في ذكرى سنة “التدحرج العدائي”!

في ذكرى سنة “التدحرج العدائي”!

الكاتب: نبيل بومنصف | المصدر: النهار
26 تشرين الثاني 2025

يكثُر الذين يلعنون القرارات الدولية والاتفاقات والهدن التي أعلنت بوساطات دولية أو نصف دولية، ذات الصلة بلبنان، من أيام اتفاق الهدنة عام 1949 إلى اتفاق 27 تشرين الثاني لوقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل. تتنامى هذه الظاهرة على خلفية انفعالية خالصة، ولو بررتها من جهة تراكمات هائلة في الخسائر البشرية والتدميرية لدى فريق “ممانع” متطبع بالإنكار والمكابرة حتى المقتل، واستعجال ونفاد صبر للتخلص من سلاح “حزب الله” ونفوذ إيران لدى الفريق المناهض. ولذا، سيكتسب مرور سنة تماما غدا على آخر مواليد الاتفاقات والهدن المتمثل في ما سُمّي اتفاق وقف الأعمال العدائية، دلالاته الإستراتيجية، ليس لكون وقائعه قبل سنة تملي إعادة النظر في أسباب تخبط لبنان الآن في ما قد يكون أسوأ الاستعادات لما سبق الاتفاق المذكور فقط، بل لأن الخطورة المتدحرجة مع انهيار هذا الاتفاق تفوق تصورات المغامرين بنزع المظلة الدولية عن لبنان.

لم يكن اتفاق 27 تشرين الثاني 2024 اتفاقا أمميا أو دوليا بمعايير القانون الدولي والمعاهدات الدولية، ولا قرارا صادرا عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن، كما هو معروف. بل كان إطارا وضعيا قسريا أقرب إلى هدنة قسرية أريد لها أن تتمدد زمنيا، ولكن ببنود فاقت تصوّر كثيرين لجهة استنادها خصوصا وتحديدا إلى القرار الدولي 1701 بكل حيثياته الإلزامية. في مقلب يلزم إسرائيل الانسحاب الشامل من أي بقعة لبنانية محتلة، وفي المقلب المقابل يلزم الحكومة اللبنانية و”حزب الله” نزع سلاح الحزب بلا مواربة، وحصره في يد الجيش.

وإذا كان لناكري الشرعية الدولية وأهميتها القصوى في تشكيل المظلة التي لا مفرّ منها للبنان أمام العالم وفي أزمات الحرب والسلم، أن يقارنوا بين اتفاقات وقرارات دولية واتفاقات ذات طبيعة متعددة الأطراف لكنها دون الإطار الدولي قانونا وواقعا، فانظروا إلى 16 عاما من استقرار، بل سلام غير مسبوق على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية أعقب صدور القرار 1701 عام 2006، إلى أن مزقته المغامرة القاتلة لـ”حزب الله” في إشعال “حرب المساندة” لغزة غداة “طوفان الأقصى”.

لقد بات القرار 1701 في وقائعه السيادية خصوصا، أقرب من أي حقبة مضت منذ صدوره، إلى المعنى الرمزي والعملي للدستور اللبناني إياه إذا قيس بالمصالح اللبنانية الخالصة المجردة. وليس أدل على ذلك من أن اتفاق وقف الأعمال العدائية خضع ويخضع في كل لحظة لتشويه بالغ في التفسيرات والقراءات من جانب كل من إسرائيل و”حزب الله”، في حين تتدحرج “الوقائع العدائية” بلا هوادة على ضفتيه منذ غداة إعلانه ووضعه موضع التنفيذ وكأنه لم يكن أصلا.

لسنا في معرض التبصير حيال ما قد يتفجر في المرجل اللبناني وعلى أرض لبنان بعد زيارة البابا لاوون الرابع عشر التي لن نصدق كيف يمكن ان تشكل هدنة لثلاثة أيام، ولا أحد يدري ما سيعقبها. وهو ما يبرر الخوف على ذاك السلام الحضاري الجوهري الذي سيحمله البابا في أقسى لحظات مصيرية يجتازها لبنان وتتهدده في الصميم. ولكن حذار الخلط الأرعن بين استعجال خلاص لبنان من الارتهان لسلاح إقليمي قاتل لسيادته كما الاحتلال، وتبديد المظلة الدولية لحماية كيانه وهويته وحضارته على الأقل. فحتى البابا هو الركن الرمزي الأعلى للمظلة الدولية، وليس فقط المرجع الديني الأكبر للمسيحيين الكاثوليك في العالم.