بعد رفض فرص الانخراط بالدولة وجره لبنان إلى حافة حرب جديدة… يجب إعادة تصنيف “الحزب “

بعد رفض فرص الانخراط بالدولة وجره لبنان إلى حافة حرب جديدة… يجب إعادة تصنيف “الحزب “

الكاتب: رياض قهوجي | المصدر: النهار
4 كانون الأول 2025

 لا يجب السماح للحزب بدخول مجلسي النواب والحكومة ما لم يفك ارتباطه بطهران

بين سردية الحكومة اللبنانية وسردية “حزب الله” وإيران، تعيش الدولة اللبنانية وشعبها أياماً مصيرية تكثر فيها رسائل التحذير الدولية والتهديدات الإسرائيلية من حرب جديدة يقول الحزب إنه بات جاهزاً لها وطهران تدفعه باتجاهها، على أمل أن تؤدي لوقف حروب اسرائيل التي قد تطاولها مجدداً بالمستقبل.

 

وبحسب القانون الدولي، فإن الدولة اللبنانية مسؤولة عن كل ما يجري على أراضيها ويتوقع منها المجتمع الدولي أن تمارس سلطتها وتنفذ قراراتها وتعهداتها سحب السلاح غير الشرعي من كل الأراضي اللبنانية. وبالتالي، فإن سردية الدولة الحالية التي تربط فيها بين استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، من احتلال للنقاط الخمس بالجنوب وقصف مواقع الحزب وعناصره، وتأخرها بتنفيذ قرار حصر السلاح، لا يبدو أنها كانت مقنعة للجهات الدولية والعربية المؤثرة. وعليه، فهي اليوم تحمل عواقب ما تهدد اسرائيل بفعله بحربها المحتملة على لبنان.

كما أن سردية “حزب الله”، أنه لن يسلم السلاح ومستمر في عمل المقاومة ولا يكترث فعلاً لقرارات الحكومة ولا يزال مؤثر اً بشكل كبير على الدولة اللبنانية، تخدم الرواية الإسرائيلية بأن الحزب يستعيد عافيته وأعاد تسليح نفسه ويشكل تهديداً لها. وعمدت تل أبيب أخيراً إلى اتهام الجيش اللبناني بالتواطؤ مع “حزب الله” والتستر عليه ومساعدته في إعادة بناء قدراته. لم ينف “حزب الله” هذه التهم رسمياً، ومن ثم نشر الموقع الإلكتروني الرسمي للولي الفقيه آية الله علي خامنئي حديثاً لباحث إيراني يقول إن 30 في المئة من أفراد الجيش اللبناني منتمون إلى “حزب الله”، وبالتالي، فإن السردية الإيرانية التي لا تستند إلى أي أدلة، تعزّز الرواية الإسرائيلية التي تتهم الجيش اللبناني بالتواطؤ. طبعاً، سردية إيران لشعبها هي أنها لم تهزم، وأن لبنان لا يزال كدولة ضمن محور الممانعة ويصور الجيش اللبناني أو جزءاً منه على أنه شريك لـ”حزب الله”.

الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، في رثائه للقائد العسكري للحزب الذي اغتالته إسرائيل أخيراً هيثم الطبطبائي، أشاد بدور الراحل في حرب اليمن ضد السعودية حيث خدم هناك لتسع سنوات. يبدو أن قاسم نسي أنه كان عرض أخيراً الصلح مع السعودية. وتعهد قاسم عدم تسليم السلاح وأعلن جهوزيته للحرب. باختصار، فهو جدد امتلاك الحزب قرار الحرب والسلم بلبنان، وذكّر بارتباط الحزب بمحور المقاومة الذي تقوده طهران. طبعاً، لا تعليق من الحكومة أو الرئاسة اللبنانية رغم الرسائل التي يتلقيانها تباعاً من جهات دولية بأن فترة السماح للدولة بحصر السلاح، والتي أعطيت للحكومة بعد تشكيلها، ستنتهي آخر الشهر الجاري ولن يتم تمديدها. بعدها، إسرائيل ستستأنف الحرب من حيث توقفت.

تجد الدولة اللبنانية نفسها اليوم في مأزق تسببت به سياساتها التي رفضت أن تعترف بالمشكلة الحقيقية، وهي أن “حزب الله” ليس فعلاً تنظيماً لبنانياً، أو لم يعد كذلك منذ مدة من الزمن. فهو يزرع هوية جديدة بين مناصريه مرتبطة بالنظام الإيراني، وولاء مطلق للولي الفقيه، وثقافة بعيدة كل البعد عن الثقافة اللبنانية. ويظهر هذا جلياً في أدبيات الحزب وسياساته وبرامج المدارس التي يديرها. وعليه فهو فعلياً عميل لجهة أجنبية. فصفة العمالة، بحسب القوانين والأعراف الدولية، لا تنسب فقط لمن يرتبط بدولة معادية، بل لأي شخص أو مجموعة تمول وتسلح لخدمة جهات أجنبية أو تتجسس لمصلحتها.

فهناك أمثلة عدة لدول أوقفت عدداً من مواطنيها بتهم العمالة إذ كانوا يخدمون مصالح دول حليفة، كما هي الحال بالجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد، الذي سجن لسنوات طوال في أميركا بتهمة التخابر مع إسرائيل، وهي حليف استراتيجي لواشنطن. ورغم إقرار قيادات الحزب مراراً وتكراراً بأنهم جنود في جيش الولي الفقيه ويتقاضون أموالاً إيرانية ويقاتلون خدمة لمصالحها في دول عربية أخرى، تجاهلت الحكومات اللبنانية المتعاقبة ذلك وتابعت معاملة الحزب على أنه تنظيم لبناني، لا كعميل إيراني. لقد كان هناك وقت من الزمن قبلت فيه غالبية القوى الدولية والإقليمية التعايش مع الميليشيات التابعة لإيران ومنها “حزب الله”. أما الواقع اليوم فقد تغير وعلى الحكومة اللبنانية رسم سياساتها على هذا الأساس، خصوصاً بعدما أسقطت صفة المقاومة الشرعية عن سلاحه. فلا يجب السماح للحزب بدخول مجلسي النواب والحكومة ما لم يفك ارتباطه بطهران.

فالدولة اللبنانية لم تحاسب “حزب الله” بعد عما تسببت به حرب الإسناد التي فتحها وحده ضد إسرائيل، بل إن الحكومة تتصرف كأنها كانت المسؤولة عن ذلك. واليوم، تتجاهل التحذيرات الدولية، ويتحدث رئيس الجمهورية في خطاب الاستقلال الأخير بصفة المجهول عمن يعيشون حالة الإنكار ويعرضون الدولة للخطر، عانياً بذلك “حزب الله”. يجب تسمية الأمور بأسمائها ومواجهة الحزب على أنه عميل لجهة أجنبية. ولقد أعطي الفرص مراراً وتكراراً بالعودة للدولة، ولكنه مستمر في الرفض ويصر على الارتباط بإيران. لا أحد فعلاً مستعد لحرب أهلية في لبنان ينفرد الحزب بالحديث عنها. كما أن الغالبية العظمى من شيعة لبنان الذين يواجهون احتمال تدمير قراهم في الجنوب والبقاع ومنعهم من العودة اليها، لن يحاربوا شركاءهم في الوطن، ولا الجيش الذي قاتل “داعش”. والجيش اللبناني لن ينقسم عند مواجهة الحزب، رغم احتمال حدوث بعض حالات العصيان من بعض العناصر. فهو لم ينقسم عندما واجه المجموعات الإسلامية السنية المتطرفة. وعندما تتصرف الدولة بحكمة وحزم مع “حزب الله” من دون مسايرة “وتدوير الزوايا،” تنتظم الأمور.