خاص – لبنان والمفاوضات من طرف واحد!

خاص – لبنان والمفاوضات من طرف واحد!

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut24
22 تشرين الثاني 2025

ربّما هي المرّة الأولى في تاريخ الصراع اللبناني الإسرائيلي، تكون بيروت هي المبادِرة إلى عرض التفاوض، بينما تلّ أبيب تبدو غير مهتمّة. وتظهر الدولة اللبنانية كأنّها “تستجدي” المفاوضات من طرف واحد. أمّا السبب الذي أوصل إلى هذا الوضع، فهو أنّ إسرائيل فرضت عمليّاً “اتفاق استسلام” في 27 تشرين الثاني 2024، وتريد تطبيقه، لا اكثر ولا أقلّ. وهذا الاتّفاق ينصّ، مهما حاول “حزب الله” تفسيره على طريقته، على سحب السلاح من كلّ لبنان، وليس فقط من جنوب الليطاني.

وتطرح إسرائيل على نفسها السؤال: لماذا أتفاوض مع لبنان وعلى ماذا؟

فهي الطرف القويّ، الذي دمّر الجزء الأكبر من بنية “الحزب” وسلاحه، وهي تسيطر على الأجواء والمعلومات الاستخبارية والتكنولوجيا، ويمكنها في أيّ وقت توجيه ضربات واسعة من جديد، بهدف منع “الحزب” من تجديد ترسانته. وعندما ينعقد التفاوض بين دولتين أو طرفين، يكون هناك حدّ أدنى من التوازن بينهما، بحيث يتمّ الحصول على مكاسب في مقابل تنازلات معيّنة. ولكن هذه القاعدة لا تنطبق على الوضع الحالي بين لبنان وإسرائيل. فـ “الحزب” فقد قوّة الردع، وأصبح بعيداً عن الحدود إلى حدّ كبير. لذا، فإنّ بيع إسرائيل “الأمان” في مقابل وقف الضربات والانسحاب لم يعد “تجارة مربحة”.

أمّا الحديث عن سعي “الحزب” إلى تجديد ترسانته وبناء قوّته من جديد، فمصدره تلّ  أبيب. لذا لا يمكن التأكّد من مدى صحّته. وربّما يكون الهدف منه تبرير أيّ ضربة كبيرة محتملة لاحقاً على لبنان.

ويرى محلّلون أن هناك هدفاً آخر وراء عدم اهتمام إسرائيل بالمفاوضات مع لبنان. فهي لا تريد أن يكون التفاوض باباً لدفعها إلى الانسحاب من المناطق التي احتلّتها في الجنوب قبل أكثر من عام، لأنّها تعمل لإنشاء شريط أمني عازل، يمتدّ على الأقلّ حتّى نهر الليطاني، وليست مستعدّة للتخلّي عن هذا الهدف، الذي يحفظ أمنها من جهة، ويلبّي رغبات توسّعية ذات جذور دينية من جهة أخرى.

وهذا الوضع ينطبق أيضاً على جنوب سوريا، الذي دخلته القوّات الإسرائيلية إثر سقوط النظام السابق. وهي ترفض الخروج من هذه المناطق، حتّى لو تمّ الاتّفاق على ترتيبات أمنية مع سوريا. لذا، فإنّ المفاوضات بين الجانبين قد تعثّرت بسبب هذه النقطة تحديداً. وتقول إسرائيل إنّها لن تنسحب من المناطق الاستراتيجية الجديدة التي دخلتها إلّا في مقابل اتّفاق سلام كامل مع سوريا.

وفي ضوء عدم تكافؤ الفرص، بدا أنّ لبنان أصبح يريد المفاوضات بقوّة، ويجد أن لا سبيل سواها لإخراج إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلّة وتجنيب لبنان المزيد من الحروب. لذا طلب رئيس الحكومة نوّاف سلام تدخّل الولايات المتّحدة لتعبيد الطريق أمام عملية التفاوض مع إسرائيل.

ولكن، ربّما تعرف الدولة اللبنانية، أو لا تعرف، أنّ الثمن المطلوب أن تدفعه في هذه المفاوضات سيكون كبيراً جدّاً. فلا كلام قبل الانتهاء من سحب السلاح فعليّاً وكلّياً. فهل هي قادرة على ذلك، بعدما أصبح فشلها الذريع في هذه المهمّة واضحاً وفاقعاً؟فالدولة، على لسان رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة حتّى، استبدلت تعبير “حصرية السلاح” بتعبير جديد مبهم، هو “احتواء السلاح”. وهذا يعني عمليّاً إبقاء السلاح في مكانه مع إخضاعه للرقابة أو الحراسة أو شيء من هذا القبيل. وهذا الأمر مرفوض تماماً لدى إسرائيل، أو ربّما يكون حجّة جديدة تبرّر لها عدم الانسحاب من الجنوب.

ومع الضغط الأميركي الذي بلغ أوجه مع إلغاء زيارة قائد الجيش العماد رودولف هيكل لواشنطن، فإنّ دعوة سلام الأميركيين إلى التدخل لتسهيل التفاوض، ستجلب معها، إن حصلت، شروطاً متشدّدة، منها سحب السلاح بالكامل، القبول بمنطقة عازلة حتّى الليطاني، تبقى تحت الإشراف الإسرائيلي أو ربّما تدخلها قوّات دولية. وقد تطالب إسرائيل أيضاً بإجراءات أمنية معيّنة حتّى حدود نهر الأوّلي. وفي آخر المطاف، ستطالب باتّفاق سلام وتطبيع.

في كلّ الأحوال، لم يعد حتّى خيار التفاوض يشكّل مخرجاً للمأزق الذي وقع فيه لبنان، بعد “حرب الإسناد”، التي أدّت عملياً إلى إعادة احتلال الجنوب وتهجير السكّان وتدمير القرى، من دون تحقيق أي مكسب في المقابل. فالنتيجة ستكون نفسها: تكريس الاحتلال والسيطرة والخضوع للشروط الإسرائيلية، سواء تحقّق ذلك بالتفاوض، أو بالضربة العسكرية، لأن زمن تغيير المعادلات قد ولّى.