
لبنان مكشوف أمام العالم: الحرب على الأبواب
بعد السياسة والمال والتفاوض، لبنان مكشوف أمنيّاً منذ ما بعد حرب 2006 تحديداً. لا حاجة إلى النقاش في ذلك بعد التجربة المريرة التي مرّ بها البلد في حرب 2024. إلّا أنّ الأسوأ من هذه التجربة هو الذهاب طوعاً إلى تكرارها. كلّ المؤشّرات التي تصل إلى لبنان تشبه المؤشّرات التي وصلته قبل الحرب الماضية، وكأنّ الشريط يعيد نفسه، وما اغتيال القياديّ الميدانيّ في “الحزب” هيثم الطبطبائي إلّا أوّل الغيث. ولكن هذه المرّة “لن تسلم الجرّة”.
إنّ الكلفة لن تكون محصورة بمناطق معيّنة خاضعة لنفوذ “الحزب”، لأنّ الدولة أصبحت جزءاً من المشهد العامّ. فشل الدبلوماسيّة لا يتحمّله “الحزب” بقدر ما تتحمّله الدولة. لهذا لبنان مقبل، في حال لم يُنجز ما عليه، على حرب مختلفة عن حرب العام الماضي.
واحدة من أهم الرسائل التي تلقّاها لبنان قبل الحرب الإسرائيليّة الأخيرة، كانت عبر مدير المخابرات الفرنسيّة السابق برنارد إيمييه، الذي صارح اللبنانيّين بأنّ ما ينتظرهم خطِر جدّاً.
لم يصدّق المسؤولون في لبنان الرسالة وأكملوا الهروب إلى الأمام، وحصل ما حصل. ربّما أهمّ المؤشّرات التي حصلت في الأسبوعين الأخيرين في لبنان هو زيارة مستشارة الرئيس الفرنسي آن كلير لوجاندر، التي حملت رسالة تشبه رسالة إيمييه قبل أكثر من عام لا سيما على مستوى ضبط الحدود وترسيمها مع سوريا ومصير الجنوب بعد اليونيفيل.
بحسب مصادر دبلوماسيّة، قالت لوجاندر للرؤساء الثلاثة إنّ وضع لبنان دقيق جدّاً، وأمامه وقت ليس بكثير لينجز ما عليه قبل التصعيد الإسرائيليّ المقبل. وأبلغت المسؤولين أنّ لبنان مطالب بالإعلان عن تفاصيل تقدمه في تطبيق خطة الجيش جنوب الليطاني قبل نهاية العام ليقنع المجتمع الدولي بوجوب دعمه على مستوى المؤسسة العسكرية على الأقل.
27 تشرين: عام على وقف إطلاق النّار
بعد أيّام، يخطو لبنان عامه الأوّل بعد توقيعه اتّفاق وقف إطلاق النار. في الأسبوع الماضي، أصدرت قوّات الطوارئ الدوليّة تقريراً قالت فيه إنّ عدد الخروقات الإسرائيليّة بلغ يوميّاً 28 خرقاً. إلّا أنّ حسابات إسرائيل مختلفة. لا حسيب ولا رقيب لها على أيّ خرق. وفّرت لنفسها “الحقّ” في اختراق الأجواء اللبنانيّة من الجنوب إلى الشمال مع حرّية الحركة وتنفيذ الغارات والاغتيالات. بالمقابل، وصلت رسالة إلى “الحزب” بأنّ أيّ صاروخ من قبله ستعتبره إسرائيل ذريعة كافية لتدمير ممنهج.
لذلك كان من المفترض، بحسب السيناريو الذي رُسم بعد الحرب مباشرة، أن يكون لبنان قد أنهى في العام الأوّل حصر السلاح، وبدأ بإيجاد صيغة داخليّة للتعامل مع “الحزب” من دون الدخول في حرب أهليّة.
القرار الدّوليّ: لا للحرب الأهليّة في لبنان
في كلّ المقاربات الدوليّة التي سبقت ورافقت الحرب وتلتها، لا سيما في التوقّعات المتعلّقة بخطّة الجيش اللبنانيّ، تجزم مصادر دبلوماسيّة لـ”أساس” أن لا إرادة دوليّة لافتعال حرب أهليّة في لبنان، ولا أيّ مواجهة بين الجيش و”الحزب”.
على العكس، تتحدّث مصادر دبلوماسيّة لـ”أساس” عن مسار التفاوض قبل الحرب، يوم كانت القوى الدوليّة مستعدّة لإبرام اتّفاق مع “الحزب” لوقف حرب الإسناد وحصر السلاح جنوب الليطاني، إلّا أنّ هذا لم يحصل بسبب تمسّك الأمين العامّ لـ”الحزب” الراحل السيّد نصرالله بموقف مساندة غزّة في حربها.
أمّا بعد الحرب فاستمرّ الموقف الدوليّ برفض “سحق الحزب”، بل دعا إلى التعامل مع جسمه السياسيّ. والدليل على هذه القناعة الدوليّة هو قيام إسرائيل عمداً بعدم استهداف الجسم السياسيّ لـ”الحزب”، وحصر الحرب بجناحه العسكريّ.
تقول المصادر الدبلوماسيّة إنّه لا يزال الموقف على حاله اليوم، لكن ربّما ليس لوقت طويل، مضيفةً أنّ بنود خارطة الطريق تضمّنت عناوين تعني “الحزب” وإعادة إعمار المناطق المتضرّرة والمحافظة على العمل السياسيّ له ودمج عناصره في مرافق الدولة غير العسكريّة.
أما وقد فشل كلّ شيء، فإنّ لبنان على بُعد أسابيع من عودة التصعيد الذي سيكون مختلفاً هذه المرّة.
تصعيد مقبل: أهداف محدّدة وعميقة لـ”الحزب” والدّولة
بعد وصول لبنان إلى هذا الواقع السيّئ، تتحدّث الكواليس الدبلوماسيّة عن مهلتين: الأولى في 27 تشرين الثاني، والثانية نهاية العام. بعدها، و
في حال فشل كلّ المبادرات التي لا تزال مستمرّة حتّى الساعة، سيكون لبنان مكشوفاً أمام غارات أكثر إيلاماً وعمقاً وعدداً، وسيكون لبنان الرسميّ أيضاً مكشوفاً للاستهداف متى دعت الحاجة.
إنّ أفضل الخيارات أن يستيقظ المسؤول، الذي يعرف ما ينتظر البلد، ليبدأ وضعه فوراً على السكّة من خلال خطوات عمليّة كاستكمال حصر السلاح جنوب الليطاني، والبدء بتطبيق خطّة حصر السلاح الثقيل في كلّ لبنان. تلي ذلك خطوات عمليّة في بناء الدولة أمنيّاً في المطار والمرافئ والحدود البرّية لمنع استمرار تسلّل السلاح والمال، ومعالجة الجناح العسكريّ لـ”الحزب” بشكل جدّي ومؤسّساتيّ.
أمّا الخيار الثاني، وهو ما بدأت تستشعر به القوى الدوليّة والمحلّية على حدّ سواء، فهو عدم وجود إرادة للعمل على معالجة أمنيّة وسياسيّة حقيقيّة، بل تكوّنت قناعة بأنّ هناك نيّة لإيكال المهمّة إلى العواصم المعنيّة بلبنان من جهة أو الحرب من جهة أخرى. إلّا أنّ ما لا يدركه المعنيّون بعد هو أنّ المهمّة لن تستثني أحداً.
