قصور العدل.. مرآة لانهيار الدولة

قصور العدل.. مرآة لانهيار الدولة

الكاتب: يوسف دياب | المصدر: هنا لبنان
21 تشرين الثاني 2025

قصور العدل، التي يُفترض أن تكون رمزاً لنظام العدالة، تحوّلت إلى مساحات مهترئة تعكس الإهمال وسوء الإدارة، وتضع القضاة والموظفين والمتقاضين في بيئة لا تليق بكرامتهم ولا بمفهوم العدالة في دولة القانون

 

لم تعد أزمة قصور العدل في لبنان، مجرد مشكلة خدماتية يمكن تجاوزها أو التعامل معها كظرف طارئ، بل باتت تشكّل صورة فاضحة عن عمق الانهيار الإداري والمالي الذي يضرب الدولة ومؤسساتها، ويقوّض هيبة القضاء ودوره.

فقصور العدل، التي يُفترض أن تكون رمزاً لنظام العدالة، تحوّلت إلى مساحات مهترئة تعكس الإهمال وسوء الإدارة، وتضع القضاة والموظفين والمتقاضين في بيئة لا تليق بكرامتهم ولا بمفهوم العدالة في دولة القانون.

أول ما يلفت الانتباه عند الدخول إلى قصر العدل في بيروت هو غياب النظافة، وتراكم النفايات في زوايا الطوابق، وانبعاث روائح لا يمكن تحديد مصدرها، كلها مشاهد يومية باتت جزءاً من واقعٍ معتاد داخل هذا المرفق الذي يشهد أكبر حركة قضائية في لبنان. ورغم المناشدات المتكررة من القضاة والموظفين لتغيير هذا الوضع، تبقى الاستجابة موسمية ومرتبطة بمزاعم الموازنات الشحيحة، ما يكرّس واقعاً مهيناً لكل من يعمل في العدلية ومن يرتادها من المحامين والمتقاضين.

لا تقتصر المعاناة عند حدود النظافة، بل تمتد إلى الانقطاع المتكرر للمياه، الذي يعطّل المكاتب والمراحيض على حدّ سواء، ويجبر القضاة أحياناً على شراء المياه من جيوبهم لتنظيف أماكن العمل أو تسيير شؤون المتقاضين.

في قصر العدل، حيث تُحسم قضايا مصيرية تتعلق بحقوق الناس وحرياتهم، تبدو أبسط مقومات البنية التحتية مفقودة، وكأنّ الأمر تفصيل ثانوي.

أزمة انقطاع الكهرباء، معضلة قائمة بحدّ ذاتها. فالانقطاع المفاجئ والمتكرر للتيار، حتى خلال ساعات الذروة في العمل القضائي، يؤدي إلى تعطيل الجلسات وتأخيرها، وإطفاء أجهزة الكمبيوتر حيث تحفظ الملفات إلكترونياً. وفي بعض الأحيان، يتنقّل القضاة بين الغرف بحثاً عن مكتب قادر على استيعاب استمرار جلسة ما، وإن كان وضع الكهرباء تحسّن بنسبة قليلة في قصر عدل بيروت، فهذا المشهد أكثر ما يتكرر في قصر العدل في بعبدا حيث المعاناة لا تنتهي.

وإذا كان انقطاع الكهرباء يؤخر العمل، فإن تعطّل المصاعد الدائم يضيف عنصراً إضافياً من الفوضى، يهدد حياة المتواجدين بداخلها، ويؤخر إنقاذهم عند الأعطال المفاجئة لها. هذا الخطر يدفع القضاة والموظفين إلى الصعود إلى الطوابق العليا سيراً على الأقدام، إضافة إلى المسنين والمتقاضين من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يجدون أنفسهم عاجزين عن الوصول إلى قاعات الجلسات، ومراجعة ملفاتهم خصوصاً في النيابة العامة التمييزية ومحاكم التمييز ومجلس شورى الدولة، وهذا الأمر يختصر غياب أي رؤية رسمية لإدارة مرفق يفترض أن يستقبل آلاف الأشخاص يومياً.

الإهمال في قصور العدل لا يقتصر على البنى التحتية، بل يتسلّل إلى مكاتب القضاة وأقلام المحاكم وقضاة التحقيق، حيث تتكدس الملفات على مكاتب خشبية بعضها متآكل، وتغيب الأدوات الأساسية التي يحتاجها الموظفون لتسيير الأعمال اليومية. بعض المكاتب لا يدخلها الضوء الطبيعي، فيما تعاني أخرى من الرطوبة وتسرب المياه إليها، ما يهدد سلامة الملفات الورقية التي لا تزال جزءاً أساسياً من العمل القضائي.