
التباهي بـ”الغزوة”… من يضحك أخيراً؟
لا تحتاج آخر الوقائع المتصلة بأزمة إنجاز الإجراءات القانونية والدستورية لتحرير الطريق تماما إلى استحقاق انتخابات 2026، إلى طمس حقيقة أن رئيس مجلس النواب، بصفته الدستورية ولكن الأكثر منها سطوة، بصفته الزعاماتية الشيعية، سيحقق هدفه المركزي في حربه الضروس على أكثرية المجلس من كتل الأكثرية والخصوم. تهافُت المهل القانونية تباعا، وأشدها تأثيراً مهلة إقفال تسجيل المغتربين غدا، يعني أن “ما فات قد مات” وأن لا لجنة دفن القوانين النيابية ولا الهيئة العامة، إن انعقدت متأخرة، ولا أي تطور غير محسوب آخر، ستضمن بعد ذلك إحياء تعديل قانون الانتخاب، أيا تكن المفاعيل السلبية التي ستطلق فوضى واسعة ينجم عنها إخراج عشرات بل مئات ألوف الأصوات الاغترابية من الاستحقاق الانتخابي.
ليس مجديا الغوص في الوقائع المشوبة بكل الشبهات التي سادت الأشهر الماضية من مسار المعركة النيابية والسياسية والقانونية والدستورية التي خيضت بفشل عظيم منح رئيس المجلس شهادة تعطيل إضافية للنظام وليس فقط لقانون بعينه، حين يغدو التعطيل الدستوري بذاته السلاح الأسوأ من سلاح شريك بري في الثنائية الشيعية، أي “حزب الله”، في استدراج الحروب والفتن واحتكار قرار الحرب والسلم. ولكن الإطلالة على اليوم التالي في مسار هذا النمط المبدع من التعطيل، سواء في الاتكاء على صلاحيات مستأسدة لرئيس المجلس لا تأخذ في الاعتبار وجود أكثرية نيابية وسياسية تبدلت جذريا منذ بداية هذا العهد وعكست مسارا جديدا معاكسا لكل حقبات الوصايات السابقة بعد انهيار محورها، أو في الذهاب إلى الذروات القصية في التمترس وراء البعد المذهبي واستنفاره لفرض موقف الأقلية على الأكثرية، توجب التنبيه إلى تداعيات ومعارك لن تقف عند حدود انقسامات عادية.
أن يغدو تعطيل تعديل قانون تقدمت الحكومة بمشروع قانون عاجل لتعديله، ولو متأخرة إلى أقصى الحدود لحفظ ماء وجه صلاحيات البرلمان ورئيسه، مضافا إليه رزمة متراكمة من اقتراحات قوانين نيابية دفنت في لجنة يتلاعب بها رئيس المجلس، فهذا سيعني بلا مواربة أن البرلمان الحالي أخرج قسرا عن سكة الانتظام الدستوري والمؤسساتي، وأن انطلاق معركة حصرية وشخصية حتى ضد رئيسه ليس سوى أبغض الحلال، ولو على مشارف نهاية ولاية هذا المجلس. لذا يغدو مضحكا جدا الحديث عن “غزوة” مزعومة على رئيس المجلس بسبب من مواقف مناهضة له أميركيا ولبنانيا، فيما السؤال الحقيقي يجب أن يثار حيال تمادي غزوة “الثنائي” للنظام المؤسساتي، رغم كل ما حل من متغيرات بدت حتى الساعة أعجز عن زحزحة تراكمات حقبات الوصاية السابقة والتحالفات العتيقة وما أقامه سلاح الممانعة من قلاع الهيمنة الداخلية أكثر من أيّ مقاومة لإسرائيل.
وأبعد من ذلك، ترانا لم نتوغل بعد في سيناريوات الانتخابات وما بعدها في ظل الانقلابات التاريخية التي فصلت بين انتخابات2022 و2026. ولكن على رغم تفضيل عدم التسرع في إطلاق الاستنتاجات المبكرة للغاية، ثمة عامل ثابت لم يعد صعبا الجزم به، هو أن الجاري الآن على يد الثنائي الشيعي في استرهان واقع مذهبي للتحكم في موقف الأكثرية وإسقاطه، والأكثرية هنا مؤسساتية تمثلها رئاستا الجمهورية ومجلس الوزراء، والأكثرية النيابية والسياسية، سيؤدي إلى مفاعيل بالغة الخطورة داخليا على هذا الفريق، بما لا يقلّ كارثيا عن تداعيات التفرد في قرار الحرب والسلم. ولن يجدي حينذاك التذاكي والتباهي بحديث الغزوات من داخل وخارج.
