
التهويل المزدوج… من أيام 17 أيار!
المفارقة الفاضحة تتشكل مجدداً بين تهويل إسرائيلي بحرب تبقي الإصبع على الزناد وتهويل الحزب على لبنان كله، فيما هو بصم قبل سنة تماماً على اتفاق قاد لبنان إلى اجتراح مخرج رفع مستوى التفاوض لتجنب الحرب. غير أن الفارق الكبير هذه المرة، أن التهويل الداخلي على الداخل لم يعد كافياً لستر تمزق هيبة المهوّلين وتهاويها.
موروثات حقبة الاحتلالات والوصايات التي سحقت لبنان منذ ثمانينات القرن الماضي، تبدو قدراً ثقيلاً لم تقوَ حقبات ما بعد “تحرير” لبنان جزئياً أو كلياً منها، على التخلص من تبعاتها وتداعياتها وأثرها المباشر القابع على القرارات المصيرية للبلاد كلها.
لذا لم يكن غريباً إطلاقاً، أن تواكَب الخطوةُ الاختراقية المتقدمة، البالغة الأهمية في ظروفها وتوقيتها، التي أقدم عليها الحكم اللبناني بتعيين السفير السابق سيمون كرم، الشخصية التي تعتبر من أبرز من يمكن اختيارهم وأصلبهم وأجدرهم لمهمة يراد لها مواجهة حرب متجددة تهوّل بها إسرائيل كل لحظة، بتهويل من ضفة “حزب الله” ومسيرات ليلية في الضاحية الجنوبية، في وقت تستنفر فيه بيئة الحزب في كل مناطق الجنوب والضاحية والبقاع تحسباً للحرب الإسرائيلية الزاحفة كأنها حاصلة لا محالة.
لا تقف الغرابة بعد الكارثة التي استدرجتها الارتباطات الإيرانية لـ”حزب الله” على لبنان على أن يمضي الحزب قدماً في سياسات غير متصورة في الإنكار أو الصلف في التعالي وتحدي إرادة غالبية اللبنانيين والمجتمع الدولي قاطبة، بل ترانا الآن، غداة الخطوة التي اخترق فيها لبنان الرسمي عبر تكليف السفير السابق سيمون كرم، كديبلوماسي سابق، رئاسة الوفد اللبناني الذي صار مدنياً عسكرياً، في لجنة الميكانيزم، الزحف الحربي الإسرائيلي على لبنان، أمام صنف “قديم ومحدث” من موروث التهويل الذي يمارسه “حزب الله” ملاقياً التهويل الإسرائيلي إياه في تقويض أمن لبنان ومساره المتعرّج المعقد نحو الاستقرار. ذلك أن الغضب المعتمل لدى الحزب حيال شخص سيمون كرم، السيادي المعروف بمواقفه الحاسمة التي لا تحتمل قفازات ولا حتى ديبلوماسية في التعبير السيادي، كان يمكن فهمه وتبريره في معرض ظروف عادية أو أوضاع تقليدية تبيح ترف التراشق السياسي والإعلامي المألوف حيال ملفات الداخل. أما مسارعة الحزب، عبر حلقاته المباشرة السياسية والإعلامية والشارعية، إلى إعلاء نبرة الرفض الإنكاري لما يقوم به الحكم اللبناني بهذه الخطوة التي بالكاد يختبر اللبنانيون طلائعها على أمل أن تشكل احتواء أو منعاً موقتاً للحرب المخيفة التي تهدد بها إسرائيل الحزب إياه وبيئته وناسه قبل كل اللبنانيين، فمعنى ذلك أن ايران ونظام الأسد البائد لا يزالان ينبضان في الضاحية إلى إشعار آخر.
لعلنا لا نجافي التاريخ والواقع المزري الذي لا يزال يتخبط فيه لبنان إن استذكرنا ما سبق أن واكب اتفاق 17 أيار/مايو 1983 وأعقبه في عهد الرئيس اللبناني السابق أمين الجميل. أراد الحكم اللبناني آنذاك أيضاً تحرير بيروت ولبنان من احتلال إسرائيلي بلغ للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي حدود اجتياح إسرائيل لأول عاصمة عربية. أغرق السوريون وأتباعهم وطلائع أتباع النظام الإيراني الناشئون الجدد آنذاك، لبنان بالدماء لإحراق “اتفاق الإذعان” وأحرقوه فعلاً، قبل إلغاء الاتفاق وبعده. وكأننا بهم الآن يستوحون ذاك التاريخ فيما كل لبنان بات في مهب الكوارث التي تقاسموا تبعاتها مع إسرائيل، أفعالاً وردود أفعال، وتقديم ذرائع وتبريرها وتبادل التلاعب القاتل بحياة اللبنانيين وأقدارهم ومصائرهم.
وها هي المفارقة الفاضحة تتشكل مجدداً بين تهويل إسرائيلي بحرب تبقي الإصبع على الزناد وتهويل الحزب على لبنان كله، فيما هو بصم قبل سنة تماماً على اتفاق قاد لبنان إلى اجتراح مخرج رفع مستوى التفاوض لتجنب الحرب. غير أن الفارق الكبير هذه المرة، أن التهويل الداخلي على الداخل لم يعد كافياً لستر تمزق هيبة المهوّلين وتهاويها.
