اثنان وثمانون عامًّا أصبح عمرُ استقلالٍ شاخ ولم ينضجْ… وبزّة الجيش “وحدها” السيادة والطمأنينة

اثنان وثمانون عامًّا أصبح عمرُ استقلالٍ شاخ ولم ينضجْ… وبزّة الجيش “وحدها” السيادة والطمأنينة

الكاتب: نوال نصر | المصدر: هنا لبنان
22 تشرين الثاني 2025

اثنان وثمانون عامًا أصبح عمر استقلال لبنان. لكنّه، في مفهوم الدول، لم ينضجْ بعد. شاخ ولم ينضجْ. وفي كل عام، منذ 82 عامًا، نتمهل في الثاني والعشرين من تشرين الثاني لنسأل عن حاله: طيّب أم ميّت؟ مستقلّ أم خاضع؟ سيّد أم تابع؟ ونبتسم متمنّين له العمر الطويل. 24 ساعة نرفع فيها العلم عاليًا ونتباهى باستقلالٍ أوّلٍ ونعود لنرفع السؤال: ماذا بعد؟ ماذا بقي من الاستقلال الأول في 1943 والثاني في 2005 وهل سيُكتب لنا استقلال ثالث يكون هذه المرة ناجزًا؟ الاستقلال يوم. ماذا عن الأيام التالية التي نُكرّر فيها الكلام عن الاستقلال والصيغة والميثاق – كما الببغاء – قبل أن يُباغتَنا حديث آخر ننهمك بتفاصيله وننسى أمر الاستقلال والميثاق والصيغة؟ إنّه يوم الاستقلال. ماذا بعد؟

 

ستتردّد، في هذين اليومين، كثيرًا أسماء بشارة الخوري ورياض الصلح ومجيد أرسلان وصائب سلام وكميل شمعون وحبيب أبي شهلا وعادل عسيران وسليم تقلا وصبري حمادة وعبد الحميد كرامي. أسماء ستخرج من كتب التاريخ الجامدة لساعاتٍ. أكاليل الغار ستوزع على أضرحتهم. وسنتذكّر يوم رأى الشيخ ميشال بشارة الخوري تمثال والده فقال: هذا لا يُشبه والدي فردّ عليه ريمون إده: غدًا تعتاد عليه. سنضحك لتلك “الخبرية” غير مدركين أنّ الرهان على الاعتياد ما زال مستمرًّا. لكن، من يبالي. سيمرّ يوم الاستقلال مرور الكرام وكأنّه ما كان. ووحدها وشوشات الأحبّة وضحكاتهم في يوم عطلة رسمية، وصوت فيروز تغنّي “بحبك يا لبنان”، وتحذيرات أفيخاي أدرعي، وهدير طيارات المراقبة في سماء لبنان، وسياسة “راوِح مكانك” ستشغل، في الحقيقة، في اللبّ، اللبنانيين حتى في يوم ذكرى استقلالهم.

 

نسأل نبيل خليفة عن لبنان المستقلّ واللبنانيين “الحيارى” فيجيب: “آمنوا بالكيانية اللبنانية ولا تفرّطوا بالصيغة اللبنانية التعايشية”. نسأل أنطوان مسرة عن مفهوم الدولة المستقلّة فيجيب: “اللبناني لا يعرف ما هي الدولة. للدولة أربع مواصفات. لا دولة لدينا الآن ولا نملك مواصفات الدولة. لدينا جيشان لا جيش واحد. وهناك دبلوماسيتان واحدة عربية وثانية إيرانية. لدينا دولة رسمية وثانية رديفة متمثّلة بحزب الله. نحتاج إلى دولة واحدة تحتكر القوة المنظمة”. نحتار مع هذا النوع من الرجال التقليديين في الشكل – لكن الأنقياء مضمونًا، الذين، كلمّا دقّ الكوز في الجرة، يحدّثوننا عن ميثاق وصيغة وطوائف ويُنذرون مِنَ التخلي عنهم.

 

نقلب بين الأسماء. كثيرون ممّن نادوا بالاستقلال وعملوا من أجله اختفوا. مات رجال الاستقلال الأول جميعًا. وقتل عدد من رجال الاستقلال الثاني بينهم رفيق الحريري وأنطوان غانم وباسل فليحان ووليد عيدو وبيار الجميل وسمير قصير وجبران تويني. أسماء حُفِرَتْ في ضمير الشرفاء. أتت ثورة 2019. وحدث ما حدث. قُبِعَ نظام الأسد من بكرة أبيه في سوريا. وتغيرت معادلات إقليمية ودولية. وها نحن لا نزال ننتظر الخلاص من استعمار إيراني، ومن احتلال إسرائيلي عاد لبعض تلالنا، ومن سيادة تبقى منقوصة حتى إشعار آخر.

 

فلننسَ. فلنحاول أن نحيا استقلال 2025. اثنان وثمانون عامًا. عمر. كم أصبحت المسافة بعيدةً بين 1943 و2025. وكم تستمرّ اتجاهات الطوائف في لبنان نحو الغرب أو الفرس أو البحر السنّي. لن نغوص في التفاصيل لأنّنا في يوم العيد. وفي العيد نريد أن نفرح. سنحاول أن نفرح. بالله عليكم، هل تتذكّرون عرض الاستقلال المدني الذي جرى في ساحة الشهداء بعيد ثورة 2019؟ كم صفّقنا يومها إلى خمسين فَوْجًا مدنيًّا شاركت. أفواج من كل لبنان طالبوا بلبنان الدولة المستقلة. انتهى العرض أيضًا كما تنتهي العروض الرسمية. وعاد كل مشارك إلى هموم الحياة الكثيرة. ذكرى جعلتنا نبتسم.

 

ها نحن نستعدّ إلى يوم الاستقلال هذا والأخبار عن غارات تتوالى، تترافق مع تشكيك بقدرات المؤسسة العسكرية على تحقيق الاستقلال الناجز على مساحة كل لبنان. ثمّة من يتقصد التشكيك والهمس بأنّ الكلام عن سحب أي سلاح غير سلاح الجيش اللبناني نذير انقسام له. ثمّة همسات تُصبح – في هذا الزمان، “ترند” تتناقلها الجماعات على أنّها حقيقة. المُشككون يقولون ويكرّرون كما الببغاء: “المقاومة الإسلامية هي التي دحرت العدو”. يستمرّ هؤلاء بالقول “إنّ الجيش عاجز عن حماية اللبنانيين وبحاجة إلى حماية. وفي كل عيد استقلال يذكّروننا بأنهم – وحدهم – من حفظوا – ويحفظون – الاستقلال ويستعيدونه”.

 

في عيد الاستقلال هذا سنفتقر إلى الاستعراض العسكري الرسمي. مع العلم أنّ بزّة الجيش تجعلنا نطمئن ونحلم. والسؤال، هل مشكلتنا اليوم – في عدم تحقيق الاستقلال الكامل – سببه إصرار البعض على إبقاء الجيش اللبناني في منأى عن التطورات؟ مصدر عسكري يجيب: “اللبنانيون، بغالبيتهم، يحبون جيشهم ويطمئنون إلى وجوده. لكن مشكلتنا أنّ الجيوش الوطنية تكون عادة مُسَيَّسَة أما عندنا فيُبعدون الجيش – قدر المستطاع – عن السياسة، ظنًّا منهم أن!هم هكذا يحمونه من الانقسام. فالحرب اللبنانية أخذت أبعادًا خطيرة بعدما انقسم الجيش. واليوم هناك من يهددون بانقسام الجيش. وهناك أيضًا وأيضًا من يستعيرون في كلّ محطة عبارة: إنّ قوة لبنان في ضعفه”.

 

تمرّ السنون ويكبر عمر الاستقلال، لكنّنا نستمرّ “لا معلّقين ولا مطلّقين”. الجيش اللبناني من أعتى جيوش العالم لكنّه كان ممنوعًا من تحصين الأمن في الجنوب كي لا يطلّ من يطالب بنزع سلاح “حزب الله”، وسوريا كانت لها مصلحة أيضًا بذلك كي تُبقي شعلة مزارع شبعا موجودة للضغط على إسرائيل. طالما أرادت سوريا – التي احتلت لبنان فكريًا وسياسيًا وعسكريًا – وإيران التي لا تزال تحتله من خلال ما تبقى من أدواتها، الاحتفاظ بـ”المقاومة” بهدف التصويب على إسرائيل. ولبنان – المستقلّ – دفع الثمن.

 

اليوم نحن في استقلال لبنان 2025. وهناك من لا يزال ضائعًا بين أي لبنان نريد: لبنان القوي أم لبنان الضعيف؟ لبنان القوي لن يتحقّق إلّا بوجود بندقية واحدة لا اثنتين. والاستقلال لن يُنجزَ إلا إذا عاد جميع اللبنانيين إلى لبنانيّتهم. هناك، في عيد الاستقلال، من سيبتسم ويقول: عن أي مؤسسات دولة نتكلم؟ مؤسّسات تظاهرت أنّها تسحب السلاح من المخيمات، إلى أن حدث ما حدث وقُتل الشاب إيليو في مخيم شاتيلا؟ جوابًا، قبل عقود، في العام 1973 بالتحديد، يوم هاجم الجيش اللبناني مخيّمات صبرا وشاتيلا في بيروت، تدخّل الساسة. السياسة تفسد. وهي لا تزال حتى اليوم تفعل. ولبنان لن يرفع رايته عاليًا إلا يوم يُعطى الجيش اللبناني – وحده – أمر أمن وأمان لبنان.

 

الطلاب، الصغار، فرحوا بارتداء البزّة العسكرية في عيد الاستقلال. هم ينتظرون المناسبة “على نار” ليتباهوا بثياب العسكر المرقّطة. صوت موسيقى النشيد اللبناني وكلماته: “كلنا للوطن للعلا للعلم” صدحت في مدارس لبنان. نحن، الكبار، تسري فينا، تحت الجلد، قشعريرة جميلة كلما سمعنا أغنيات وطنية في العيد. المناسبة، يا عالم، ليست مجرد فولكلور ويوم عطلة واستعراض عسكري ووجوه ساسة بل مشاعر وطنية ننشدها. في 2025، مطلب لشعب لبنان الأبي المتمسك – حتى اللحظة – بالصمود والبقاء: أعطونا الاستقلال والأمان والبندقية الشرعية الواحدة وخذوا منا حقًّا ما يُدهش العالم.