أبعد من السلاح: الاستقلال وتحرير القرار أولًا

أبعد من السلاح: الاستقلال وتحرير القرار أولًا

الكاتب: نجم الهاشم | المصدر: نداء الوطن
22 تشرين الثاني 2025

قد يكون اعتقال ملك المخدرات الأكثر شهرة في لبنان، نوح زعيتر، إنجازًا كبيرًا وصاعقًا ولكنه ليس هو كل المطلوب. هذه خطوة من سلسلة خطوات يجب أن تُتابَع وتستمرّ وصولًا إلى الهدف الأخير وهو استعادة قرار السلطة بالكامل وتحريره من سيطرة “حزب الله” وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وتنفيذ قرارات حصرية السلاح. فنزع السلاح ليس كافيًا وحده إذا لم يقترن بانتزاع استقلال السلطة عن أي تأثير أو وصاية. خصوصًا أن هذا المسار محكوم بالتهديدات الإسرائيلية معطوفة على الرسائل الأميركية.

ليست عملية توقيف نوح زعيتر الأولى وليست الأخيرة بالطبع. السؤال ليس لماذا اعتُقل في 20 تشرين الثاني 2025، بل لماذا لم يُعتقل من قبل؟ صحيح أنه كان ملاحقًا باستمرار وهدفًا، ولكن منذ انهيار النظام السوري كان من الممكن أن يسقط نوح في قبضة العدالة بعدما فقد المكان الذي كان يمكن أن يشكّل ملجأ آمنًا له ولغيره من قادة مجموعات المهرّبين والفارين من وجه العدالة. قبله سقط كثيرون لعلّ أبرزهم أبو سلّة. وقبله حصلت مواجهات كثيرة بين القوى الأمنية ومديرية المخابرات وبين مطلوبين استُخدمت فيها الأسلحة وحصلت عمليات قتل وتفجير كان آخرها ما حصل في 19 تشرين الثاني مع استشهاد عسكريين خلال محاولة اعتقال أحد رؤوس عصابات المخدرات.

رجل واحد بمهمات كثيرة

لم تكن أعمال نوح زعيتر مقتصرة على المخدرات وحدها. كان الرجل قد وسع مجالات نشاطاته حتى بات من أشهر المطلوبين للعدالة والمطلوبين لبعض وسائل الإعلام. ارتبط اسمه بقضايا قتل وخطف واحتجاز رهائن بين لبنان وسوريا، كما ارتبط بـ “حزب الله” وبالقتال تحت رايته في سوريا، وبتقديم الخدمات المالية له بوصفه أحد العاملين لتأمين مصادر التمويل.

توقيف نوح زعيتر فتح هذه الملفات كلها. السؤال الأبرز الذي ارتبط بمسألة اعتقاله كان هل كانت العملية نظيفة أمنيًا؟ هذا السؤال مردّه إلى محاولة مقرّبين منه تصوير العملية وكأنه سلّم نفسه، بدليل أنه كان وحده عندما ألقي القبض عليه وأنه لم يقاوم، وأنه ينتظر تبييض صفحته وسجلّه القضائي بانتظار صدور قانون للعفو العام عن جرائم المخدرات.

توقيف زعيتر يأتي أيضًا من ضمن الحملات التي ينفذها الجيش ضدّ بارونات المخدرات وهي ليست جديدة فقد سبق له أن نفذ عمليات كثيرة وهدم منازل ومضافات، واشتبك مع مطلوبين، واستخدم الطائرات والمسيرات، من حي الشراونة في بعلبك، إلى سائر أنحاء البقاع، وصولًا إلى مخيّم شاتيلا في بيروت. ولكن اللافت في هذه المسألة أن حي الشراونة تحديدًا بات وكأنه أمبراطورية مخدرات، خارج عن سلطة الدولة وفيه مخازن لا يمكن اكتشافها كلّها، وهو ملجأ آمن للتجار والمهربين الذين بنوا شبكات أمنية واخترقوا أجهزة الدولة وكانوا على مدى أعوام أقدر على التخفي والهروب والاستمرار في العمل.

من السلاح إلى التهديد بالاجتياح

توقيف نوح زعيتر يأتي ضمن عدة أمور يتمّ ربطها به:

• نزع سلاح “حزب الله” والجدل الحاصل حول التزام السلطة والجيش بتنفيذ هذا القرار الذي صدر عن الحكومة في جلستي مجلس الوزراء في 5 و7 آب.

• تجفيف مصادره المالية، خصوصًا بعد زيارة وفد الخزانة الأميركية الذي ضمّ معظم المسؤولين عن ملفات مكافحة الإرهاب وتمويله وتبييض الأموال، ومعظمها مرتبط بنشاطات “حزب الله” خصوصًا مع الإعلان المتزامن مع هذه الزيارة عن وصول نحو مليار دولار من إيران إلى “الحزب” خلال عام واحد.

• إلغاء مواعيد قائد الجيش العماد رودولف هيكل مع مسؤولين في الإدارة الأميركية وإلغاء احتفال استقبال له كان مقررًا في السفارة اللبنانية في واشنطن، قبل أن يعلن هو عن إلغاء زيارته. وقد تم ربط القرار الأميركي باعتراض واشنطن على تلكؤ السلطة في تنفيذ قرار نزع سلاح “الحزب” بعدما كان السفير توم براك حذر من عدم قيام السلطة بهذا الواجب طالبًا أفعالًا لا أقوالًا.

• تصاعد التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان وازدياد وتيرة عمليات القصف والاغتيالات. فقد قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إن “التهديد الذي يشكله “حزب الله” اليوم مختلف تمامًا عمّا كان عليه قبل 7 تشرين الأول 2023 فقد تغيّر كل شيء. إيران قد تحاول إعادة بناء محور التهديد وسنعمل على منع ذلك في لبنان وغيره. سياستنا الآن هجومية ومبادرة ولن نسمح لأي تهديدات بأن تنمو أو تتطور. الضغط العسكري المتواصل على حماس هو ما أدى إلى تحرير نحو 200 مختطف. الاتفاق الأخير مكننا من إعادة جميع المختطفين تقريبًا ولا يزال هناك 3 قتلى نعمل على إعادتهم”. يضاف إلى ذلك بث موجة من التهديدات المرتبطة بهذا الأمر وفيها أن إسرائيل تنتقل من هجمات نسبية محدودة إلى موجات من الهجمات في لبنان وصولًا إلى نزع سلاح “حزب الله”، بعد جولة قتال تستمر لعدة أيام.

خطورة تخطّي الخطّ الأحمر

هذه المخاوف مرتبطة ايضًا بالتزامن مع اقتراب انتهاء المهلة التي حدّدتها واشنطن لنزع سلاح “حزب الله”. أو بتلك التي أعطتها الحكومة أيضًا والمحدّدة بشكل أساسي في آخر العام الحالي. ولكن يبدو أن التحذيرات الأميركية معطوفة على التهديدات الإسرائيلية تكشف وكأن “الحزب” تخطّى الخط الأحمر وأن الحكومة لم تبادر إلى تنفيذ ما تعهدت به وأن المرجح أن تقوم إسرائيل بضربة جديدة تقضي على ما بقي لدى “الحزب” من قدرات عسكرية من دون تحديد حدود هذه الضربة وما إذا كانت ستعتمد الضربات الجوية مع توغلات برّية وعمليات محدودة، أم ستتحوّل إلى اجتياح آخر، بحيث تتجاوز إسرائيل حدود المناطق التي دخلتها في حرب ما بعد اغتيال الأمين العام لـ “الحزب” السيد حسن نصرالله العام الماضي، وبدل المنطقة الأمنية التي تطالب بأن تكون منزوعة السلاح جنوب الليطاني، تتحوّل إلى المطالبة بمنطقة منزوعة السلاح حتى نهر الأوّلي، ومن ضمنها منطقة البقاع حتى طريق الشام والمصنع، بحيث تتكامل هذه المنطقة مع الأهداف الإسرائيلية في سوريا والتي أكّد عليها نتنياهو في جولته داخل الأراضي السورية التي تمت السيطرة عليها بعد انهيار نظام الأسد. وقد اعتبر نتنياهو أن كلّ شيء قد تغيّر منذ بداية الحرب مع غزة، وأن التهديد الذي يشكّله “حزب الله” بات أكثر تعقيدًا وخطورة، وبالتالي من الواجب إزالته.

هل تنجح الحكومة حيث فشلت واشنطن؟

المطلوب من الحكم والحكومة كثير. لا شكّ في أن من الممكن أن تقوم السلطة بأكثر مما قامت به على صعيد القرار السياسي والعسكري والأمني. ولكنها في الواقع لا يمكن أن تنفذ كل المطلوب الذي يفوق قدراتها المتوافرة لها خصوصًا على الصعيد العسكري، كما على صعيد مكافحة تبييض الأموال وتجفيف مصادر تمويل “حزب الله”. ذلك أنّ هذه المهمة ليست داخلية فقط. فالسلطة والجيش والأجهزة الأخرى لا يمكن أن تتخطّى الحدود اللبنانية. والتجارب الأميركية مع تمويل “حزب الله” كثيرة وتمتدّ من أوروبا إلى أميركا الجنوبية ومثلث الحدود بين الباراغواي والأرجنتين والبرازيل. ومن الواضح أن وزارة الخزانة الأميركية تنشط في مكافحة تمويل “الحزب” على الصعيد الدولي، وأصدرت أكثر من عقوبة على أكثر من مؤسسة وشركة وشخصية، ورصدت جوائز، وفرضت قيودًا وألقت القبض في داخل الولايات المتحدة على مموِّلين ومتعامِلين مع “الحزب” لا يزالون في السجون الأميركية، وخطفت بعضهم وفرضت على دول أخرى تسليم بعضهم إليها وحاكمتهم وأطلقت بعضهم بعد قضاء محكومياتهم.

قد يكون من غير المطلوب من الحكومة أن تكافح تمويل “الحزب” وتسليحه من خارج لبنان. ولكن من دون شك المطلوب أن تسير الحكومة في طريق تنفيذ القرارات التي اتخذتها ولو كانت تحتاج إلى مزيد من الوقت، وأن تكون سيِّدة قرارها لا أن تظلّ تنتظر ما تعتبر أنه مراعاة لظروف “حزب الله”، وتلافي الصدام معه، بينما تعتبره واشنطن وإسرائيل عجزًا وخوفًا من “الحزب” وتردّدًا لا مبرّر له. يمكن أن يعلن “الحزب” تسليم سلاحه للدولة والجيش ولكن الأهم أن تستعيد الحكومة سلطة القرار.