دارين سليمان ولونا الشبل: صراع الظلّ داخل القصر

المصدر: المدن
13 كانون الأول 2025

في كلّ مرّة يشهد فيها النظام السوري أزمة أمنيّة أو حدثاً يعصف بثقة الحلفاء، تظهر على السطح حركة غير مرئيّة داخل دائرة السلطة الضيّقة. هذه الحركة، التي غالباً ما تبقى محجوبة عن الرأي العام، تكشف عن صراعات نفوذٍ، وتبدّلٍ في الولاءات، وإعادةِ تشكيلٍ لشبكات القوة التي تحيط ببشار الأسد.

وفي أعقاب استهداف مبنى الملحقية القنصلية الإيرانيّة في دمشق في نيسان/أبريل 2024، برزت روايات وتحليلات عديدة تشير إلى زلزالٍ سياسي داخل القصر، كان من أبرز تجلّياته انحسار نفوذ لونا الشبل وصعود دارين سليمان بصورة غير مسبوقة.

وعلى الرغم من غياب أيّ إعلان رسمي يحدّد المسؤوليات عمّا حدث أو يوضح أسباب التغييرات داخل بنية النظام، فأن تتبّع مسار الشخصيتين، الشبل وسليمان، يكشف عن خريطة ديناميات جديدة آخذة بالتشكّل، تتقاطع فيها الحسابات السوريّة والإيرانيّة مع صراعات الأجهزة الأمنيّة، وحاجة القصر إلى إعادة إنتاج صورته أمام الحلفاء والرأي العام الداخلي.

لونا الشبل

على مدى أكثر من عقد، مثّلت لونا الشبل إحدى أبرز الوجوه المدنية داخل بنية النظام السوري. فقد انتقلت من العمل الإعلامي إلى منصب المستشارة الرئيسية لبشار الأسد، وأصبحت إحدى الأدوات المحورية في صياغة خطاب السلطة بعد عام 2011. وبحكم قربها المباشر من الرئيس، حازت نفوذاً واسعاً في الملفات الإعلاميّة والسياسيّة، تجلّى في توجيه الإعلام الرسمي، وصياغة التصريحات، وترتيب الظهور الإعلامي للأسد.

غير أن هذا النفوذ بدأ يتعرّض لاهتزاز كبير عقب استهداف مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، الحدث الذي أسفر عن مقتل قيادات بارزة في الحرس الثوري الإيراني، وفتح الباب أمام أسئلة محرجة بشأن الثغرات الأمنيّة داخل العاصمة. ورغم عدم صدور أي اتهام رسمي، فإن تسريبات إعلاميّة ومعارضة بدأت تربط بين الضربة وبين إمكان تسريب معلومات حسّاسة سبقت الاجتماع الذي استهدفته إسرائيل.

وفي هذا السياق، برزت روايات عن اعتقال شقيقها، العميد ملهم الشبل، بعد أيام من القصف، على خلفية شبهات تتعلّق بالتواصل مع جهة خارجيّة أو تمرير معلومات استخباراتيّة. لم يقدّم النظام أي تعليق حول الحادثة، لكن الصمت الرسمي وتزامن الوقائع جعلا الخبر يتصدّر التحليلات المتداولة حول ما وُصف حينها بـ”الأزمة داخل القصر”.

وبعد الضربة، بدأ حضور لونا الشبل في الإعلام الرسمي يخفت تدريجياً، وتردّدت أحاديث عن خلافات داخلية وتقييدٍ لصلاحياتها، قبل أن ينتهي مسارها نهايةً مفاجئة بمقتلها.

رحلة صعود غير تقليدية

في مقابل أفول نجم لونا الشبل، كان هناك بروز هادئ لدارين سليمان التي شقّت طريقها داخل مؤسسات النظام بخطوات ثابتة. فمع بداية العقد الثالث، بدأ اسمها يظهر بشكل متكرر في المشهد العام السوري. وقد تسلّمت رئاسة الاتحاد الوطني لطلبة سوريا عام 2020، خلفاً لمحمد عمار ساعاتي، الذي خضع لعقوبات أميركية بتهم تتعلق بتجنيد طلاب لصالح ميليشيات موالية للنظام، وهو في الوقت نفسه زوج لونا الشبل. وقدّم النظام سليمان بوصفها “وجهاً إصلاحياً” للاتحاد، رغم أن المؤسسة ظلت تمارس دوراً سياسياً ــ أمنياً أكثر من كونها كياناً نقابياً تمثيلياً. ورأى مراقبون في هذا التغيير محاولة لامتصاص الانتقادات الدولية عبر استبدال شخصية مثيرة للجدل بوجه نسائي أقل ارتباطاً بالانتهاكات المعلنة.

دارين سليمان، ابنة ضابط متقاعد يدير “مؤسسة العرين الإنسانية”، التحقت مبكراً بدوائر القرار الطلابي، واستطاعت بناء شبكة علاقات واسعة داخل الجامعات، ما جعلها لاحقاً خياراً مناسباً أمام القصر لتعزيز السيطرة على الجيل الجامعي. كما أُدرج اسمها ضمن اللجنة المصغّرة للجنة الدستورية السورية عام 2019، في خطوة عكست أن موقعها يتجاوز حدود العمل الطلابي التقليدي.

لكنّ التحوّل الأكبر في مسارها جاء بعد تراجع الثقة بلونا الشبل إثر ضربة القنصلية الإيرانية في دمشق، وهو الظرف الذي وفّر للنظام فرصة مثالية لرفع مكانة دارين. فقد كانت تُعدّ من “نساء القصر”، قريبة من دوائر النفوذ، وإن لم تبلغ المكانة التي تمتعت بها الشبل. ووفق ما كشفه مصدر مطّلع لـ”المدن”، عمد الأسد إلى تعزيز موقع دارين عمداً لكسر جناح لونا وتغليب سليمان عليها، بعد صراع خفي ظلّ يدور بينهما لسنوات.

منذ ذلك الحين، بدأت دارين تظهر في اجتماعات تضم الأسد مباشرة، وتشارك في لقاءات رسمية بوصفها “الممثل الطلابي الأعلى”، إضافة إلى حضورها في محافل خارجية باعتبارها عضواً في اللجنة الدستورية (2019–2021). ومع اهتزاز موقع لونا داخل القصر، وجدت السلطة نفسها بحاجة إلى وجه نسائي بديل، مقبول لدى الإيرانيين، غير مثير للشكوك، وقادر على لعب دور تعبوي مؤثر داخل الجامعات.

وبعد عام 2024، حصلت دارين على مساحات أوسع في الإعلام الرسمي، وصلاحيات إضافية داخل مؤسسات الاتحاد، وحضوراً منتظماً في المناسبات الوطنية، إلى جانب إشارات واضحة من القصر إلى دعمها سياسياً. واعتبر مراقبون هذا المسار محاولة من بشار الأسد لإعادة صياغة مراكز الثقل النسائي داخل النظام، بعد أزمة الثقة التي ضربت فريق لونا الشبل.

تاريخ من التنافس

حصلت “المدن” من مصادر داخل الرئاسة السابقة، على معلومات تشير إلى أن العلاقة بين لونا الشبل ودارين سليمان لم تكن مستقرة منذ سنوات. فدارين، التي تمثّل الجيل التنظيمي الجديد داخل المؤسسات الشبابية، كانت تتقدّم تدريجياً داخل فضاءات ظلّت لوقت طويل تُعدّ جزءاً من دائرة تأثير لونا. ومع مرور الوقت، نشأت منافسة غير معلنة بين المرأتين على موقع “المرأة المقرّبة من القصر”، وهو موقع يحمل عادة دلالات تتجاوز البروتوكول إلى التأثير الفعلي داخل بنية القرار.

وبعد ضربة القنصلية الإيرانية، بدا أن الكفة تميل على نحو متسارع لصالح دارين. وبالرغم من أن النظام لا يقرّ صراحة بوجود خلافات أو صراعات داخلية، فإن تراجع ظهور لونا، وغيابها عن الاجتماعات، وتصاعد حضور دارين، ثم وفاة لونا المفاجئة ــ كلّها مؤشرات تراكمت لتشكّل صورة شبه مكتملة عن تغيّر جذري في دوائر النفوذ داخل القصر، وانتهاء مرحلة وبداية أخرى.

انتصار دارين في الصراع الطويل

مع نهاية عام 2024 وبداية 2025، كانت دارين سليمان قد تحوّلت إلى الاسم النسائي الأكثر حضوراً في محيط بشار الأسد. فقد أصبحت الواجهة الطلابية الأولى في البلاد، وقناة النظام الأساسية للتواصل مع الشباب، وممثلة سوريا في مسارات سياسية محددة. أمّا لونا الشبل، فقد خرجت من المعادلة نهائياً، تاركة فراغاً ملأته دارين بسرعة لافتة.

ورغم غياب أي إعلان رسمي يوضّح طبيعة هذا التحوّل، فإن حضور دارين بدا ــ مقارنة بلونا ــ أكثر قبولاً لدى المؤسسات ذات الارتباط الإيراني، ولدى الأجهزة الأمنية التي تسعى إلى وجوه “منضبطة” لا تُثير الشبهات. وهكذا ظهر صعود دارين كحلٍّ وسط بين رغبات القصر في تجديد واجهته النسائية، وبين حاجة الحليف الإيراني إلى شخصية موثوقة لا تشوبها الاتهامات أو الشكوك.

نهاية فصل وبداية آخر

كانت ضربة القنصلية لحظة كشفٍ صادمة، عرّت هشاشة الشبكات الداخلية داخل القصر، وأطلقت عملية واسعة لإعادة توزيع الثقة والسلطة. وفي سياق هذه العملية، خسرت لونا الشبل موقعها الذي راكمته على مدى سنوات، فيما ربحت دارين سليمان موقعاً كان يبدو حتى وقت قريب بعيداً عن متناولها.

ظهر القصر خلال تلك المرحلة بوصفه قادراً ــ ظاهرياً على الأقل ــ على إنتاج وجوه جديدة بالرغم من الأزمات المتلاحقة. وفي قلب هذا المشهد، شكّلت لونا ودارين محور صراع نفوذٍ يعكس طبيعة السلطة في سوريا: سلطة تُدار خلف الأبواب المغلقة، وتُعاد هندستها عند كل اهتزاز، سواء بفعل ضربة خارجيّة أو أزمة داخليّة.

انتهى زمن لونا الشبل بكل ما حمله من نفوذٍ وتأثيرٍ إعلامي، وبدأ زمن دارين سليمان كإحدى أبرز الوجوه الصاعدة في منظومة الأسد خلال تلك المرحلة. لكنّ تحوّلات الأعوام اللاحقة، وسقوط النظام وما تبعه من انهيار في بنية الحكم، أطاحت بالأسد ونسائه معاً، طاويةً بذلك صفحة كاملة من تاريخ النفوذ داخل القصر.

دارين سليمان ولونا الشبل: صراع الظلّ داخل القصر

المصدر: المدن
13 كانون الأول 2025

في كلّ مرّة يشهد فيها النظام السوري أزمة أمنيّة أو حدثاً يعصف بثقة الحلفاء، تظهر على السطح حركة غير مرئيّة داخل دائرة السلطة الضيّقة. هذه الحركة، التي غالباً ما تبقى محجوبة عن الرأي العام، تكشف عن صراعات نفوذٍ، وتبدّلٍ في الولاءات، وإعادةِ تشكيلٍ لشبكات القوة التي تحيط ببشار الأسد.

وفي أعقاب استهداف مبنى الملحقية القنصلية الإيرانيّة في دمشق في نيسان/أبريل 2024، برزت روايات وتحليلات عديدة تشير إلى زلزالٍ سياسي داخل القصر، كان من أبرز تجلّياته انحسار نفوذ لونا الشبل وصعود دارين سليمان بصورة غير مسبوقة.

وعلى الرغم من غياب أيّ إعلان رسمي يحدّد المسؤوليات عمّا حدث أو يوضح أسباب التغييرات داخل بنية النظام، فأن تتبّع مسار الشخصيتين، الشبل وسليمان، يكشف عن خريطة ديناميات جديدة آخذة بالتشكّل، تتقاطع فيها الحسابات السوريّة والإيرانيّة مع صراعات الأجهزة الأمنيّة، وحاجة القصر إلى إعادة إنتاج صورته أمام الحلفاء والرأي العام الداخلي.

لونا الشبل

على مدى أكثر من عقد، مثّلت لونا الشبل إحدى أبرز الوجوه المدنية داخل بنية النظام السوري. فقد انتقلت من العمل الإعلامي إلى منصب المستشارة الرئيسية لبشار الأسد، وأصبحت إحدى الأدوات المحورية في صياغة خطاب السلطة بعد عام 2011. وبحكم قربها المباشر من الرئيس، حازت نفوذاً واسعاً في الملفات الإعلاميّة والسياسيّة، تجلّى في توجيه الإعلام الرسمي، وصياغة التصريحات، وترتيب الظهور الإعلامي للأسد.

غير أن هذا النفوذ بدأ يتعرّض لاهتزاز كبير عقب استهداف مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، الحدث الذي أسفر عن مقتل قيادات بارزة في الحرس الثوري الإيراني، وفتح الباب أمام أسئلة محرجة بشأن الثغرات الأمنيّة داخل العاصمة. ورغم عدم صدور أي اتهام رسمي، فإن تسريبات إعلاميّة ومعارضة بدأت تربط بين الضربة وبين إمكان تسريب معلومات حسّاسة سبقت الاجتماع الذي استهدفته إسرائيل.

وفي هذا السياق، برزت روايات عن اعتقال شقيقها، العميد ملهم الشبل، بعد أيام من القصف، على خلفية شبهات تتعلّق بالتواصل مع جهة خارجيّة أو تمرير معلومات استخباراتيّة. لم يقدّم النظام أي تعليق حول الحادثة، لكن الصمت الرسمي وتزامن الوقائع جعلا الخبر يتصدّر التحليلات المتداولة حول ما وُصف حينها بـ”الأزمة داخل القصر”.

وبعد الضربة، بدأ حضور لونا الشبل في الإعلام الرسمي يخفت تدريجياً، وتردّدت أحاديث عن خلافات داخلية وتقييدٍ لصلاحياتها، قبل أن ينتهي مسارها نهايةً مفاجئة بمقتلها.

رحلة صعود غير تقليدية

في مقابل أفول نجم لونا الشبل، كان هناك بروز هادئ لدارين سليمان التي شقّت طريقها داخل مؤسسات النظام بخطوات ثابتة. فمع بداية العقد الثالث، بدأ اسمها يظهر بشكل متكرر في المشهد العام السوري. وقد تسلّمت رئاسة الاتحاد الوطني لطلبة سوريا عام 2020، خلفاً لمحمد عمار ساعاتي، الذي خضع لعقوبات أميركية بتهم تتعلق بتجنيد طلاب لصالح ميليشيات موالية للنظام، وهو في الوقت نفسه زوج لونا الشبل. وقدّم النظام سليمان بوصفها “وجهاً إصلاحياً” للاتحاد، رغم أن المؤسسة ظلت تمارس دوراً سياسياً ــ أمنياً أكثر من كونها كياناً نقابياً تمثيلياً. ورأى مراقبون في هذا التغيير محاولة لامتصاص الانتقادات الدولية عبر استبدال شخصية مثيرة للجدل بوجه نسائي أقل ارتباطاً بالانتهاكات المعلنة.

دارين سليمان، ابنة ضابط متقاعد يدير “مؤسسة العرين الإنسانية”، التحقت مبكراً بدوائر القرار الطلابي، واستطاعت بناء شبكة علاقات واسعة داخل الجامعات، ما جعلها لاحقاً خياراً مناسباً أمام القصر لتعزيز السيطرة على الجيل الجامعي. كما أُدرج اسمها ضمن اللجنة المصغّرة للجنة الدستورية السورية عام 2019، في خطوة عكست أن موقعها يتجاوز حدود العمل الطلابي التقليدي.

لكنّ التحوّل الأكبر في مسارها جاء بعد تراجع الثقة بلونا الشبل إثر ضربة القنصلية الإيرانية في دمشق، وهو الظرف الذي وفّر للنظام فرصة مثالية لرفع مكانة دارين. فقد كانت تُعدّ من “نساء القصر”، قريبة من دوائر النفوذ، وإن لم تبلغ المكانة التي تمتعت بها الشبل. ووفق ما كشفه مصدر مطّلع لـ”المدن”، عمد الأسد إلى تعزيز موقع دارين عمداً لكسر جناح لونا وتغليب سليمان عليها، بعد صراع خفي ظلّ يدور بينهما لسنوات.

منذ ذلك الحين، بدأت دارين تظهر في اجتماعات تضم الأسد مباشرة، وتشارك في لقاءات رسمية بوصفها “الممثل الطلابي الأعلى”، إضافة إلى حضورها في محافل خارجية باعتبارها عضواً في اللجنة الدستورية (2019–2021). ومع اهتزاز موقع لونا داخل القصر، وجدت السلطة نفسها بحاجة إلى وجه نسائي بديل، مقبول لدى الإيرانيين، غير مثير للشكوك، وقادر على لعب دور تعبوي مؤثر داخل الجامعات.

وبعد عام 2024، حصلت دارين على مساحات أوسع في الإعلام الرسمي، وصلاحيات إضافية داخل مؤسسات الاتحاد، وحضوراً منتظماً في المناسبات الوطنية، إلى جانب إشارات واضحة من القصر إلى دعمها سياسياً. واعتبر مراقبون هذا المسار محاولة من بشار الأسد لإعادة صياغة مراكز الثقل النسائي داخل النظام، بعد أزمة الثقة التي ضربت فريق لونا الشبل.

تاريخ من التنافس

حصلت “المدن” من مصادر داخل الرئاسة السابقة، على معلومات تشير إلى أن العلاقة بين لونا الشبل ودارين سليمان لم تكن مستقرة منذ سنوات. فدارين، التي تمثّل الجيل التنظيمي الجديد داخل المؤسسات الشبابية، كانت تتقدّم تدريجياً داخل فضاءات ظلّت لوقت طويل تُعدّ جزءاً من دائرة تأثير لونا. ومع مرور الوقت، نشأت منافسة غير معلنة بين المرأتين على موقع “المرأة المقرّبة من القصر”، وهو موقع يحمل عادة دلالات تتجاوز البروتوكول إلى التأثير الفعلي داخل بنية القرار.

وبعد ضربة القنصلية الإيرانية، بدا أن الكفة تميل على نحو متسارع لصالح دارين. وبالرغم من أن النظام لا يقرّ صراحة بوجود خلافات أو صراعات داخلية، فإن تراجع ظهور لونا، وغيابها عن الاجتماعات، وتصاعد حضور دارين، ثم وفاة لونا المفاجئة ــ كلّها مؤشرات تراكمت لتشكّل صورة شبه مكتملة عن تغيّر جذري في دوائر النفوذ داخل القصر، وانتهاء مرحلة وبداية أخرى.

انتصار دارين في الصراع الطويل

مع نهاية عام 2024 وبداية 2025، كانت دارين سليمان قد تحوّلت إلى الاسم النسائي الأكثر حضوراً في محيط بشار الأسد. فقد أصبحت الواجهة الطلابية الأولى في البلاد، وقناة النظام الأساسية للتواصل مع الشباب، وممثلة سوريا في مسارات سياسية محددة. أمّا لونا الشبل، فقد خرجت من المعادلة نهائياً، تاركة فراغاً ملأته دارين بسرعة لافتة.

ورغم غياب أي إعلان رسمي يوضّح طبيعة هذا التحوّل، فإن حضور دارين بدا ــ مقارنة بلونا ــ أكثر قبولاً لدى المؤسسات ذات الارتباط الإيراني، ولدى الأجهزة الأمنية التي تسعى إلى وجوه “منضبطة” لا تُثير الشبهات. وهكذا ظهر صعود دارين كحلٍّ وسط بين رغبات القصر في تجديد واجهته النسائية، وبين حاجة الحليف الإيراني إلى شخصية موثوقة لا تشوبها الاتهامات أو الشكوك.

نهاية فصل وبداية آخر

كانت ضربة القنصلية لحظة كشفٍ صادمة، عرّت هشاشة الشبكات الداخلية داخل القصر، وأطلقت عملية واسعة لإعادة توزيع الثقة والسلطة. وفي سياق هذه العملية، خسرت لونا الشبل موقعها الذي راكمته على مدى سنوات، فيما ربحت دارين سليمان موقعاً كان يبدو حتى وقت قريب بعيداً عن متناولها.

ظهر القصر خلال تلك المرحلة بوصفه قادراً ــ ظاهرياً على الأقل ــ على إنتاج وجوه جديدة بالرغم من الأزمات المتلاحقة. وفي قلب هذا المشهد، شكّلت لونا ودارين محور صراع نفوذٍ يعكس طبيعة السلطة في سوريا: سلطة تُدار خلف الأبواب المغلقة، وتُعاد هندستها عند كل اهتزاز، سواء بفعل ضربة خارجيّة أو أزمة داخليّة.

انتهى زمن لونا الشبل بكل ما حمله من نفوذٍ وتأثيرٍ إعلامي، وبدأ زمن دارين سليمان كإحدى أبرز الوجوه الصاعدة في منظومة الأسد خلال تلك المرحلة. لكنّ تحوّلات الأعوام اللاحقة، وسقوط النظام وما تبعه من انهيار في بنية الحكم، أطاحت بالأسد ونسائه معاً، طاويةً بذلك صفحة كاملة من تاريخ النفوذ داخل القصر.

مزيد من الأخبار

مزيد من الأخبار