
لقاءات متري مع الشرع تناولت ملفات حساسة وتجنّبت «مزارع شبعا»
خرجت زيارة نائب رئيس الحكومة اللبنانية طارق متري إلى دمشق، ولقاءاته التي عقدها مع الرئيس السوري أحمد الشرع وعدد من الوزراء، بنتائج مهمّة تُفضي إلى انتقال العلاقات بين البلدين من مرحلة التوتّر والحذر، إلى مسار أكثر انفتاحاً وتفاهماً. ورسّخت الزيارة اعتماد بيروت ودمشق مقاربة جديدة تقوم على طيّ صفحة الماضي الأليم، ووضع أسس جديدة لشراكة ثابتة وقوية في ظلّ ظروف إقليمية مضطربة وتحديات كبيرة تواجه البلدين، وفق ما قالت مصادر مواكِبة للزيارة.
ويُنتظر أن تتبلور صورة التقارب اللبناني السوري في وقت قريب، حيث عبّر متري عن ارتياحه الشديد لنتائج زيارته لدمشق، وشدد على أنّ التعاون الفعلي بين البلدين «بدأ قبل نحو أربعة أشهر، وأن اللقاءات في دمشق جاءت لاستكمال ما تحقَّق خلال هذه الأشهر، وتعزيز مسار مبنيّ على الوضوح والشفافية والاحترام المتبادل». وأكد متري، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، أنّ الرئيس الشرع «كان واضحاً في حرصه على عدم فتح دفاتر الماضي الأليم بين البلدين، والنظر إلى المستقبل بوصفه الطريق الوحيد نحو الاستقرار»، وهي رسالة عَدّها متري بمثابة «إعلان إرادة سياسية صريحة لإنهاء سنوات من سوء الفهم والتوتر».
تعاون استراتيجي
وقدّم الشرع رؤية بعيدة المدى لتطوير العلاقات الثنائية. وأوضح نائب رئيس الحكومة اللبناني أن الرئيس السوري «طرح عناوين تتجاوز الحلول الآنية والملفات التقنية، لتصل إلى بناء تعاون استراتيجي في مجالات الطاقة والمياه والأمن، إضافة إلى السعي لاستثمار العلاقات الدولية التي يمتلكها كل بلد بشكل يكمّل مصالح الآخر».
وذكّر الشرع، وفق ما نقل عنه طارق متري، بمواقفه التي عبّر عنها في لقاءاته الخارجية، بما فيها تلك التي أجراها في واشنطن، حيث شدّد على «أهمية ترسيخ العلاقات اللبنانية السورية، وتعزيز الثقة بينهما، كما استعاد خطابه قبل شهرين الذي دعا فيه إلى الترفّع عن جراح الماضي»، مؤكداً أن سوريا اليوم «مقتنعة بأن لبنان يمتلك طاقات بشرية واقتصادية يمكن أن تلعب دوراً مهماً في مرحلة إعادة إعمار سوريا».
لقاءات سياسية وإدارية
وتوزعت مهمة متري في دمشق على محورين رئيسيين؛ الأول سياسي بامتياز، تمثَّل في اللقاء المطوَّل مع الرئيس الشرع، والثاني تقني إداري وأمني استدعى عقد اجتماعات مع وزراء الخارجية والعدل والمالية والاتصالات والشؤون الاجتماعية.
وقال متري إن محادثاته مع الوزراء السوريين «بحثت في العمق ملفات حساسة، أبرزها ضبط الحدود المشتركة، وترسيم الحدود البرية والبحرية، خصوصاً في ظل توفر خرائط وتقارير تُسهّل هذه العملية».
وأكد متري أن الطرفين «اتفقا على مقاربة عملية لهذه الملفات تقوم على التعاون المباشر والابتعاد عن أي توظيف سياسي قد يعطّل التفاهمات».
أما ملف مزارع شبعا فبقي خارج البحث المفصل. وألمح نائب رئيس الحكومة اللبنانية إلى أن الجانبين عدَّا «ملف مزارع شبعا قضية شديدة الحساسية، ولا سيما أنها لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي، مما يجعل الخوض فيها في هذا التوقيت خطوة غير مُجدية سياسياً أو عملياً».
ملفات الموقوفين
في موازاة ملفات الحدود، استحوذ ملف الموقوفين السوريين في لبنان والمفقودين اللبنانيين في سوريا على جانب كبير من المحادثات. وكشف متري أنه بحث هذا الملف المعقّد مع وزير العدل السوري، وأن هناك «تفهماً سورياً للإجراءات القانونية المتبَعة في لبنان، مع توافق على ضرورة مواصلة العمل المشترك لإيجاد حلول عادلة لهذه القضايا، كما جرى التركيز على إبرام اتفاقية قضائية بين البلدين تُنظم عملية تسليم الموقوفين والمحكومين السوريين في السجون اللبنانية».
ولا يخفي طارق متري أن العلاقات اللبنانية السورية «تقف اليوم على عتبة مرحلة مختلفة تماماً عن السنوات السابقة، مرحلة تقوم على إدراك متبادل بأن الاستقرار في لبنان لا ينفصل عن الاستقرار في سوريا، وأن التعاون بين البلدين لم يعد خياراً يمكن تأجيله»، لافتاً إلى أن «التحديات الأمنية والاقتصادية وأعباء النزوح والأزمات المتراكمة تجعل التنسيق أكثر ضرورة من أي وقت مضى».
