لا تخدعوا أنفسكم

لا تخدعوا أنفسكم

الكاتب: اسعد بشارة | المصدر: نداء الوطن
21 تشرين الثاني 2025

هل نحن فعلًا بحاجة إلى كل هذا الخيال الشعبي الذي يصنع روايات مضحكة عن “الاختزال الكوميدي” لنقمة الأميركيين على الدولة؟ هل بلغت بنا السذاجة حدّ الظن أن واشنطن، بكل مؤسساتها وأقمارها وأجهزتها، تنتظر نميمة من هنا أو وشوشة من هناك كي تبني موقفها؟

كأن الولايات المتحدة بحاجة إلى من يدلّها على ما هي متأكدة من حصوله! كأن “لجنة الميكانيزم” يترأسها ضابط روسي، لا أميركي، وكأن الدولة الأكبر في العالم، التي تعرف ما يجري في غرف اجتماعاتنا قبل أن يعرفه بعض الوزراء أنفسهم، جاهلة بأسرار همساتنا ومداولاتنا ونيات القوى السياسية عندنا!

المسألة ليست هنا.

هذا الاختزال ليس بريئًا، ولا عابرًا، ولا فيه “هضامة سياسية”. هذا الاختزال يهرب من المواجهة. يهرب من الحقيقة. يهرب من لحظة مفصلية يفترض بأصحابها اتخاذ موقف واضح، لا أن يختبئوا خلف نظريات المؤامرة المحلية والفولكلور السياسي.

اتفاق وقف إطلاق النار واضح، اتفاق بري هوكستين، واضح إلى حدّ الإحراج. كل كلمة فيه مفهومة، مترجمة إلى العربية، ولا تحتاج إلى فقهاء في اللغة ولا إلى محللين دستوريين. وقرارات الحكومة في آب واضحة هي الأخرى، معلنة، متفق عليها، ومُلزِمة. إذًا أين المشكلة؟ في محاولات البعض التحايل على وضوح الوقائع، كأن البلد يحتمل المزيد من البهلوانيات السياسية.

إرفعوا الغطاء. نعم، إرفعوا غطاء الدولة كليًّا عمّن يصرّ على الذهاب إلى الانتحار، أيًا كان، وتحت أي ذريعة كانت. لا الجيش يحتمل، ولا المؤسسات تتحمل، ولا الناس قادرة على دفع ثمن مغامرات لا تفيد أحدًا إلا الخراب. الجيش يكفيه ما تحمله من أعباء هذا الغطاء، ومن أثمان تُدفع عنه وعن غيره.

حينها فقط، يمكن إعادة بناء شيء من المصداقية. حينها فقط، يفهم الداخل والخارج أن الدولة تريد دولة، وأن الحكومة تريد حكومة، وأن القرار قرار مؤسسات لا قرار مجموعات تبحث عن شرعية مفقودة في الخارج، فتختبئ خلف سردية لم تعد تقنع أحدًا.

لا تخدعوا أنفسكم.

المفترق واضح، والمسار واضح، والقرار يجب أن يكون واضحًا.

والتذاكي لم يعد ينقذ أحدًا.