
خطة وزير الاقتصاد أمام المؤتمرين: مسارات طموحة امتداداً الى 2030 و2035
من تسنى له حضور المؤتمر، الذي يستمرّ إلى اليوم، شعر بأن «بيروت 1» يُعقد في عالم موازٍ، حيث الحديث عن شراكة مع القطاع الخاص وكهرباء 24/24، وفرص عمل واستثمارات، بعيد من الواقع والتهديد بالحرب نتيجة معضلة سلاح «حزب اللّه» والخلافات السياسية التي تعرقل إلى اليوم أي محاولة لدفع لبنان قدمًا… إلّا أن ما قاله الرئيس عون في كلمته الافتتاحية قد يكون تعبيرًا عن سبب تلك المحاولة، إذ قال: «اليأس لا يرمّم دمارًا، والصمت لا يصنع ثقة. الأفعال وحدها هي التي تغيّر المسار».
أما الوزير عامر البساط الذي أشرف على الخطوط العريضة للمؤتمر فكان الأبرز، حيث عرض ما يشبه «تشخيصًا اقتصاديًا» أمام الحاضرين. هذا التشخيص انطلق من «قاعدة صلبة»، مفادها أن طريق الإصلاح في لبنان سيكون طويلًا وشاقًا، لأن نقطة الانطلاق نفسها تبدو معقدة في ظلّ الظروف. التشخيص يعترف بأن لبنان يواجه أزمة مصرفية عميقة، وانهيارًا في الخدمات الأساسية من كهرباء واتصالات وتوزيع، إضافة إلى مؤسسات عامة عاجزة، واقتصاد قائم بجزء كبير على النقد والسيولة خارج الأطر النظامية.
كلّ ذلك بحسب ما عرضه البساط على الحاضرين، يؤكد أن هذا الحال أدّى إلى التخلّف عن السداد، ثمّ إلى تراجع الروابط الاقتصادية الدولية، فيما تفاقم نزيف الكفاءات والانقسامات الاجتماعية، في وقت لا تزال الدولة تحاول استعادة سيادتها وقدرتها الفعلية على فرض القانون.
ورغم هذه الانطلاقة الصعبة، فإن وزير الاقتصاد اعترف بأن مسار الإصلاح المطلوب لا يقلّ تعقيدًا، إذ يُتوقع أن يكون تقنيًا شائكًا، وقانونيًا صعبًا، وسياسيًا بالغ الحساسية، لكن دولًا نامية كثيرة استطاعت أن تحقق قفزات اقتصادية كبرى بموارد أقل، ما يجعل طموحات لبنان، إذا أُحسن تنفيذها، قابلة للتحقيق.
تتضمّن طموحات البساط: مضاعفة الناتج المحلّي خلال 10 سنوات، ورفع الصادرات إلى 5 أضعاف، وتحقيق نموّ سريع في الوظائف، والوصول إلى القضاء على الفقر بحلول العام 2030. كما تُظهِر توقعاته أن الناتج المحلّي الإجمالي قد يرتفع إلى أكثر من 78 مليار دولار بحلول 2035، وأن الصادرات ستُلامس 20 مليار دولار، فيما ترتفع الاستثمارات إلى ما يقارب 29 % من الناتج، شرط إطلاق «ورشة إصلاحات متكاملة».
وتنطلق الورشة، من إعادة بناء «عمود الاقتصاد الفقري». فالخطوة الأولى هي تحرير الإنتاجية عبر إعادة ابتكار القطاعات الحيوية: معالجة الأزمة المصرفية، وتأمين خدمات الكهرباء والاتصالات والنقل لتكون موثوقة وميسورة الكلفة. ثمّ الانتقال إلى إعادة بناء ما تهدّم من رأس المال، سواء في المناطق المتضررة من الحروب أو في البنى التحتية الأساسية.
وفي المستوى الكلي، أشارت خطّة البساط، إلى أن تثبيت الاقتصاد يحصل عبر التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد، والخروج من حالة التعثر، وتقليص الاعتماد على الدَّين، وتثبيت التضخم، وخفض العجز التجاريّ. أمّا على مستوى الدولة، فتشمل الأولويات استعادة السيادة، وإصلاح الإدارة، وتمكين الفئات الضعيفة، ووضع نظام ضريبي صديق للأعمال، ومحاربة الفساد والبيروقراطية عبر الرقمنة والتبسيط، وصولًا إلى تعزيز استقلالية القضاء.
ولإنجاح هذا المسار، قدّرت الخطة الاحتياجات الاستثمارية للقطاع العام بنحو 8 مليارات دولار. مع التأكيد على أن مجالات الشراكة مع القطاع الخاص يمكن أن تؤمّن ما يقارب 5.8 مليارات دولار، وخصوصًا في مجالات الأشغال والنقل وجمع النفايات والاتصالات، فيما يحتاج التمويل العام إلى تلبية القطاعات الأخرى مثل الصحة والتعليم والإصلاح الإداري والزراعة والشؤون الاجتماعية والتكنولوجيا والثقافة.
وفي المقابل، فتحت الخطة أمام القطاع الخاص، مجموعة واسعة من الفرص الاستثمارية، مثل: مضاعفة اليد العاملة في الزراعة وزيادة الإنتاج الغذائي، لجذب 5 ملايين سائح سنويًا. مع توزيع الحركة السياحية خارج بيروت، والوصول إلى «حكومة رقمية» تعتمد على الذكاء الاصطناعي بحلول 2030. كما شملت الخطة إقامة مناطق صناعية resilient تستند إلى سمعة لبنان في الجودة والحرفية، وتعزيز الصناعات الإبداعية لتصبح رافعة للنمو. وكذلك برامج اجتماعية موسّعة، وإطلاق شبكة اتصالات وطنية لجيل 5G بحلول 2028 مع 700 ألف منزل موصول بالألياف البصرية بحلول 2030، وتحقيق معالجة كاملة لمياه الصرف وإعادة استخدامها، وبناء محطّتين جديدتين لإنتاج الكهرباء بالغاز بطاقة 1.6 غيغاوات تؤمّنان كهرباء 24/7 في 2030، وكذلك توسيع مطار رفيق الحريري الدولي، لاستيعاب 16 مليون مسافر سنويًا، وربطه بأنظمة نقل سريعة و 200 كيلومتر من الطرقات بحلول 2030.
بهذا التسلسل، شكّلت خريطة طريق البساط «خطة شاملة» تجمع بين تشخيص الواقع، وتحديد الأهداف، ووضع الأسس، ثمّ رصد التمويل، وفتح الباب أمام القطاع الخاص ليكون شريكًا مركزيًا في إعادة بناء الاقتصاد اللبناني…
أمّا عن بدء التطبيق، فيبدو أنه سيبقى مؤجلًا إلى حين حلّ معضلة السياسة والأمن، أي معضلة سلاح «حزب اللّه»، التي تحول دون تنفيذ كلّ ما سبق ذكره.
