
خاص- هل يتمكّن برّي من إحتواء عمليّة نزع السلاح؟
تكثر التوصيفات للدور الذي يلعبه رئيس المجلس ورئيس حركة “أمل” نبيه برّي، في العلاقة مع “حزب الله”، وفي الموقع القيادي للشيعة، وعلاقته بالدولة اللبنانية. فكان البعض يعوّل عليه دائماً في إحداث التغيير داخل البيئة الشيعية عندما يحين الوقت، فيما يعتبره آخرون الوجه المكمّل لـ “الحزب”، بما أنّه ظلّ حتّى الآن ينفّذ كل سياساته في لبنان، من دون أن يحيد عن ذلك.
ولكن، منذ الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وما نتج عنها من اتّفاق لوقف النار، ثمّ إعلان الحكومة اللبنانية قرار حصر السلاح والبدء بتنفيذه، اتّجهت الأنظار إلى برّي، على اعتباره القيادة الشيعية الأبرز المؤهّلة لوراثة “الحزب”، والقادر على تمهيد الطريق للانتقال من الحالة العسكريّة المسلّحة إلى الحالة السياسية.
فهل هذا الواقع صحيح أم أنّه مبالغ فيه؟
ليست حركة “أمل” و”حزب الله” كياناً حزبيّاً واحداً، وهما يختلفان أيضاً في النظرة إلى تطلّعات الشرائح الشيعية بالنسبة إلى العلاقة مع الدولة اللبنانية، ومع المرجعيّات الدينية.
فـ “الحركة”، نشأت على يديّ الإمام موسى الصدر، الذي كان يسعى إلى إدخال الشيعة في الدولة، وانتشالهم من “الحرمان”. لكن اختفاء الصدر في العام 1978 في ليبيا، أنهى رحلته عند هذا الحدّ، تاركاً وراءه فراغاً كبيراً في الساحة الشيعيّة.
ومع نشوء “حزب الله” في أوائل الثمانينات، لم تكن العلاقة بين الطرفين جيّدة في كل الأوقات. بل ظهرت تباينات كثيرة، انفجرت على شكل مواجهات مسلّحة في الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب، وعُرفت بـ”حرب الإقليم” (1987–1988)، وسقط خلالها عشرات القتلى.
وهذه الحرب كانت في الواقع حرباً بين إيران الخميني وسوريا حافظ الأسد. لكنّ اتفاقاً بينهما على تقسيم الدور والنفوذ في لبنان أوقف الحرب. إذ نصّ على حصر المقاومة بـ”حزب الله”، والعمل السياسي بحركة “أمل”.
وبعد حرب 2006، وخروج “الحزب” منها “منتصراً”، برز ما يُعرف الآن بـ”الثنائي الشيعي”، بحيث توطّدت الشراكة بين الجانبين، وتوحّدت المواقف.
ولكن، بعد الحرب الأخيرة، وتراجع قوّة “الحزب”، الذي صار مطالباً بسحب سلاحه، وبعد اغتيال الأمين العام السابق حسن نصر الله، تعزّز دور بري على أنّه “الأخ الأكبر”، ولعب دوراً بارزاً في التغييرات الأخيرة التي حصلت، سواء عبر الموافقة على انتخاب الرئيس جوزف عون أو تشكيل الحكومة، أم على صعيد الدور المتعلّق الآن بالمفاوضات، وضرورة تجنيب الشيعة حرباً جديدة قاسية.
فالمرجعية الشيعية في لبنان ليست حصرية للمرشد، كما تبدو اليوم بفعل السطوة الإيرانية. بل هناك تأثير كبير للمرجعيات في النجف والمتمثّلة اليوم بالعلامة علي السيستاني، على قاعدة شيعية واسعة، تمثّل حركة “أمل” جزءاً منها. وهؤلاء يتبعون مرجعيّة النجف من ناحية التقليد الديني.
وكان بارزاً في الأيّام الأخيرة الموقف الذي أعلنه السيستاني في رسالة وجّهها إلى الإيرانيين، والتي تدعو إلى تجنيب شيعة لبنان الحرب ومواجهة كارثة محققة. كما كانت لافتة الزيارة التي قام بها معاون برّي النائب علي حسن خليل لطهران من أجل إيصال رسالة تحمل المعنى نفسه.
واليوم، برز “تباين” جديد بين “الحزب” و”الحركة”، مع موافقة برّي على التفاوض، وتعيين المدني السفير السابق سيمون كرم رئيساً للجانب اللبناني. وهذا يشكل خروجاً عن تحفّظ سابق أبداه رئيس المجلس حول التفاوض السياسي مع إسرائيل. وفي حين كان موقف “الحزب” معارضاً لشخصية كرم بالذات، ومعتبراً أن الدولة تقدّم تنازلات مجّانية، فإن ما حصل بين طرفي “الثنائي” يوحي بتغيّر في الدينامية وبإعادة ترتيب أوراق جزئية، من دون أن يؤدّي ذلك حتّى الآن إلى انشقاق أو انفصال.
ولكن مصادر سياسية ترى أنّ هذا التباين مرشّح للازدياد، تبعاً لتطور عملية التفاوض وتعاظم الضغوط الخارجية. وقد تظهر إدارتان للملف: واحدة رسمية يقودها بري والدولة، وأخرى ميدانية يقودها “الحزب”. والمرجّح أن يتحوّل التباين إلى تباعد سياسي واضح، في حال وصلت الأمور إلى وجوب تسليم السلاح، أو اتساع المفاوضات إلى خارج الإطار التقني لتشمل ترتيبات أمنية أو حدودية أكبر.
عندها، يعوّل كثيرون في الداخل والخارج على أن برّي نفسه سيدعو “الحزب” إلى تسليم سلاحه، وسيلعب دوراً في إيجاد مخرج مناسب لذلك، وفي حفظ الدور الشيعي في مؤسّسات الدولة. فهو يدرك أنّ مواجهة الضغوط الأميركية صارت صعبة جدّاً، في وقت ينحسر فيه النفوذ الإيراني، وتهدّد إسرائيل بجحيم جديد.
