع: «شكراً للسيناتور ليندسي غراهام على التنبه إلى سلوك الجيش اللبناني، وإلى عدم استعداد الحكومة لاتخاذ أي خطوة ضد حزب الله أو لتنفيذ القرار 1559، بينما تكتفي بإلقاء اللوم على إسرائيل. لقد اتخذتَ القرار الصحيح بإلغاء الاجتماع مع قائد الجيش. فأموال دافعي الضرائب يجب أن تُثمر في لبنان. نأمل أن يطّلع الرئيس جوزف عون جيداً على مواقف إدارة ترامب، وأن يستبدل قائد الجيش بشخص مستعد لإنجاز المهمة قريباً».
وكانت تقارير في بيروت أشارت إلى أن الاجتماعات التي كانت مقرّرة لهيكل في واشنطن، بعد تحضير طويل لبرنامج الزيارة ألغيت بسبب البيان الأخير لقيادة الجيش الذي وجّه اللوم لإسرائيل ولم يلُم «حزب الله» في عرقلة خطة الجيش.
وأشارت قناة «ام تي في» اللبنانية إلى أن السفارة في واشنطن ألغت بدورها استقبالاً كان سيقام لقائد الجيش، موضحة أن «هذا الملف وما جرى تم تحويله مباشرةً إلى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، وأصبح في عهدته داخل وزارة الخارجية واللجان المختصة، نظراً لدوره المركزي في إعادة صوغ السياسة الأميركية تجاه لبنان، خصوصاً في ما يتعلق بالمساعدات العسكرية، وبات استمرار التعاون مع الجيش اللبناني مرتبطاً بشكل مباشر بمواقفه في المرحلة المقبلة، خصوصاً في ملفّ الحدود ونزع سلاح حزب الله، وأنّ أي خطاب يتعارض مع سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل سيؤثّر فوراً على مستوى العلاقات والدعم».
في موازاة ذلك، شدد مصدر مسؤول في الجيش «في تصريح لقناة «الجزيرة» على أن اتهام الجيش بالبطء في تنفيذ خطة حصر السلاح غير صحيح»، مؤكداً«أن الجيش يقوم بدوره بحكمة، وتنفيذ خطة حصر السلاح يسير وفق البرنامج المحدد».
وأعلن وزير المال ياسين جابر «أن ما حصل اليوم مع قائد الجيش… مش نهاية، وهناك إمكانية للمعالجة وسندعم دائماً مؤسستنا العسكرية»، مقراً بأن ما جرى كان«رسالة قاسية».
مؤتمر «بيروت 1»
في موازاة ذلك، كان مؤتمر «بيروت 1» ينطلق بحضور خليجي وعربي، وقد ترأس مساعد وزير الاستثمار السعودي إبراهيم المبارك وفد المملكة، في وقت كان الموفد المكف الملف اللبناني الأمير يزيد بن فرحان يواصل لقاءاته مع كبار المسؤولين وأبرزها كان مع رئيس البرلمان نبيه بري. وجاءت الكلمات التي ألقيت في افتتاح المؤتمر كما الإحاطة بموجبات انعقاده، لتؤكد أن «بنك أهداف» لبنان من المؤتمر تتمحور حول: – إطلاق عملية الخروج من مرحلة «التسول» والربط مع المسار الجديد في المنطقة القائم على «الاستثمار المربح» وعوائد الانخراط اقتصادياً في أي دولة. – تقديم «خريطة» للمستثمرين بإزاء المجالات الأبرز التي توفّر فرصاً لأصحاب رؤوس الأموال وتتيح في الوقت نفسه إطلاقَ مسار النهوض والتنمية والتعافي في لبنان. – إرساء مسار «سبّاق» يقوم على استباق إخماد «تسونامي النار» بإعداد الأرضية لـ «الموجة الاستثمارية» المرتقبة وحجْز موقع للبنان على رقعةٍ يتنافس عليها واقعياً مع «سوريا الجديدة» التي تتحضّر لأن تقوم من تحت الركام برافعة عربية ودولية كبيرة. وأمام المؤتمر، قال عون «لقد أردناه بداية فصل جديد من نهضة لبنان، عنوانه الثقة والشراكة والفرص».
وقال «نؤكد انفتاح لبنان على محيطه العربي والدولي. ولبنان يجب أن يستعيد دوره الطبيعي لاعباً اقتصادياً وثقافياً في المنطقة، وجسراً بين الشرق والغرب. انفتاحنا ليس شعاراً، هو توجه فعلي نحو شراكات جديدة، نحو الأسواق المحيطة، ونحو تعزيز مكانة لبنان في خريطة الأعمال الإقليمية والدولية». وإذ شدد على «أن الأمن الذي نريده ليس أمن تهدئة موقتة، بل أمن استقرار مستدام»، وجّه نداءً «إلى كل صديق للبنان، إلى كل مستثمر، إلى كل شريك محتمل: لبنان لا يطلب تعاطفاً، بل ثقة. لا ينتظر صدقة، بل يقدّم فرصة»، قبل أن يخص بالترحيب «الأشقاء السعوديين، المشاركين للمرة الأولى في مناسبة لبنانية على هذا المستوى، منذ مدة كانت كافية لتشتاق بيروت إليهم، ويشتاقوا إليها«. وتابع»كما اسمحوا لي أن أرحّب مرة جديدة، بالوافد الدبلوماسي الجديد، السفير الأميركي ميشال عيسى. إن اختيارَك في هذا المركز، ووجودَك معنا اليوم، هو لفتة معبّرة جداً من الرئيس ترامب حيال لبنان. ونحن نقدّرُ ذلك ونثمّنه. ونجدد شكرنا لإدارته على كل الدعم. ونتطلع إلى مزيد من التعاون على كل المستويات».
