
“الاتصالات” تلتف على قرار الحكومة.. ستارلينك حصرية مقنّعة؟
لم يذلل القرار رقم 29 الذي صدر عن الحكومة في جلستها الأخيرة التي انعقدت الأسبوع الحالي، الشبهات المحيطة بملف الترخيص لستارلينك، في محاولة لتفعيل رخصتها بتقديم خدمة الانترنت السريع عبر الأقمار الصناعية على الأراضي اللبنانية، بأي ثمن. غير أن ما كشف هذه المرة، أن الثمن قد يكون في “استغفال” مجلس الوزراء، من خلال تخطي مبدأ “اللاحصرية” التي أصرّت عليه الحكومة عندما رخصت لستارلينك في جلستها التي انعقدت في 11 أيلول الماضي.
ضمّنت الحكومة قرارها السابق بندًا أولًا يطلب من الوزارة الاطلاع على نتائج المساعي والمفاوضات التي تجريها مع شركات تقدم خدمات عالية السرعة وموثوق فيها على جميع الأراضي اللبنانية، لا سيما مع شركتي Eutelsat و Arabsat، على أن ترفع تقريرًا بما توصلت اليه مع هذه الشركات إلى مجلس الوزراء، في مهلة اقصاها شهرين من تاريخ صدور القرار. علمًا أن وزارة الاتصالات هي التي لفتت الى عروض مماثلة تلقتها من الشركتين من خلال الطلب الذي تقدمت به للترخيص لشركة ستارلينك.
انحراف الوزارة
ما تبين في قرار مجلس الوزراء الذي صدر يوم الخميس بالمقابل، أن الحكومة أخذت علمًا بنتائج هذه المساعي والمفاوضات. إلا أن التدقيق في مضمون ما عرض على الجلسة، يبين أن وزارة الاتصالات انحرفت بشكل واضح عن مضمون قرار الحكومة السابق.
إذ أفاد وزير الاتصالات وفقًا لما ورد في القرار رقم 29، عن اجتماعات عقدت بين ممثلين عن وزارة الإتصالات والهيئة الناظمة للاتصالات وهيئة أوجيرو من جهة، وممثلين عن شركة Eutelsat من جهة أخرى. وانتهت هذه المفاوضات الى “توافق على توقيع مذكرة تفاهم بين الدولة اللبنانية ممثلة بوزارة الإتصالات وشركة Eutelsat، غايتها تأمين خطوط اتصال للمشتركين الراغبين، بين مراكز عملهم الواقعة على الأراضي اللبنانية وخارجها، وذلك عبر شبكة الشركة على الأقمار الصناعية، بحيث يتم نقل الداتا عبر أجهزة VSAT، شرط الإستحصال مُسبقاً على الموافقات الأمنية والتراخيص الإدارية اللازمة بهذا الخصوص، وفقًا لما تفرضه الأحكام القانونية والتنظيمية المرعية الإجراء، بحيث تكون وزارة الاتصالات هي الجهة المولجة بتلقي طلبات الجهات الراغبة في الاستفادة من هذه الخدمة والتنسيق مع شركة Eutelsat واتخاذ الإجراءات اللازمة، وصولاً الى صدور التراخيص المتوجبة لتوقيع عقود الإشتراك بالخدمة موضوع هذا الكتاب.”
إلتفاف على القرارات
يستنتج خبير اتصالات، فضل عدم ذكر اسمه، من مضمون ما قدمته الوزارة الى الحكومة، أنها لم تعرض نتائج أي مفاوضات بشأن خدمة الإنترنت السريع للمشتركين، كما أنها لم توضح العروض التي قالت سابقًا إنها تلقتها من الشركتين. وبدلًا من التقرير المطلوب، عرضت على مجلس الوزراء ملفًا مختلفًا كليًا، يتناول المفاوضات التي جرت مع Eutelsatحول خدمة ربط الاتصالات point-to-point بين مركزين محددين. علمًا أن هذه الخدمة موجودة في لبنان منذ تسعينيات القرن الماضي، وفقًا للخبير، وقد تم اللجوء إليها خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان. وهي خدمة تعتمد على تقنية VSAT التي تُستخدم فقط لنقل معلومات الـ data بين نقطتين، وليس لتقديم خدمة إنترنت سريع للمشتركين على نطاق وطني. وبالتالي لا علاقة لها إطلاقًا بالخدمة التي طلب مجلس الوزراء تقييمها، وهي الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية.
بناء على ما تقدم، يمكن الاستنتاج بأن البند رقم 29 الذي ناقشته الحكومة في جلستها الأخيرة، شكل مضيعة لوقتها الذي حشر بجدول أعمال شمل 39 بندًا آخر. إلا أن الأخطر في عملية الالتفاف التي ظهرت، هي في كونها تشكل محاولة لتثبيت حصرية “ستارلينك” في تقديم خدمة الانترنت عبر الأقمار الصناعية، خلافًا لروح قرار الحكومة الذي اشترط في الترخيص لـ”ستارلينك” بأن تستكمل وزارة الاتصالات المفاوضات مع شركات أخرى أيضًا.
حصرية ستارلينك
مبدئيًا تصر وزارة الاتصالات على أن لا حصرية لستارلينك في تقديم خدمة الانترنت السريع والموثوق عبر الأقمار الصناعية. إلا أن تطبيق هذه اللاحصرية وفقًا لخبير الاتصالات لا تتكرس في التصريحات الإعلامية، ولا بكلام خال من المعايير الواضحة. بل يجب ترجمتها في نصوص قانونية، أو قرار صادر عن الهيئة الناظمة، أو حتى الوزارة والحكومة، يحدد الأطر التنظيمية بالنسبة لمنح التراخيص، وشروط معلنة للحصول على الترخيص، ومعايير قابلة للتطبيق بمساواة، وخطوات تنفيذية موحدة، بحيث تتمكن كل شركة تستوفي الشروط والمقومات من أن تحصل على الترخيص.
بغياب هذه الخطوات، يرى الخبير في ما تتمسك به وزارة الاتصالات تكريسًا لمبدأ حصرية ستارلينك في السوق. ويشبه ذلك بمن يضع لافتة على الباب كتب عليها مسموح الدخول للجميع، بينما الباب مغلق والمفتاح في يد طرف واحد.
“أخذ العلم” لا موافقة
اكتفت الحكومة في المقابل بأخذ العلم من كل ما ورد. فهي لم تُقرّ أو ترفض ما عرض عليها، ولم تُحاسب الوزارة على تقديم تقرير غير مطابق لمضمون التكليف، ولم تصدر قرارًا صريحًا يُلزم وزارة الاتصالات بإعادة التفاوض وفق الشروط التي كانت قد وضعتها بنفسها. بل “اشترت مشكلًا” عبر ترك الملف معلّقًا على قراءة الوزارة وحدها، بدلًا من حسم الموقف بقرار واضح أو بإعادة التقرير إليها لعدم مطابقته مضمون التكليف.
وبذلك، تكون الحكومة، عن قصد أو غيره، قد عرّضت نفسها لشبهة تبني تقرير لا علاقة له بطلبها الأصلي، مع ما يرافق ذلك من مسؤولية سياسية في حال تبيّن لاحقًا أن ما عُرض أمامها لم يكن يعكس حقيقة المفاوضات، ولا طبيعة الخدمات التي كان يفترض بحثها. فـ”أخذ العلم” هنا لا يعني الموافقة، لكنه أيضًا لا يُلزم الوزارة بتصويب المسار أو باستكمال المفاوضات وفق السقف الذي وضعه قرار أيلول الماضي. وبهذا الغموض، تصبح الحكومة شريكة، ولو شكليًا، في إنتاج واقع الحصرية، لأن عدم اعتراضها أو تصحيحها لما قُدّم إليها، يُفسَّر تلقائيًا كأنه قبول ضمني بالمسار الذي سلكته الوزارة، حتى لو كان هذا المسار يخالف روح قرارها السابق.
