هل من أوجه شبه بين ما يجري في لبنان وسوريا؟

هل من أوجه شبه بين ما يجري في لبنان وسوريا؟

الكاتب: جورج شاهين | المصدر: الجمهورية
22 تشرين الثاني 2025

ان سعى البعض سرا للاحتفاظ بسلاح “حزب الله” كما احتفظت به “قسد” ان يراجع شكل السلاحين ومصدرهما ودورهما قبل طرح المعادلة علنا…وإن انتقل البحث الى قطاع آخر فإن مظاهر الدمار في سوريا أكبر ولم تتأخر المبادرات لإعادة الإعمار.

تخشى مراجع سياسية وديبلوماسية من ان يصدق البعض ان هناك أكثر من وجه شبه بين ما جرى ويجري في لبنان وسوريا. وعلى انهما من نتاج ازمة واحدة في جوهرها وشكلها وتطورها فيما الفوارق كبيرة وشاسعة. ذلك ان المخارج المقترحة لكل منهم قد تكون مختلفة وبعيدة كل البعد عن بعضها. وهو أمر يقود الى استحالة البحث عن حلول متشابهة في الدولتين. وخصوصا إن اعتقد احدهم ان بإمكانه الاحتفاظ بسلاح “حزب الله” في موازاة احتفاظ “قسد” بأسلحتها في سوريا. وهذه بعض المؤشرات والدلائل.

تعتقد مراجع سياسية وديبلوماسية أنه من الخطأ إجراء أي مقارنة بين ما يجري في لبنان وسوريا، وهو ما يشكل دافعا الى ضرورة النظر الى المخارج المقترحة لكل منهما في اتجاه مختلف عن الآخر. ذلك ان وجه الشبه الوحيد الذي كانت تقاس به حالتي البلدين قد اندثر وتبخر منذ ان جمد النظام السوري العمل بمنطق “وحدة الساحات” التي رعتها إيران. وقد تعبت القيادة الايرانية في التأسيس له خطوة في أعقاب خطوة على مدى سنوات عدة. وقد بذلت الغالي والرخيص من اجل الاحتفاظ بتماسك مكوناته التي جمعتها من دول عربية وخليجية متكئة على قوى بشرية لا يستهان بها وبقدراتها القتالية والشعبية. وقد وفرت لها غطاء كبيرا تمكنت عبرها طهران من التخفي خلفها، وتصوير ما جرى في بلدانها على أنها من القضايا الداخلية التي لا علاقة مباشرة لإيران بها وهو ما خفف من حالات الحرج التي كان يمكن ان تنشأ لو اضطرت الى رعايتها مباشرة.

لا تخفي هذه المراجع مضمون مسلسل التقارير المطروحة على المعنيين في نطاق ما زال ضيقا حتى اليوم. بما حوته من قلق نتيجة بعض الأفكار المتداولة في الكواليس السياسية والديبلوماسية عن مطالبة البعض، ولا سيما ممن لا يزالون يعتقدون ان هناك املا بالحفاظ على الحد الادنى من قوة “محور الممانعة” في لبنان والمنطقة على الرغم من المتغيرات الكبرى التي قادت إليها مسلسل النكسات التي أصابته. وهو أمر لم يعد هناك ما يترجمه ما لم يتمكن “حزب الله” من الاحتفاظ بما تبقى من أسلحته، ليبقى رمزا لذلك المحور الذي افتقد قوته بعد انحسار الدور الإيراني في معظم العواصم العربية الخمسة التي كان يعتقد ان الحرس الثوري الإيراني يديرها مباشرة من طهران.
ويعترف ديبلوماسي وسياسي عتيق ان طهران نجحت الى حد بعيد بالاستفادة من كل ما بنته طيلة العقود الأخيرة من مصادر القوة الخفية، بان تمارس ضغوطا كبيرة على أكثر من دولة إقليمية، ولعل أكبرها كانت تلك التي أحرجت السعودية وجارتها البحرين من خلال ما بنته من تحالفات عميقة وقوية في خاصرتها الرخوة مع الحوثيين في اليمن. كما مارست ضغوطا على اسرائيل من خلال القدرات التي تكونت لدى “حزب الله”. واصيبت الولايات المتحدة الأميركية في دورها ومصالحها بشكل من الأشكال من خلال ما تعرض له حلفاءها الخليجيين وفي شرق المتوسط.

ويستطرد الديبلوماسي والسياسي عينه ليقول ان هذا الستاتيكو لم يدم طويلا لمجرد ما شكلته عملية “طوفان الأقصى” من صدمة تسببت بانقلاب كبير في مختلف الاستراتيجيات العسكرية ولا سيما على المستويين الأميركي والإسرائيلي وحلفائهما في المنطقة. وانخرط حزب الله وحيدا في المواجهة من باب “الإلهاء والإسناد” على خلفيات عقائدية وجهادية عدا عن اعتقاده مخطئا انه ليس بقدرة الدولة اليهودية ان تخوض الحرب على اكثر من جبهة ولا سيما منها لبنان محتسبا القدرات الاسرائيلية بما كانت عليه في العام 2006 متجاهلا عن سوء تقدير ما بلغته قدراتها وما نسجته من خروقات استخبارية في جسم الثورة الإيرانية في قلب طهران كما في مكونات الحزب في لبنان ونظرائه في المنطقة.

وبناء على ما تقدم لا يمكن ان يتوقع أي مرجع عليم ان تكون المخارج المقترحة على لبنان شبيهة بتلك التي انخرطت فيها سوريا. ففي لبنان سلاح لم تعد له أي شرعية بعدما نزعتها الحكومة عنه ولا يقاس بسلاح “قسد” الأميركي في تكوينه والذي سيكمل بوجوده سلاح الجيش السوري الجديد ولا وجه مقارنة مع ما تبقى من سلاح غير شرعي في لبنان. والى هذه المعضلة التي لا تستحق أي مقارنة يبقى الاعتراف ضروريا ان في سوريا قرار واحد ممسوك من طرف رسمي واحد وجعلت الازمة السورية وما يجري التحضير لها من مخارج أسرع مما يتصوره أحد، فرصدت الاستثمارات بعشرات المليارات لإعادة بناء الادارة وماليتها ومنشآتها البحرية والبرية والجوية وبناها التحتية من طاقة وطرق فيما لم يتقرر لبنان بعد سوى فتات من القروض والهبات المحدودة من حكومات ومؤسسات مالية كبرى طالما ان الطريق الى الاصلاحات المطلوبة منذ سنوات ما زالت مقطوعة وتعاني من عقبات كبرى تعززها المناكفات السياسية والانقسامات العميقة.

وقياسا على ما تقدم لا تخفي المراجع عينها ما شكله انهيار محور الممانعة من ظروف وقائع جديدة فتوالت النكسات التي قلبت الصورة راسا على عقب، وهي صورة رفعت من نسبة القلق من اعتقاد البعض في لبنان ان بإمكانه ان يستفيد مما يجري في سوريا من إعفاءات نالها الرئيس السوري احمد الشرع الذي انتقل في فترة قياسية من موقع المطلوب لقاء هبة مالية بملايين الدولارات بعدما فرشت له السجادة “الموف” في الرياض وسعى ولي عهدها الى ترتيب لقائه الأول مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي رحب به لاحقا كضيف عزيز ومميز في واشنطن التي فتحت له أبواب البيت الأبيض.

وختاما تبدو للمراجع المراقبة والحريصة على الوضع في لبنان وتسعى الى الإسراع في التوصل الى ما ينهي مرحلة وقف العمليات العدائية توصلا الى وقف ثابت لإطلاق النار وهي طريق يجب ان يعبرها اللبنانيون بطرق معاكسة لكل ما اتخذ حتى اليوم من قرارات ولا حاجة لتكرارها مرة اخرى