خاص- سوريا الجديدة: خيط رفيع بين الفوضى أو التحوّل إلى قوّة إقليمية

بعد عام على سقوط نظام الأسد في سوريا، وتسلّم أحمد الشرع السلطة، تبقى البلاد معلّقة على خيط رفيع بين أن تعود قوّة إقليمية كبيرة، وتصبح بلداً مزدهراً، أو أن تنهار تحت وطأة المشاكل الكثيرة التي تعترضها، سواء في التوصّل إلى تسوية داخلية، أو في بناء قدراتها العسكرية، أو على صعيد تمتين علاقاتها الدولية والإقليمية، وتعزيز الاقتصاد.
ما تحقّق في عام على يد الرئيس السوري الجديد يُعتبر عملاقاً. فقد اجتذب دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشخصي، وكان أوّل رئيس سوري يزور البيت الأبيض. كما أعاد بلاده إلى الساحة العربية، واستجلب الدعم السعودي الذي يشكّل الرافعة الأساسية له، فيما تقف تركيا خلفه بكل قوّتها ونفوذها.
وعرف الشرع كيف يوازن بين علاقته بالغرب ودول الخليج، مع عدم ابتعاده عن روسيا والصين في الوقت نفسه. فهو يريد بناء علاقات متوازنة، حتّى لا يبقى رهينة للدول الغربية وحسب.
ولكن هذا ليس بالأمر السهل. فهو يتوقّف أيضاً على إرادات الدول الإقليمية ومصالحها، من تركيا إلى إسرائيل، فالسعودية، وحتّى إيران. ولا يمكن أن يستوي الوضع السوري من دون تلاقي كلّ هذه المصالح، وهو أمر يبدو صعباً في الوقت الراهن.
وأمام الشرع ملفّات معقّدة في الداخل. فقد خلّف النظام السابق وراءه تركة ثقيلة من المشاكل الطائفية، ومن تحريض فئة على أخرى، ومن ممارسات فظيعة قام بها نظامه العلوي، ومن قمع وتصفيات، وثورة تحوّلت إلى حرب دامت 13 عاماً.
صحيح أنّ الحكم الجديد تمكّن حتّى الآن من وقف فتنٍ كانت ستشتعل في الساحل العلوي، ثمّ في السويداء الدرزية، إضافة إلى الملفّ الكردي الشائك، ولكن النار ما تزال تحت الرّماد.
فالاتّفاق الذي عُقد بين الحكومة السورية و”قوات سوريا الديموقراطية” ذات الغالبية الكردية في 10 آذار لم يُطبّق، وتتّجدد الاشتباكات بين حين وآخر بين الجانبين، في حين تواجه دمشق التحدّيات الماثلة في الميل إلى الحكم الذاتي. وما يصعّب حلّ الملف الكردي في الشمال السوري هو كونه موضع تجاذب بين دول عدّة، على رأسها تركيا، والولايات المتّحدة وروسيا أيضاً.
ولا تقتصر النزعات الانفصالية على الأكراد، بل تشمل أيضاً الدروز، وربّما العلويين الذين ما زالوا حتّى الآن يتحدّثون عن الموضوع بخجل. فالوضع في السويداء ليس مستقرّاً، في حين تستغلّه إسرائيل لمصلحتها، وتحذّر من المساس بأمن الطائفة الدرزية.
وبينما انطلقت في مرحلة سابقة مفاوضات سورية إسرائيلية، لكنّها ما لبثت أن تعرقلت وتوقّفت، بسبب الشروط الإسرائيلية التي لا تستطيع دمشق تحمّلها، مثل الاحتفاظ بالجولان والمناطق الجديدة التي دخلتها، وإنشاء منطقة عازلة. كما أنّ إسرائيل لا تريد الدخول في اتّفاق شامل مع بلد غير مستقرّ سياسيّاً.
إلى ذلك، فإنّ الجيش السوري يحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة وإلى تسليح. وهذا ما لن تسمح به إسرائيل، التي عمدت فور سقوط النظام السابق إلى تدمير أغلب منصّات الصواريخ ومعامل إنتاج السلاح. وإذا كانت واشنطن ستحجم عن تسليح سوريا، فلا يمكن للشرع أيضاً أن يتجاوز الغرب، ويجري صفقات تسلّح مع روسيا أو الصين.
لكن في المقابل، يمكن لسوريا أن تلعب دوراً تقليدياً في التوازن الأمني بين شرق المتوسط والعراق ولبنان، وأن توازن مع الدور الإيراني في المنطقة. كما أدّت سوريا الجديدة دوراً بارزاً في مكافحة المخدّرات، ويعوّل عليها في التعاون الإقليمي في ضبط الحدود وخطوط التهريب ومراقبة شبكات تمويل الجماعات المسلّحة.
أمّا على الصعيد الاقتصادي، فتختزن سوريا فرصاً كبيرة في مجال النفط والاستثمارات، وخصوصاً إعادة الإعمار. والدور السعودي سيكون محوريّاً في هذا المجال. وتبدو سوريا مؤهّلة لتصبح واحدة من أكبر أسواق إعادة الإعمار في العالم بعد الحرب. لكن الرياض لن تذهب لإعادة إعمار واسعة، إلا في ظل استقرار سياسي وأمني.
كما أنّ سوريا تُعتبر ممرّاً حيويّاً بين الخليج وتركيا وأوروبا، إذا ما تمّ إصلاح الطرق والمرافئ كمينائي طرطوس واللاذقية، وربط السكك الحديدية مع العراق والأردن وتركيا.
سوريا الآن هي أرض الفرص. فرئيسها يسعى إلى ربط علاقات بدول العالم، وإلى اجتذاب الاستثمارات. ولكن، كيف سيحلّ مشكلة الأقليّات والنزعات الانفصالية؟ وكيف سيسيطر على الأمن في أنحاء البلاد الواسعة؟ وكيف سيحسن التعاون مع دول الجوار، والتنسيق بين مصالح الدول المتناقضة؟
بعد عام على سقوط نظام الأسد، تبقى الساحة السورية شديدة الهشاشة. ولن تصطلح ما لم يكن هناك حلّ شامل لكل المنطقة، ترضى عنه إسرائيل وتركيا والسعودية، وطبعاً الولايات المتّحدة.
خاص- سوريا الجديدة: خيط رفيع بين الفوضى أو التحوّل إلى قوّة إقليمية

بعد عام على سقوط نظام الأسد في سوريا، وتسلّم أحمد الشرع السلطة، تبقى البلاد معلّقة على خيط رفيع بين أن تعود قوّة إقليمية كبيرة، وتصبح بلداً مزدهراً، أو أن تنهار تحت وطأة المشاكل الكثيرة التي تعترضها، سواء في التوصّل إلى تسوية داخلية، أو في بناء قدراتها العسكرية، أو على صعيد تمتين علاقاتها الدولية والإقليمية، وتعزيز الاقتصاد.
ما تحقّق في عام على يد الرئيس السوري الجديد يُعتبر عملاقاً. فقد اجتذب دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشخصي، وكان أوّل رئيس سوري يزور البيت الأبيض. كما أعاد بلاده إلى الساحة العربية، واستجلب الدعم السعودي الذي يشكّل الرافعة الأساسية له، فيما تقف تركيا خلفه بكل قوّتها ونفوذها.
وعرف الشرع كيف يوازن بين علاقته بالغرب ودول الخليج، مع عدم ابتعاده عن روسيا والصين في الوقت نفسه. فهو يريد بناء علاقات متوازنة، حتّى لا يبقى رهينة للدول الغربية وحسب.
ولكن هذا ليس بالأمر السهل. فهو يتوقّف أيضاً على إرادات الدول الإقليمية ومصالحها، من تركيا إلى إسرائيل، فالسعودية، وحتّى إيران. ولا يمكن أن يستوي الوضع السوري من دون تلاقي كلّ هذه المصالح، وهو أمر يبدو صعباً في الوقت الراهن.
وأمام الشرع ملفّات معقّدة في الداخل. فقد خلّف النظام السابق وراءه تركة ثقيلة من المشاكل الطائفية، ومن تحريض فئة على أخرى، ومن ممارسات فظيعة قام بها نظامه العلوي، ومن قمع وتصفيات، وثورة تحوّلت إلى حرب دامت 13 عاماً.
صحيح أنّ الحكم الجديد تمكّن حتّى الآن من وقف فتنٍ كانت ستشتعل في الساحل العلوي، ثمّ في السويداء الدرزية، إضافة إلى الملفّ الكردي الشائك، ولكن النار ما تزال تحت الرّماد.
فالاتّفاق الذي عُقد بين الحكومة السورية و”قوات سوريا الديموقراطية” ذات الغالبية الكردية في 10 آذار لم يُطبّق، وتتّجدد الاشتباكات بين حين وآخر بين الجانبين، في حين تواجه دمشق التحدّيات الماثلة في الميل إلى الحكم الذاتي. وما يصعّب حلّ الملف الكردي في الشمال السوري هو كونه موضع تجاذب بين دول عدّة، على رأسها تركيا، والولايات المتّحدة وروسيا أيضاً.
ولا تقتصر النزعات الانفصالية على الأكراد، بل تشمل أيضاً الدروز، وربّما العلويين الذين ما زالوا حتّى الآن يتحدّثون عن الموضوع بخجل. فالوضع في السويداء ليس مستقرّاً، في حين تستغلّه إسرائيل لمصلحتها، وتحذّر من المساس بأمن الطائفة الدرزية.
وبينما انطلقت في مرحلة سابقة مفاوضات سورية إسرائيلية، لكنّها ما لبثت أن تعرقلت وتوقّفت، بسبب الشروط الإسرائيلية التي لا تستطيع دمشق تحمّلها، مثل الاحتفاظ بالجولان والمناطق الجديدة التي دخلتها، وإنشاء منطقة عازلة. كما أنّ إسرائيل لا تريد الدخول في اتّفاق شامل مع بلد غير مستقرّ سياسيّاً.
إلى ذلك، فإنّ الجيش السوري يحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة وإلى تسليح. وهذا ما لن تسمح به إسرائيل، التي عمدت فور سقوط النظام السابق إلى تدمير أغلب منصّات الصواريخ ومعامل إنتاج السلاح. وإذا كانت واشنطن ستحجم عن تسليح سوريا، فلا يمكن للشرع أيضاً أن يتجاوز الغرب، ويجري صفقات تسلّح مع روسيا أو الصين.
لكن في المقابل، يمكن لسوريا أن تلعب دوراً تقليدياً في التوازن الأمني بين شرق المتوسط والعراق ولبنان، وأن توازن مع الدور الإيراني في المنطقة. كما أدّت سوريا الجديدة دوراً بارزاً في مكافحة المخدّرات، ويعوّل عليها في التعاون الإقليمي في ضبط الحدود وخطوط التهريب ومراقبة شبكات تمويل الجماعات المسلّحة.
أمّا على الصعيد الاقتصادي، فتختزن سوريا فرصاً كبيرة في مجال النفط والاستثمارات، وخصوصاً إعادة الإعمار. والدور السعودي سيكون محوريّاً في هذا المجال. وتبدو سوريا مؤهّلة لتصبح واحدة من أكبر أسواق إعادة الإعمار في العالم بعد الحرب. لكن الرياض لن تذهب لإعادة إعمار واسعة، إلا في ظل استقرار سياسي وأمني.
كما أنّ سوريا تُعتبر ممرّاً حيويّاً بين الخليج وتركيا وأوروبا، إذا ما تمّ إصلاح الطرق والمرافئ كمينائي طرطوس واللاذقية، وربط السكك الحديدية مع العراق والأردن وتركيا.
سوريا الآن هي أرض الفرص. فرئيسها يسعى إلى ربط علاقات بدول العالم، وإلى اجتذاب الاستثمارات. ولكن، كيف سيحلّ مشكلة الأقليّات والنزعات الانفصالية؟ وكيف سيسيطر على الأمن في أنحاء البلاد الواسعة؟ وكيف سيحسن التعاون مع دول الجوار، والتنسيق بين مصالح الدول المتناقضة؟
بعد عام على سقوط نظام الأسد، تبقى الساحة السورية شديدة الهشاشة. ولن تصطلح ما لم يكن هناك حلّ شامل لكل المنطقة، ترضى عنه إسرائيل وتركيا والسعودية، وطبعاً الولايات المتّحدة.












