معضلة جوزاف عون: كيف تنقذ مَن صَمّم على الانتحار؟

معضلة جوزاف عون: كيف تنقذ مَن صَمّم على الانتحار؟

الكاتب: ايلي الحاج | المصدر: المدن
24 تشرين الثاني 2025

اهتزت بعنف قواعد الاشتباك التي حكمت الصراع بين إسرائيل و”حزب الله” مع اغتيال رئيس أركانه هيثم الطبطبائي. وهكذا، بعد نحو سنة على إعلان وقف النار، يدخل لبنان كله مرحلة جديدة من مواجهة مفتوحة، قد تكون لها تداعيات كارثية على مستقبل الحزب.
​فهذا الاغتيال في قلب الضاحية الجنوبية، يعني أن إسرائيل قررت الارتقاء في عمليات التصفية إلى مراتب أعلى في قيادة التنظيم، وأنه أمام بداية أليمة لسلسلة ضربات متوقعة في ضوء التصريحات المتلاحقة للمسؤولين الإسرائيليين.

العمى الأمني وفخ الاختراق

​تطرح السرعة والدقة في الاغتيالات أسئلة خطيرة عن فاعلية التدابير الأمنية داخل الحزب، الذي يبدو أنه لا يزال في حالة عماء. إذ لم يتمكن من تحديد الطرق التي تُمكِّن الجيش الإسرائيلي من الاهتداء إلى قياداته وعناصره، حتى لو كانوا مموَّهين ويتنقلون في سيارات مقفلة أو على دراجات، وكذلك اكتشاف مخازن أسلحته وذخائره. ولا يُستبعد أن يكون اغتيال الطبطبائي “فخاً” يهدف إلى اختبار ردود الفعل وتشغيل اختراقات أكبر، في غياب “سلاح إشارة” يُعتدّ به ويُعتبر أساساً لخوض أي حرب أو معركة عسكرية.
​ولا تقتصر الضربة على قيادة الحزب فحسب؛ فباعتبار أن هيثم علي الطبطبائي هو إيراني الجنسية أساساً، يتحوَّل ما حدث إلى هجوم ليس على “حزب الله” فحسب، بل مباشرة على إيران التي لا تزال تترنح من الضربات التي تلقتها من التحالف الإسرائيلي – الأميركي.

تضييق الخناق السياسي؟
و​تتجاوز عملية الاغتيال التأثير الميداني إلى الساحة السياسية اللبنانية، في ضوء فرضية أن الاغتيالات قد لا تستثني “القيادة السياسية” للحزب في حال كان الهدف الأكبر هو شل قدرته على الفعل، أو على الأقل المشاركة بفاعلية في الانتخابات النيابية في أيار 2026. هذا السيناريو يعيد للأذهان ما حدث في الغارة على الدوحة التي استهدفت قيادات سياسية وليست عسكرية من “حماس”. ولطالما ردّد مسؤولون إسرائيليون أن ما ينطبق على “حماس” ينطبق على “حزب الله”، والآن جاء دوره. هكذا يبدو أن “مستقبل الحزب هو ما حصل لقيادة الحركة“.

حبل نجاة مرفوض وحرب استنزاف أحادية الجانب
​في خضم هذا البحر الهائج، تبرز مبادرة الرئيس جوزف عون التي أعلنها في عيد الاستقلال بمثابة “حبل نجاة” ممدود إلى الحزب لإنقاذ نفسه من خلال اعتماد المنطق، في ظل انسداد الآفاق أمامه. ولكن يبدو أن هذه القيادة ترفض الإمساك بهذا الحبل، مفضلةً التمسك بالسلاح “حتى عودة الإمام المهدي”، كما تُشيع أوساط قريبون منها.
​هذه المقاربة العقيدية تضع الحزب في وضع حرج، خصوصاً أن المواجهة باتت أقرب إلى حرب من جانب واحد واستنزاف من جانب واحد وأعمال قتل واغتيال من جانب واحد. وفي ظل هذا التآكل أحادي الجانب، تبرز تساؤلات وجودية: لماذا هذا السلاح؟ وهل سيصبح الحزب أقوى بمرور الوقت بالرغم من التفوق الإسرائيلي التكنولوجي المتعاظم، كي يكون الصبر مُجدياً والتضحيات مبررة؟
​إن غياب الأجوبة والبديل الواضح من “رؤية جوزف عون للحل” يعكس أزمة استراتيجية عميقة. وإذا استمرت وتيرة الاغتيالات والاختراقات، فالأرجح أن مستقبل “حزب الله”، العسكري والسياسي معاً، سيبقى معلقاً على خياراته وخيارات إيران المقبلة: هل الأفضل هو الغرق في بحر الاستنزاف، فيما إسرائيل تتصرف كنمر جائع لا يفلت فريسته حين تقع بين أنيابه؟ وكيف السبيل إلى إنقاذ شخص مُصمَّم على الانتحار؟