الاغتيال الأخير: دفع مسار سياسي أو عرقلته!

الاغتيال الأخير: دفع مسار سياسي أو عرقلته!

الكاتب: روزانا بومنصف | المصدر: النهار
26 تشرين الثاني 2025

يُخشى أن وساطة الدول الصديقة للبنان لن تنجح في الذهاب إلى سلام أو تهدئة جذرية لا تبدو ظروفهما متاحة

بدا “حزب الله” مفاخرا بالتحسب الإسرائيلي لرد فعل يمكن أن يقوم به انتقاما لاغتيال قائده العسكري هيثم علي الطبطبائي. هذا التحسب يعيد الألق إلى قدرته التي أضعفتها الحرب، ويعزز موقعه إزاء إسرائيل والداخل اللبناني معا، على أساس أنه لا يزال يمتلك القدرات المهمة على المواجهة والإيلام، لكنه يمتنع عن ذلك لاعتبارات لا تتعلق بضعفه أو طبيعة ما يملك من أسلحة أو صواريخ. وهذا تعويض مهم له يتيح إشاحة الأنظار عن عدم قدرته على الرد فعليا، وماهية الضريبة الإسرائيلية التي تعيد تذكيره كما تذكير إيران بأن تل أبيب متقدمة تكنولوجيا ولا تزال قادرة على رصد قيادات الحزب وتحديد مواقع وجودها أو مخابئها، وتنفيذ ضربات جراحية نوعية، وهذا له دلالاته بعد عام يفترض أن الحزب اتخذ خلاله كل الإجراءات لحماية كبار قادته، أو اطمأن إلى مسار إعادة تأهيله.

السؤال المُثار يتصل بما إذا كانت العملية الإسرائيلية يمكن أن تعجّل مسارا سياسيا في ظل اعتباره إنذارا بإمكان عودة الحرب عبر الرسائل المتبادلة بين إسرائيل وإيران في لبنان، أو تعرقله في ضوء اعتبار أوساط لبنانية أن الاستهداف الإسرائيلي الأول من هذا النوع في عهد الرئيس جوزف عون يأتي ردا على مبادرته التفاوضية التي أطلق عناصرها في ذكرى الاستقلال. وتبعا لذلك، فإن رد فعل مسؤولين إيرانيين على اغتيال الطبطبائي كان غاضبا ويدفع وفق التصريحات العلنية إلى تصلب الحزب وحتى احتمال المواجهة مع إسرائيل.

والحال أن دولا صديقة للبنان وجهت تحذيرات واضحة بوجوب تفادي الذهاب إلى حرب جديدة يمكن ألا تقتصر على استهداف الحزب أو عناصره، فيما رفض الحزب التزام جانب عدم التصعيد برفض تسليم سلاحه إلى الدولة اللبنانية أو بإعلانه إعادة تأهيل نفسه وقدراته. فمن جهة يتوجب قراءة التهديدات الإسرائيلية بجدية، على غير ما قرأ الحزب كل المواقف الإسرائيلية إبان “حرب الإسناد” وتجاهل كل التحذيرات التي كانت تصله عبر زيارات ديبلوماسيين غربيين نصحوا بإنهاء الحرب تجنبا لتداعياتها الخطرة. ويُخشى أن يعتمد المقاربة الرافضة والمتعنتة نفسها، علما أن كل مقارباته مع إسرائيل أدت إلى نتائج كارثية، فيما هو يرفض الإقرار بذلك.

ومن جهة أخرى، هناك مساع يبذلها المسؤولون مع الدول الصديقة لمنع تجدد حرب قد يصعب تجنبها وفق المعطيات التي نقلها الزوار الديبلوماسيون للبنان، ما لم يحصل تغيير ما أو مؤشرات لأي تغيير.

ويبدو واضحا أن خريطة الطريق التي أعلنها رئيس الجمهورية وآلية التفاوض غير المباشر مع إسرائيل غير كافية في الظروف الراهنة، ما لم يبدأ لبنان باستكمال جدي لنزع سلاح الحزب خارج جنوب الليطاني، وهو لم يعطِ مؤشرات جدية في هذا الإطار، بل رغب في التفاوض، علما أن الحزب رافض لذلك.

ولا يشفع على الأرجح عدم الرد المحتمل للحزب على اغتيال قائده العسكري، والذي يخضع لخيارات صعبة أحلاها مرّ بالنسبة إليه، ولاسيما أن هذا الاغتيال أعاد تذكير الحزب بمدى الاختراق الإسرائيلي الاستخباري من جهة، والقدرة على تجاوز كل الضوابط الزمانية أو المكانية من أجل تحقيق إسرائيل أهدافها من جهة أخرى. والواقع أن عدم الرد مفيد لعدم مخاطرة الحزب بحرب تنهيه أو تدمّر القرى الشيعية خصوصا وتهجّر أهلها، لكنه غير كاف كورقة في ذاتها لتجنب الحرب المحتملة، بدليل أن السردية الرسمية اللبنانية وليس فقط سردية الحزب عن التزامه اتفاق وقف النار وعدم إطلاق أيّ صواريخ على إسرائيل بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ قبل عام، لا تجد أي صدى فعلي، لأن هذا الالتزام يندرج تحت عنوان “مرغم لا بطل” نتيجة الخلل الهائل في التوازن الردعي، ولا يتعدى إطار شراء الوقت ليس إلا.

ويخشى مراقبون أنه قد يكون ملائما للولايات المتحدة إلى حد كبير توجيه إسرائيل ضربات نوعية جديدة للحزب تقلص قدراته وتضعف ورقة إيران كذلك، فيما لا تزال ترفع سقوفها للتفاوض ولو أبدت استعدادها لذلك. وقد يكون مقنعا لها أيضا المنطق الإسرائيلي القائل بأن على إسرائيل إضعاف الحزب أكثر ومنعه من إعادة تأهيل نفسه في ظل عجز الدولة اللبنانية عن ذلك، وهو ما قد يصب في نهاية الأمر في مصلحة الأخيرة ولو تضررت صورتها. لذلك يخشى أن وساطة الدول الصديقة للبنان لن تنجح في الذهاب إلى سلام أو تهدئة جذرية لا تبدو ظروفهما متاحة.