هل تكرّس الدولة الاستثناء قاعدة من خلال سابقة تمديد “براءة الذمة” لشركتي “ألفا” و “تاتش”؟

تخوض نقابة موظفي شركتَي الاتصالات “ألفا” و “تاتش”، من خلال تصدّيها للمرسوم 1628 الصادر بتاريخ 24 تشرين الأول الماضي، معركة عمال وموظفي لبنان المسجّلين في الضمان الاجتماعي عمومًا. فالمرسوم الحكومي، الذي قضى بتمديد مهل براءتي ذمة الشركتين التابعتين للدولة لسنة إضافية، استثناهما دون سائر المؤسسات التي تعاني تعثرًا في تسوية أوضاع موظفيها. ولكن تطبيقه، يمهّد لسابقة من شأنها تحويل الاستثناء قاعدة، خصوصًا أن الهيئات الاقتصادية تلقفته للمطالبة بمساواتها في تطبيق المرسوم تحت عنوان “وحدة التشريع”. وعينها اليوم على المسار الذي سيتخذه الطعن به أمام مجلس شورى الدولة، ليُبنى على الشيء مقتضاه.
المفارقة أن الحكومة اتخذت قرار التمديد لبراءتي الذمة، مع أنه رفض من كلّ من: الضمان الاجتماعي، إدارتي “ألفا” و “تاتش”، الموظفين، والاتحاد العمالي العام. فمضت بنشره في الجريدة الرسمية، ليصبح مرسومًا نافذًا، لولا التصدّي له بالسبل القانونية. فماذا في التفاصيل؟
في الأسبوع الماضي انتهت صلاحية براءتي الذمة المعطاة من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لكل من “ألفا” و “تاتش” بناء لعملية تفتيش شاملة جرت في العام 2024، وأكّدت التزامهما سابقًا بموجباتهما تجاه حقوق الموظفين. بالتزامن، تقدّمت هيئة القضايا في وزارة العدل بمرافعتها عن قرار الحكومة إلى مجلس شورى الدولة، ردًّا على مضمون طعنين قدّمهما كلّ من نقابة موظفي الشركتين، والاتحاد العمالي العام، طلبا وقف تنفيذ مرسوم الحكومة القاضي بتمديد هذه البراءة، لأنه كما تبين “ذمّة الشركتين ليست خالية من المخالفات”.
وديعة القرم كبرت ككرة ثلج
في خلفية المساعي التي جرت لتوريط الحكومة بطلب التمديد، يتبيّن أن وزارة الاتصالات ورثت المشكلة منذ عهد الوزير السابق جوني القرم. فالأخير امتنع عن تسوية أوضاع موظفين استحقوا تعويضاتهم في عهده، بذريعة أن سداد المبالغ على أساس سعر الصرف الرسمي سيُرتب على الخزينة أعباء ضخمة، خصوصًا تجاه ذوي الرواتب المرتفعة.
إلّا أن المفارقة، وفق مصدر معنيّ في شركتَي الخليوي، أن القرم لم يعدل بين الموظفين، وبتدخل سياسي، كسر قراره بنفسه، وأمر بصرف تعويضات لسبعة موظفين على الأقلّ. وهذا ما أثار شبهات حول التمييز والمحاباة والتسييس في التعاطي بملفات الموظفين.
عندما تسلّم الوزير شارل الحاج الوزارة كانت المشكلة قد تراكمت. فارتأى الأخير الاحتكام إلى وزارة العمل. وبالتنسيق بين الوزارتين رفع الأمر إلى مجلس الوزراء، لطلب تجديد براءة ذمة الشركتين، تجنبًا لخضوعهما لعملية تفتيش متجدّدة، خصوصًا أن تداعيات الأزمة تترافق مع صدور قانون يعيد ترتيب واقع الضمان.
لكن المسألة لم تمرّ بالسلاسة التي تمّ توقعها، رغم تأكيد الحكومة مرّتين قرارها، وتوجّهها إلى الإدارات المعنيّة، ولا سيّما وزارة المالية والجمارك اللبنانية، بضرورة الالتزام بتطبيقه.
فالمرسوم الذي صدر فتح شهية الهيئات الاقتصادية التي تعاني من أزمة أكبر في تسديد المستحقات. وهو ما استدعى تدخل الاتحاد العمالي العام على الخط، خشية ضغوطات تمارس على الحكومة لتعميم قراراتها، بما يهدر حقوق العمّال ويهدّد استقرار صندوق الضمان المالي.
الأزمة تتسع والأسمر يحذر: الضمان خط أحمر
يقول رئيس الاتحاد بشارة الأسمر لـ “نداء الوطن”: “نحن اليوم على مفترق طرق خطير. فإذا طُبّق المرسوم، وطالبت الهيئات الاقتصادية بوحدة التشريع، نكون قد ألحقنا ضررًا كبيرًا ليس فقط بحقوق العمال وإنما أيضًا بمجمل مالية الضمان”.
ما يزيد من هواجس الأسمر “أن الهيئات الاقتصادية لم تتأخر. بل بادرت مباشرة، وقبل صدور قرار مجلس شورى الدولة، إلى اجتماع مع وزارة المال، وطلبت منه، بصفته وزير الوصاية، بأن يطبّق عليها ما يطبق على شركتي ألفا وتاتش”. من هنا، يقول الأسمر: “نحن لا نتدخل بعمل القضاء، ولكن المطلوب قرار واضح من مجلس الشورى، يعيد تصويب الأمور”.
يشدّد رئيس الاتحاد العمالي بالمقابل، على أن “الضمان خط أحمر بالنسبة لكافة فئات الشعب، ولا يجوز أن يهدر تعب الطبقة العاملة بهذه الطريقة”. وإذ يوضح أن عدد المسجلين في الصندوق يصل إلى 430 ألف عامل وموظف، يلفت إلى أنه على عاتق هؤلاء تقع ضمانات نحو مليون و 600 ألف لبناني آخر. ويعتبر الأسمر أن أي مسّ بحقوق الموظف لا يمكن أن يسيء إلى هؤلاء فقط، وإنما يهدّد أيضًا ميزانية الضمان عمومًا. ويحذر من أن “أي محاولة للتوسّع بتطبيق القانون على الشركات الخاصة، سيتمّ التصدي له، سواء بالطرق القانونية أو غير القانونية”.
أزمة لا تنفصل عن انهيار قيمة العملة
إذًا، لا تنفصل أزمة تعويضات موظفي شركتي الخليوي في لبنان، عن الحالة العامة التي تسبّب فيها انهيار قيمة الليرة اللبنانية، والتي أدّت إلى زعزعة استقرار معظم المؤسسات، ومن بينها الضمان الاجتماعي. إلّا أنها ترتبط بشكل أساسيّ بإقرار الضمان، منذ بداية العام 2024، بدفع التعويضات وتسديد كلفة خدماتها، على سعر الصرف الرسمي للدولار المحدّد بـ 89 ألفًا وخمسمئة ليرة. في هذه المرحلة، استحق لمن تمّموا عشرين سنة من الخدمة سحب تعويضاتهم. فتهافت الموظفون من معظم المؤسسات لتقاضي مستحقاتهم، كردّ فعل على أزمة الليرة من جهة، وللإفلات من التعديلات المرتقبة على نظام الصندوق من جهة ثانية. وهذا ما ولّد حالة من “المنازعة” داخل المؤسّسات التي سعت إلى تأجيل الانفجار.
بين أرباح الشركتين وشكوى الموظفين… أين الحقيقة؟
في المقابل، استحق نحو مئة موظف في شركتي “ألفا” و “تاتش” التعويضات بين عامي 2024 و 2025. وفقًا للمعلومات، فإن أربعين موظفًا منهم تقريبًا اشتكوا لصندوق الضمان من عدم تسوية أوضاعهم من قبل إدارة الشركتين. وطبعًا السبب المعلن، أن الشركات غير قادرة على تسديد هذه المستحقات على أساس سعر الصرف المحدّد للدولار. وهذا الأمر مستغرب، وفقًا لنقيب موظفي الشركتين مارك عون، خصوصًا أن رواتب موظفي الشركتين مدولرة في الأساس، ولا يسجل في الشركتين أي تعثر ماليّ، لا بل أعلنت إدارتاهما عن أرباح حققتاها حتى في ظلّ الأزمة. وأي كلام يناقض ذلك وفقًا لعون، يجب أن يكون مبررًا بجردة حساب واضحة.
وانطلاقًا من هنا، طلبت نقابة موظفي الشركتين والاتحاد العمالي العام، وقف تنفيذ مرسوم الحكومة. وهما اليوم ينتظران القرار النهائيّ الذي سيتخذه مجلس شورى الدولة. علمًا أن الطرفين ليسا وحدهما في الساحة. بل انضمّ إليهما صندوق الضمان، من خلال القرار الذي اتخذه منذ مطلع شهر تشرين الثاني الماضي، وطلب أيضًا وقف تنفيذ المرسوم، إلى حين البت بأساس المراجعة المقدّمة إلى مجلس شورى الدولة. وشدّد الصندوق على عدم منح أو تمديد أية براءة ذمة لشركتَي MIC1 و MIC2 والتقيّد بالمدّة المحدّدة، إلّا بعد تسديد كلّ شركة المبالغ المالية المتوجبة عليها، أو بعد تقسيطها، وفقًا للأصول المنصوص عنها في القوانين والأنظمة المرعيّة الإجراء. وأبلغ الضمان قراره إلى كلّ من وزارة العمل ووزارة المالية والمديرية العامة للجمارك.
المعدّات المستوردة “رهينة” أم “مطية”؟
هذا الواقع وضع مديرية الجمارك في موقف مربك. فالحكومة تصرّ على الالتزام بالمرسوم، فيما الضمان يرفض تصديق أي نسخة ممدَّدة من براءة الذمة. وفي الأثناء، تحدّثت معلومات عن وصول صفقة معدّات مستوردة لمصلحة شركة “تاتش”، بالتزامن مع انتهاء براءة ذمتها، وباتت عالقة في مرفأ بيروت رغم محاولات إخراجها من الرصيف ما استدعى اجتماعات عدّة مع المعنيين في الجمارك.
توازيًا، تخوّفت أوساط الموظفين، من محاولة الالتفاف على النزاع، لتمرير المعدّات قبل صدور قرار مجلس شورى الدولة، مؤكّدة أن الهدف من تصدّيها لذلك ليس عرقلة أي خطوة إصلاحية أو تطويرية في الشركتين، بل الخشية من استخدام الحاجة إلى هذه المعدّات “مطية” لإهدار حقوق الموظفين.
هيئة القضايا تكشف مقتضيات الدولة في التمديد للبراءات
في الشكل إذًا، قد يبدو قرار الحكومة بمثابة نزاع مع موظفي شركتي الخليوي والاتحاد العمالي العام والضمان الاجتماعي. إلّا أنه بحسب المعلومات، فإنه حتى إدارة الشركة ترغب في تسوية أوضاع موظفيها ليقبضوا تعويضاتهم. خصوصًا أن تداعيات تعطيل دفع تعويضات نهاية الخدمة لمئات الموظفين، تتجاوز الأزمة القانونية وحقوق العمّال ومالية الصندوق الوطني للضمان، إلى التسبّب في إرباك داخلي في الشركتين، اللتين تحتاجان إلى استيراد المعدات في تطوير خدمة الاتصالات، وهو ما عكسه أيضًا ردّ هيئة القضايا في وزارة العدل، على دعوى الطعن المرفوعة أمام مجلس شورى الدولة.
يعلَّل مرسوم الحكومة في الردّ الذي تمكّنت “نداء الوطن” من الاطلاع عليه، بالسلطة التقديرية التي تعطيها القوانين لمجلس الوزراء كي يمدّد براءات الذمة للشركات “عند الاقتضاء”. وقد حدّدت هيئة القضايا هذا الاقتضاء بأن “أعمال تفتيش الشركتين من قبل موظفي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي قد تستغرق وقتًا طويلًا نسبيًا، وأن عمليات الاستيراد التي تحتاج إلى براءة ذمة لا تحتمل التأخير، كونه يؤثر على توسيع شبكة الاتصالات وتحسين جودتها، ما ينعكس سلبًا على تطوير خدمات المواطنين، وعلى موارد الخزينة العامة”.
لم تبرز هذه المقتضيات بالطبع في الماضي، عندما كانت عمليات التفتيش تجري بسلاسة أمّنتها تسوية أوضاع الموظفين بشكل منتظم. وهذا ما يضع جوهر المشكل في المقتضى الآخر الذي ذكرته هيئة القضايا في تعليلها للمرسوم، وهو “أن التمديد لبراءات الذمة يمهّد لإصدار القوانين التي ترعى موضوع تسوية تعويضات نهاية الخدمة”.
الجهة الطاعنة تردّ
ردّت نقابة عمال موظفي شركتي الخليوي على هذا التعليل بتأكيدها احترام مجريات وآليات الاعتراض والطعن أمام مجلس شورى الدولة، والقضاة الذين يشكّلون ضمانةً للعدالة. وتمنت على الجميع إعلاء المصلحة الوطنية في صون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والحفاظ على دوره الحيوي في منظومة الحماية الاجتماعية التي أُنشئ لأجلها.
هذا في وقت تبدو هذه المنظومة مهدّدة اليوم لأسباب عديدة. وقد شرح نقيب الموظفين مارك عون لـ “نداء الوطن” المعاناة التي خلفها الواقع المربك لدى من بلغوا سن التقاعد خصوصًا. فبالنسبة لشركتي الخليوي تحديدًا، “هم متروكون حاليًا من دون أي ضمانات اجتماعية أو صحية. ومن بين هؤلاء من توفي وعائلته تحتاج لتعويضه، ومن استحق تعويض نهاية خدمته ووجد نفسه بلا أي دخل، مع أن جميعهم خدموا ويخدمون الشركة بـ “اللحم الحي”، وأدّوا واجباتهم بأصعب الظروف التي مرّ بها لبنان، وهذا ما أقرّ به وزير الاتصالات بنفسه”.
وشدّد عون أيضًا على أن أولوية من بلغوا سن التقاعد لا تعني التخلّي عن الحق المكتسب لكلّ من بلغ 20 سنة في وظيفته المضمونة. هذه الإشكالية التي يبدو أنها مشتركة في عدد كبير من المؤسسات، التي تتمنع إداراتها عن دفع التعويضات على سعر الصرف الرسمي.
يصرّ عون على انتظار قرار مجلس شورى الدولة لإنصاف العمال، من دون أي تدخل بالقضاء. معتبرًا أن خصم الموظفين في هذه القضية، ليست الدولة، بل هي الاستنسابية والمحسوبيات التي تسبّبت في اللاعدالة واللامساواة حتى داخل المؤسسة الواحدة. وإذا كان الوزير القرم قد أورث الوزير شارل الحاج هذه الأزمة، يقول عون “ثقتنا كبيرة بالأخير بأن ينصفنا كما أنصفنا بعقد العمل الجماعي”، مشدّدًا “على أن الحل بسيط، ولا يتطلب سوى إثبات النية بدفع التعويضات وفقًا لقانون الضمان، ونحن منفتحون على كلّ الحلول ومن بينها تقسيط المبالغ”.
الأزمة إلى حلحلة؟
في الأثناء، ذكرت معلومات أن إدارة صندوق الضمان بدأت بتحضير التسويات لإرسالها إلى الموظفين. وكشف المدير العام للصندوق محمد كركي خلال استضافته في الأسبوع الماضي في برنامج “صار الوقت” ، عن خارطة طريق وضعت لتخطّي مجمل تداعيات الأزمة المالية على الصندوق وخدماته. ولفت إلى حلحلة بدأ يشهدها الصندوق على عدّة مستويات، كاشفًا أن عدد الذين تقدّموا بطلبات تعويض نهاية الخدمة بالنسبة لمجمل أعداد المضمونين خلال المرحلة الأخيرة بلغ 9400 موظف، بينما لم يتخط عدد الذين لم يتوصّلوا إلى تسوية مع مؤسساتهم الـ 461، وهذا يشكّل فقط 4.8 بالمئة من مجمل الطلبات.
وفي ما يتعلّق بالتعويضات، حدّد كركي الأطر من ضمن حلّ متكامل يتضمّن مشروع قانون لإعفاء كافة الديون المستحقة للضمان عن مرحلة ما قبل العام 2000. بالإضافة إلى تقديم الإعفاءات عن 85 % من غرامات التأخير، وتقسيط المستحقات على خمس سنوات للفترة الممتدة ما بين العامين 2000 و 2024.
وتحدّث كركي أيضًا عن محاولة استيعاب الأزمة الناتجة عن تهافت الموظفين الذين بلغوا عشرين سنة خدمة على تعويضاتهم. كاشفًا عن اقتراح يربط هذه التعويضات ببلوغ الموظف سن الـ 57، وهذا ما يعطي المؤسّسات برأيه مساحة لتقسيط المبالغ. بمقابل تمديد سن العمل وبالتالي التقاعد إلى 66.
وإذ لفت كركي إلى أنها ليست المرة الأولى التي يمرّ فيها لبنان وبالتالي الضمان بأزمة بسبب انهيار قيمة العملة، رأى أن الحلّ المستدام هو في إصدار المراسيم التطبيقية لقانون التقاعد والحماية الاجتماعية، وهذا يعني عمليًا التحوّل إلى مبدأ الراتب التقاعديّ.
العدالة لحماية منظومة الضمان والحقوق
ولكن الراتب التقاعدي “حلو بسويسرا” وفقًا لما تقوله مصادر الموظفين. وقرار تطبيقه بدءًا بالعام 2027 وفقًا لما ينصّ عليه القانون، لا ينصف من اقتطعت من رواتبهم مستحقات الضمان، كما أنه يتسبب في شرخ بين موظف تستحق له التعويضات لاحقًا، وآخر تستحق تعويضاته بعد سنة واحدة فقط. وهذا ما يجعل أوساط المضمونين تستنتج بأن “القانون الجديد يحتاج إلى إعادة دراسة ليكون منصفًا وعادلًا للجميع”.
في الخلاصة، يتبيّن أن أزمة براءة الذمة وتمديد مفعولها بالنسبة لشركتي “ألفا” و “تاتش” ليست تفصيلًا تقنيًا، بل عقدة تُلامس جوهر العلاقة بين المؤسسات وموظفيها وصندوق الضمان، وتكشف في الوقت نفسه عن دور الدولة التي يُفترض أن تكون حامية الحقوق، لا الطرف الذي يكرّس الاستنسابية أو يفتح الباب أمام سوابق تُهدّد منظومة الحماية الاجتماعية. فأي تراجع عن مبدأ المساواة واحترام موجبات الصندوق سيترك أثرًا يتجاوز شركتَي الخليوي إلى جسم الاقتصاد بأكمله. وانطلاقًا من هنا، لن يشكل قرار مجلس شورى الدولة حكمًا في طعنٍ إداري فحسب، بل إشارة واضحة إلى الوجهة التي ستسلكها منظومة ضمان حقوق العمال في لبنان مستقبلًا.
هل تكرّس الدولة الاستثناء قاعدة من خلال سابقة تمديد “براءة الذمة” لشركتي “ألفا” و “تاتش”؟

تخوض نقابة موظفي شركتَي الاتصالات “ألفا” و “تاتش”، من خلال تصدّيها للمرسوم 1628 الصادر بتاريخ 24 تشرين الأول الماضي، معركة عمال وموظفي لبنان المسجّلين في الضمان الاجتماعي عمومًا. فالمرسوم الحكومي، الذي قضى بتمديد مهل براءتي ذمة الشركتين التابعتين للدولة لسنة إضافية، استثناهما دون سائر المؤسسات التي تعاني تعثرًا في تسوية أوضاع موظفيها. ولكن تطبيقه، يمهّد لسابقة من شأنها تحويل الاستثناء قاعدة، خصوصًا أن الهيئات الاقتصادية تلقفته للمطالبة بمساواتها في تطبيق المرسوم تحت عنوان “وحدة التشريع”. وعينها اليوم على المسار الذي سيتخذه الطعن به أمام مجلس شورى الدولة، ليُبنى على الشيء مقتضاه.
المفارقة أن الحكومة اتخذت قرار التمديد لبراءتي الذمة، مع أنه رفض من كلّ من: الضمان الاجتماعي، إدارتي “ألفا” و “تاتش”، الموظفين، والاتحاد العمالي العام. فمضت بنشره في الجريدة الرسمية، ليصبح مرسومًا نافذًا، لولا التصدّي له بالسبل القانونية. فماذا في التفاصيل؟
في الأسبوع الماضي انتهت صلاحية براءتي الذمة المعطاة من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لكل من “ألفا” و “تاتش” بناء لعملية تفتيش شاملة جرت في العام 2024، وأكّدت التزامهما سابقًا بموجباتهما تجاه حقوق الموظفين. بالتزامن، تقدّمت هيئة القضايا في وزارة العدل بمرافعتها عن قرار الحكومة إلى مجلس شورى الدولة، ردًّا على مضمون طعنين قدّمهما كلّ من نقابة موظفي الشركتين، والاتحاد العمالي العام، طلبا وقف تنفيذ مرسوم الحكومة القاضي بتمديد هذه البراءة، لأنه كما تبين “ذمّة الشركتين ليست خالية من المخالفات”.
وديعة القرم كبرت ككرة ثلج
في خلفية المساعي التي جرت لتوريط الحكومة بطلب التمديد، يتبيّن أن وزارة الاتصالات ورثت المشكلة منذ عهد الوزير السابق جوني القرم. فالأخير امتنع عن تسوية أوضاع موظفين استحقوا تعويضاتهم في عهده، بذريعة أن سداد المبالغ على أساس سعر الصرف الرسمي سيُرتب على الخزينة أعباء ضخمة، خصوصًا تجاه ذوي الرواتب المرتفعة.
إلّا أن المفارقة، وفق مصدر معنيّ في شركتَي الخليوي، أن القرم لم يعدل بين الموظفين، وبتدخل سياسي، كسر قراره بنفسه، وأمر بصرف تعويضات لسبعة موظفين على الأقلّ. وهذا ما أثار شبهات حول التمييز والمحاباة والتسييس في التعاطي بملفات الموظفين.
عندما تسلّم الوزير شارل الحاج الوزارة كانت المشكلة قد تراكمت. فارتأى الأخير الاحتكام إلى وزارة العمل. وبالتنسيق بين الوزارتين رفع الأمر إلى مجلس الوزراء، لطلب تجديد براءة ذمة الشركتين، تجنبًا لخضوعهما لعملية تفتيش متجدّدة، خصوصًا أن تداعيات الأزمة تترافق مع صدور قانون يعيد ترتيب واقع الضمان.
لكن المسألة لم تمرّ بالسلاسة التي تمّ توقعها، رغم تأكيد الحكومة مرّتين قرارها، وتوجّهها إلى الإدارات المعنيّة، ولا سيّما وزارة المالية والجمارك اللبنانية، بضرورة الالتزام بتطبيقه.
فالمرسوم الذي صدر فتح شهية الهيئات الاقتصادية التي تعاني من أزمة أكبر في تسديد المستحقات. وهو ما استدعى تدخل الاتحاد العمالي العام على الخط، خشية ضغوطات تمارس على الحكومة لتعميم قراراتها، بما يهدر حقوق العمّال ويهدّد استقرار صندوق الضمان المالي.
الأزمة تتسع والأسمر يحذر: الضمان خط أحمر
يقول رئيس الاتحاد بشارة الأسمر لـ “نداء الوطن”: “نحن اليوم على مفترق طرق خطير. فإذا طُبّق المرسوم، وطالبت الهيئات الاقتصادية بوحدة التشريع، نكون قد ألحقنا ضررًا كبيرًا ليس فقط بحقوق العمال وإنما أيضًا بمجمل مالية الضمان”.
ما يزيد من هواجس الأسمر “أن الهيئات الاقتصادية لم تتأخر. بل بادرت مباشرة، وقبل صدور قرار مجلس شورى الدولة، إلى اجتماع مع وزارة المال، وطلبت منه، بصفته وزير الوصاية، بأن يطبّق عليها ما يطبق على شركتي ألفا وتاتش”. من هنا، يقول الأسمر: “نحن لا نتدخل بعمل القضاء، ولكن المطلوب قرار واضح من مجلس الشورى، يعيد تصويب الأمور”.
يشدّد رئيس الاتحاد العمالي بالمقابل، على أن “الضمان خط أحمر بالنسبة لكافة فئات الشعب، ولا يجوز أن يهدر تعب الطبقة العاملة بهذه الطريقة”. وإذ يوضح أن عدد المسجلين في الصندوق يصل إلى 430 ألف عامل وموظف، يلفت إلى أنه على عاتق هؤلاء تقع ضمانات نحو مليون و 600 ألف لبناني آخر. ويعتبر الأسمر أن أي مسّ بحقوق الموظف لا يمكن أن يسيء إلى هؤلاء فقط، وإنما يهدّد أيضًا ميزانية الضمان عمومًا. ويحذر من أن “أي محاولة للتوسّع بتطبيق القانون على الشركات الخاصة، سيتمّ التصدي له، سواء بالطرق القانونية أو غير القانونية”.
أزمة لا تنفصل عن انهيار قيمة العملة
إذًا، لا تنفصل أزمة تعويضات موظفي شركتي الخليوي في لبنان، عن الحالة العامة التي تسبّب فيها انهيار قيمة الليرة اللبنانية، والتي أدّت إلى زعزعة استقرار معظم المؤسسات، ومن بينها الضمان الاجتماعي. إلّا أنها ترتبط بشكل أساسيّ بإقرار الضمان، منذ بداية العام 2024، بدفع التعويضات وتسديد كلفة خدماتها، على سعر الصرف الرسمي للدولار المحدّد بـ 89 ألفًا وخمسمئة ليرة. في هذه المرحلة، استحق لمن تمّموا عشرين سنة من الخدمة سحب تعويضاتهم. فتهافت الموظفون من معظم المؤسسات لتقاضي مستحقاتهم، كردّ فعل على أزمة الليرة من جهة، وللإفلات من التعديلات المرتقبة على نظام الصندوق من جهة ثانية. وهذا ما ولّد حالة من “المنازعة” داخل المؤسّسات التي سعت إلى تأجيل الانفجار.
بين أرباح الشركتين وشكوى الموظفين… أين الحقيقة؟
في المقابل، استحق نحو مئة موظف في شركتي “ألفا” و “تاتش” التعويضات بين عامي 2024 و 2025. وفقًا للمعلومات، فإن أربعين موظفًا منهم تقريبًا اشتكوا لصندوق الضمان من عدم تسوية أوضاعهم من قبل إدارة الشركتين. وطبعًا السبب المعلن، أن الشركات غير قادرة على تسديد هذه المستحقات على أساس سعر الصرف المحدّد للدولار. وهذا الأمر مستغرب، وفقًا لنقيب موظفي الشركتين مارك عون، خصوصًا أن رواتب موظفي الشركتين مدولرة في الأساس، ولا يسجل في الشركتين أي تعثر ماليّ، لا بل أعلنت إدارتاهما عن أرباح حققتاها حتى في ظلّ الأزمة. وأي كلام يناقض ذلك وفقًا لعون، يجب أن يكون مبررًا بجردة حساب واضحة.
وانطلاقًا من هنا، طلبت نقابة موظفي الشركتين والاتحاد العمالي العام، وقف تنفيذ مرسوم الحكومة. وهما اليوم ينتظران القرار النهائيّ الذي سيتخذه مجلس شورى الدولة. علمًا أن الطرفين ليسا وحدهما في الساحة. بل انضمّ إليهما صندوق الضمان، من خلال القرار الذي اتخذه منذ مطلع شهر تشرين الثاني الماضي، وطلب أيضًا وقف تنفيذ المرسوم، إلى حين البت بأساس المراجعة المقدّمة إلى مجلس شورى الدولة. وشدّد الصندوق على عدم منح أو تمديد أية براءة ذمة لشركتَي MIC1 و MIC2 والتقيّد بالمدّة المحدّدة، إلّا بعد تسديد كلّ شركة المبالغ المالية المتوجبة عليها، أو بعد تقسيطها، وفقًا للأصول المنصوص عنها في القوانين والأنظمة المرعيّة الإجراء. وأبلغ الضمان قراره إلى كلّ من وزارة العمل ووزارة المالية والمديرية العامة للجمارك.
المعدّات المستوردة “رهينة” أم “مطية”؟
هذا الواقع وضع مديرية الجمارك في موقف مربك. فالحكومة تصرّ على الالتزام بالمرسوم، فيما الضمان يرفض تصديق أي نسخة ممدَّدة من براءة الذمة. وفي الأثناء، تحدّثت معلومات عن وصول صفقة معدّات مستوردة لمصلحة شركة “تاتش”، بالتزامن مع انتهاء براءة ذمتها، وباتت عالقة في مرفأ بيروت رغم محاولات إخراجها من الرصيف ما استدعى اجتماعات عدّة مع المعنيين في الجمارك.
توازيًا، تخوّفت أوساط الموظفين، من محاولة الالتفاف على النزاع، لتمرير المعدّات قبل صدور قرار مجلس شورى الدولة، مؤكّدة أن الهدف من تصدّيها لذلك ليس عرقلة أي خطوة إصلاحية أو تطويرية في الشركتين، بل الخشية من استخدام الحاجة إلى هذه المعدّات “مطية” لإهدار حقوق الموظفين.
هيئة القضايا تكشف مقتضيات الدولة في التمديد للبراءات
في الشكل إذًا، قد يبدو قرار الحكومة بمثابة نزاع مع موظفي شركتي الخليوي والاتحاد العمالي العام والضمان الاجتماعي. إلّا أنه بحسب المعلومات، فإنه حتى إدارة الشركة ترغب في تسوية أوضاع موظفيها ليقبضوا تعويضاتهم. خصوصًا أن تداعيات تعطيل دفع تعويضات نهاية الخدمة لمئات الموظفين، تتجاوز الأزمة القانونية وحقوق العمّال ومالية الصندوق الوطني للضمان، إلى التسبّب في إرباك داخلي في الشركتين، اللتين تحتاجان إلى استيراد المعدات في تطوير خدمة الاتصالات، وهو ما عكسه أيضًا ردّ هيئة القضايا في وزارة العدل، على دعوى الطعن المرفوعة أمام مجلس شورى الدولة.
يعلَّل مرسوم الحكومة في الردّ الذي تمكّنت “نداء الوطن” من الاطلاع عليه، بالسلطة التقديرية التي تعطيها القوانين لمجلس الوزراء كي يمدّد براءات الذمة للشركات “عند الاقتضاء”. وقد حدّدت هيئة القضايا هذا الاقتضاء بأن “أعمال تفتيش الشركتين من قبل موظفي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي قد تستغرق وقتًا طويلًا نسبيًا، وأن عمليات الاستيراد التي تحتاج إلى براءة ذمة لا تحتمل التأخير، كونه يؤثر على توسيع شبكة الاتصالات وتحسين جودتها، ما ينعكس سلبًا على تطوير خدمات المواطنين، وعلى موارد الخزينة العامة”.
لم تبرز هذه المقتضيات بالطبع في الماضي، عندما كانت عمليات التفتيش تجري بسلاسة أمّنتها تسوية أوضاع الموظفين بشكل منتظم. وهذا ما يضع جوهر المشكل في المقتضى الآخر الذي ذكرته هيئة القضايا في تعليلها للمرسوم، وهو “أن التمديد لبراءات الذمة يمهّد لإصدار القوانين التي ترعى موضوع تسوية تعويضات نهاية الخدمة”.
الجهة الطاعنة تردّ
ردّت نقابة عمال موظفي شركتي الخليوي على هذا التعليل بتأكيدها احترام مجريات وآليات الاعتراض والطعن أمام مجلس شورى الدولة، والقضاة الذين يشكّلون ضمانةً للعدالة. وتمنت على الجميع إعلاء المصلحة الوطنية في صون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والحفاظ على دوره الحيوي في منظومة الحماية الاجتماعية التي أُنشئ لأجلها.
هذا في وقت تبدو هذه المنظومة مهدّدة اليوم لأسباب عديدة. وقد شرح نقيب الموظفين مارك عون لـ “نداء الوطن” المعاناة التي خلفها الواقع المربك لدى من بلغوا سن التقاعد خصوصًا. فبالنسبة لشركتي الخليوي تحديدًا، “هم متروكون حاليًا من دون أي ضمانات اجتماعية أو صحية. ومن بين هؤلاء من توفي وعائلته تحتاج لتعويضه، ومن استحق تعويض نهاية خدمته ووجد نفسه بلا أي دخل، مع أن جميعهم خدموا ويخدمون الشركة بـ “اللحم الحي”، وأدّوا واجباتهم بأصعب الظروف التي مرّ بها لبنان، وهذا ما أقرّ به وزير الاتصالات بنفسه”.
وشدّد عون أيضًا على أن أولوية من بلغوا سن التقاعد لا تعني التخلّي عن الحق المكتسب لكلّ من بلغ 20 سنة في وظيفته المضمونة. هذه الإشكالية التي يبدو أنها مشتركة في عدد كبير من المؤسسات، التي تتمنع إداراتها عن دفع التعويضات على سعر الصرف الرسمي.
يصرّ عون على انتظار قرار مجلس شورى الدولة لإنصاف العمال، من دون أي تدخل بالقضاء. معتبرًا أن خصم الموظفين في هذه القضية، ليست الدولة، بل هي الاستنسابية والمحسوبيات التي تسبّبت في اللاعدالة واللامساواة حتى داخل المؤسسة الواحدة. وإذا كان الوزير القرم قد أورث الوزير شارل الحاج هذه الأزمة، يقول عون “ثقتنا كبيرة بالأخير بأن ينصفنا كما أنصفنا بعقد العمل الجماعي”، مشدّدًا “على أن الحل بسيط، ولا يتطلب سوى إثبات النية بدفع التعويضات وفقًا لقانون الضمان، ونحن منفتحون على كلّ الحلول ومن بينها تقسيط المبالغ”.
الأزمة إلى حلحلة؟
في الأثناء، ذكرت معلومات أن إدارة صندوق الضمان بدأت بتحضير التسويات لإرسالها إلى الموظفين. وكشف المدير العام للصندوق محمد كركي خلال استضافته في الأسبوع الماضي في برنامج “صار الوقت” ، عن خارطة طريق وضعت لتخطّي مجمل تداعيات الأزمة المالية على الصندوق وخدماته. ولفت إلى حلحلة بدأ يشهدها الصندوق على عدّة مستويات، كاشفًا أن عدد الذين تقدّموا بطلبات تعويض نهاية الخدمة بالنسبة لمجمل أعداد المضمونين خلال المرحلة الأخيرة بلغ 9400 موظف، بينما لم يتخط عدد الذين لم يتوصّلوا إلى تسوية مع مؤسساتهم الـ 461، وهذا يشكّل فقط 4.8 بالمئة من مجمل الطلبات.
وفي ما يتعلّق بالتعويضات، حدّد كركي الأطر من ضمن حلّ متكامل يتضمّن مشروع قانون لإعفاء كافة الديون المستحقة للضمان عن مرحلة ما قبل العام 2000. بالإضافة إلى تقديم الإعفاءات عن 85 % من غرامات التأخير، وتقسيط المستحقات على خمس سنوات للفترة الممتدة ما بين العامين 2000 و 2024.
وتحدّث كركي أيضًا عن محاولة استيعاب الأزمة الناتجة عن تهافت الموظفين الذين بلغوا عشرين سنة خدمة على تعويضاتهم. كاشفًا عن اقتراح يربط هذه التعويضات ببلوغ الموظف سن الـ 57، وهذا ما يعطي المؤسّسات برأيه مساحة لتقسيط المبالغ. بمقابل تمديد سن العمل وبالتالي التقاعد إلى 66.
وإذ لفت كركي إلى أنها ليست المرة الأولى التي يمرّ فيها لبنان وبالتالي الضمان بأزمة بسبب انهيار قيمة العملة، رأى أن الحلّ المستدام هو في إصدار المراسيم التطبيقية لقانون التقاعد والحماية الاجتماعية، وهذا يعني عمليًا التحوّل إلى مبدأ الراتب التقاعديّ.
العدالة لحماية منظومة الضمان والحقوق
ولكن الراتب التقاعدي “حلو بسويسرا” وفقًا لما تقوله مصادر الموظفين. وقرار تطبيقه بدءًا بالعام 2027 وفقًا لما ينصّ عليه القانون، لا ينصف من اقتطعت من رواتبهم مستحقات الضمان، كما أنه يتسبب في شرخ بين موظف تستحق له التعويضات لاحقًا، وآخر تستحق تعويضاته بعد سنة واحدة فقط. وهذا ما يجعل أوساط المضمونين تستنتج بأن “القانون الجديد يحتاج إلى إعادة دراسة ليكون منصفًا وعادلًا للجميع”.
في الخلاصة، يتبيّن أن أزمة براءة الذمة وتمديد مفعولها بالنسبة لشركتي “ألفا” و “تاتش” ليست تفصيلًا تقنيًا، بل عقدة تُلامس جوهر العلاقة بين المؤسسات وموظفيها وصندوق الضمان، وتكشف في الوقت نفسه عن دور الدولة التي يُفترض أن تكون حامية الحقوق، لا الطرف الذي يكرّس الاستنسابية أو يفتح الباب أمام سوابق تُهدّد منظومة الحماية الاجتماعية. فأي تراجع عن مبدأ المساواة واحترام موجبات الصندوق سيترك أثرًا يتجاوز شركتَي الخليوي إلى جسم الاقتصاد بأكمله. وانطلاقًا من هنا، لن يشكل قرار مجلس شورى الدولة حكمًا في طعنٍ إداري فحسب، بل إشارة واضحة إلى الوجهة التي ستسلكها منظومة ضمان حقوق العمال في لبنان مستقبلًا.











