إدانةٌ بـ «رمزيةٍ سياسية» لاعتداء سيدني والعيْن على ما بعده

– إسرائيل كثّفت استهدافاتها ضد عناصر من «حزب الله» عشية استقبال برّاك
– مَخاوف في لبنان من أن تتحوّل «مجزرة بوندي» ذريعة لتقريب الحرب
حَمَلَتْ الإدانةُ التي أعلنها رئيس الجمهورية العماد جوزف عون «للاعتداء الذي وقع في مدينة سيدني الأسترالية» وتأكيده دور لبنان «موطناً لكل اعتدال وعدالة وسلام بين كل البشر»، معاني ما فوق إنسانية بدت مُدجَّجَةً بأبعاد سياسية لا يمكن عَزْلها عن الهوامش الجديدة التي «تصنعها» بيروت لنفسها في رسْم خياراتِها وموقعها في «الشرق الجديد» وسبل توسيع حزام الأمان الذي تسعى إلى إقامته تجنيباً لاقتيادِ البلاد إلى فم «حرب أخيرة» كأنها «حزام ناسف» يُلف حولها و… غَصْباً عنها.
ففي الوقت الذي كانت التحريات في بيروت تَنشط بعد الظهر في محاولةٍ لتبيان الخيط الأبيض من الأسود من تقارير على مواقع التواصل الاجتماعي رَبَطَتْ لبنان بـ«مجزرة بوندي» سواء عبر أحد المنفّذين (جرى التداول باسم خالد النابلسي على أنه من صيدا أو محلة أبي سمراء – طرابلس) أو «البطل بالأبيض» الذي انقضّ على نافيد أكرم وذُكر أن اسمه أحمد الأحمد، تردّدت في الكواليس السياسية والديبلوماسية أصداء الإدانة السريعة وغير المسبوقة التي أعلنها الرئيس عون للاعتداء.
عون… إدانة بلغة السلام
ففي بيانه، أكد عون «أن القِيَمَ الإنسانية، وفي طليعتها قيمة الحق في الحياة، هي مبادئ عالمية ثابتة، غير خاضعة للاستنساب ولا للمزاجية أو الاجتزاء»، وقال: «فكما ندين ونرفض الاعتداء على أي مدني بريء في غزة أو في جنوب لبنان أو في أي منطقة من العالم، كذلك بالمبدأ والواجب نفسيهما، ندين ما حصل في سيدني».
وشدد الرئيس اللبناني على «أن مسؤولية هذه المآسي تقع على منظومات نَشْرِ أفكار الكراهية والتطرف ورفْض الآخر والسعي بالعنف إلى قيام أنظمة الأحاديات الدينية أو العرقية أو السياسية، تماماً كما تقع على ما يغذي تلك السياقات من ظواهر ظلم وقهر وغياب للعدالة في عالمنا الراهن».
وخَتَمَ عون بدعوة العالم «للتوقف عند خلفيات وأبعاد هذه الكوارث، والعمل على مكافحة الإرهاب بمواجهة شاملة لمرتكبيه كما لأفكاره وعقوله وذرائعه كافة، وهو ما كان لبنان وسيظلّ في طليعة المجنّدين له: مكافحاً دؤوباً لكل تطرف، وموطناً لكل اعتدال وعدالة وسلام بين كل البشر».
مظلة حماية؟
وتَعاطَتْ أوساط مطلعة باهتمامٍ بالِغ أمام «البيان الرئاسي» ربطاً بأمرين:
– الأول أنه بدا من الصعب عزْله عن المناخات الجديدة الـ«ما فوق العسكرية» التي باتت تخيّم على التفاوض اللبناني – الإسرائيلي عبر لجنة الإشراف الخماسية على تطبيق اتفاق وقف النار (27 نوفمبر 2024) وبرعاية أميركية مباشرة والتي ساهمتْ في «تنفيس طنجرة ضغط» أوشكت أن تنفجر حرباً متجدّدة على «بلاد الأرز» خلال هذا الشهر ربطاً بمآلات ملف سحب سلاح «حزب الله».
– والثاني أنه يمكن أن يشكّل، في مفاعيله وإن غير المباشرة، نوعاً من «مظلة الحماية» للبنان – الدولة في غمرة الخشية من أن يتحوّل اعتداء سيدني الإرهابي «ذريعة» إسرائيلية للتخلّي عن تريُّثها في إطلاق المواجهة الكبيرة مع «حزب الله» أو استهداف إيران مجدداً، مع ما يعنيه ذلك من إمكان «جذب» الحزب هذه المرة إلى «حلقة النار» الإيرانية المباشرة، وخصوصاً في ضوء الإشارات السبّاقة التي صدرت من تل أبيب وغمزت من ارتباط الهجوم بطهران، أو بالحزب بوصفه رداً على اغتيالها رئيس أركانه هيثم الطبطبائي في الضاحية الجنوبية قبل نحو 3 أسابيع.
ولم يقلّ إثارة للمَخاوف حتى السيناريو الذي وَضَعَ الاعتداءَ في إطار تعبيراتِ تَصاعُدِ معاداةِ السامية بعد «طوفان الأقصى»، وهو الأمر الذي يُخشى أن «تستفيد» منه إسرائيل لمحاولة ترميم صورتها التي اهتزّت في العالم في ضوء ارتكاباتها في غزة، وتالياً «تذخير» المراحل التي تعتبر أنها مازالت «غير منجَزة» بما في ذلك وربما خصوصاً على «جبهة لبنان».
إسرائيل تصعّد
ولم يكن عابراً أن تكثّف إسرائيل استهدافاتها لعناصر وكوادر من «حزب الله» بالتوازي مع اعتداءاتها «الروتينية» على جرافات وآلات حفر في أكثر من منطقة جنوبية، وهي أعلنت استهداف 3 من الحزب في كل من ياطر وصفد البطيخ وجويا زاعمة أنهم «كانوا متورطين في محاولات لإعادة إعمار بنى تحتية إرهابية تابعة للحزب».
وجاء تكثيف الاعتداءات عشية جولةٍ يفترض أن يقوم بها الجيش اللبناني في الساعات المقبلة لأكثر من 60 شخصية عربية وأجنبية، بينهم دبلوماسيون وسفراء وملحقون عسكريون لمعاينة منطقة جنوب الليطاني التي تُسابِقُ موعداً هو نهاية الشهر الجاري لإنهاء سحب سلاح حزب الله منها وفق الخطة المُمَرْحَلة التي تبنّتها حكومة الرئيس نواف سلام في 5 سبتمبر إنفاذاً لقرارها في 5 أغسطس بحصر السلاح في يد الدولة اللبنانية.
من إسرائيل إلى إيران
وصارت هذه المهلة بمثابة «حدّ فاصل» بين مرحلتين، جنوب الليطاني وشماله، وبين «يوميات نار» لم تتوقف منذ 27 نوفمبر 2024 وبين تصعيد كبير تلوّح به إسرائيل على قاعدة أن مسار الحرب مع «حزب الله» منفصل عن مسار التفاوض مع لبنان الرسمي الذي تَعتبر أنه ليس بإمكانه إنجاز تفكيك ترسانة الحزب شمال النهر ما دام الأخير يجاهر بأنه لن يسلّم سلاحه «ولو أطبقت السماء على الأرض واجتمع كل العالم في حرب ضدّنا».
وفي الوقت الذي كانت الأنظارُ على زيارة المبعوث الأميركي توم برّاك لإسرائيل اليوم حيث أشارتْ تقاريرُ عبرية إلى أنه سيبحث مع بنيامين نتنياهو «منْع التصعيد مع لبنان والتوصل لتفاهمات مع سورية»، رفع «حزب الله» مستوى «التحدي» في ملف سحب سلاحه حيث أعلن ممثله في طهران عبدالله صفيّ الدين (شقيق الأمين العام السابق هاشم صفي الدين الذي اغتالته إسرائيل في أكتوبر 2024) أمام مستشار المرشد الأعلى في إيران للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي «أن الحزب اليوم أقوى من أي وقت وهو مستعد للدفاع عن وحدة أراضي لبنان وشعبه ولن يضع سلاحه بأي حال من الأحوال، وعلى الكيان الصهيوني وداعموه أن يعلموا أن الحزب متى ما قرر سيردّ بحزم».
واعتبرت أوساط متابعة هذا الموقف بمثابة رسالةٍ برسْم الدولة اللبنانية يُخشى أن تعمّق «الحَفْرَ» تحت أقدام مُفاوِضيها – سواء في الميكانيزم أو عبر الميدان الديبلوماسي – الساعين إلى تجنيب البلاد حرباً طاحنة جديدة، كما أنه إشارة تَشَدُّد إيرانية في لحظةٍ فاصلة في الإقليم.
وفي موازاة ذلك، برز ما نقلته القناة 12 الإسرائيلية عن مسؤول أمني عبري من أن تل أبيب «وجّهت إلى الحكومة اللبنانية، عبر وسطاء أميركيين، رسالة مفادها أن التعاون بين حزب الله والجيش في لبنان غير مقبول»، وذلك بعد تلقيها ما وصفه بـ«أدلة» على تنسيق بين الطرفين.
وبحسب المسؤول، ورغم هذه الأدلة، أرجأت إسرائيل ضربة كانت تستهدف بلدة يانوح جنوب لبنان ضد بنية تحتية لحزب الله، بعدما أصدرت تحذيرات للسكان بالابتعاد عن مبنى وُضع «برسم التدمير» بعدما كان الجيش اللبناني دخله وفَتَّشه بمؤازرة «اليونيفيل» بموجب «شكوى» من لجنة «الميكانيزم»، في أول تحركٍ معلَن يشمل أملاك مدنيين وكان الجيش يتحفّظ عنه وهو ما أثار حفيظة تل أبيب وواشنطن مراراً.
يانوح… إلغاء التهديد «حالياً»
وتعليقاً على حادثةِ يانوح التي انتهت إلى «إلغاء التهديد» ضد المبنى «حالياً»، أعلنت قيادة الجيش أنه «بتاريخ 13 / 12 / 2025، في إطار التنسيق بين المؤسسة العسكرية ولجنة الـ(Mechanism) واليونيفيل، أجرى الجيش تفتيشاً دقيقاً لأحد المباني في بلدة يانوح بموافقة مالكه، فتبين عدم وجود أي أسلحة أو ذخائر داخل المبنى. وبعدما غادر الجيش المكان، وفي سياق الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، وَرَد تهديد بقصف المنزل نفسه، فحضرت على الفور دورية من الجيش وأعادت تفتيشه دون العثور على أي أسلحة أو ذخائر، فيما بقيت الدورية متمركزة في محيط المنزل منعاً لاستهدافه».
وإذ أكدت قيادة الجيش أنها «تقدّر عالياً ثقة الأهالي بالمؤسسة العسكرية، ووقوفهم إلى جانبه وتعاونهم أثناء أدائه لواجبه الوطني»، أعربت «عن شكرها العميق للجنة الإشراف على اتفاق وقف الأعمال العدائية التي قامت بالاتصالات اللازمة بالتنسيق مع قيادة الجيش، وأدت دوراً أساسياً من أجل وقف تنفيذ التهديد».
وأضافت أن «القيادة تنحني أمام الجهود الجبارة والتضحيات التي يبذلها العسكريون في مواجهة ظروف استثنائية في صعوبتها ودقتها، حفاظاً على سلامة أهلهم وذوداً عنهم، ما أدى إلى إلغاء التهديد في الوقت الحالي، في حين لايزال عناصر الجيش متمركزين في محيط المنزل حتى الساعة».
ولفتت قيادة الجيش إلى أن «هذه الحادثة تثبت أكثر من أي وقت أن السبيل الوحيد لصون الاستقرار هو توحيد الجهود والتضامن الوطني الجامع مع الجيش، والالتزام بالقرار 1701 واتفاق وقف الأعمال العدائية، بالتنسيق مع الـ(Mechanism) وقوة اليونيفيل، في مرحلة صعبة تستلزم أقصى درجات الوعي والمسؤولية».
إدانةٌ بـ «رمزيةٍ سياسية» لاعتداء سيدني والعيْن على ما بعده

– إسرائيل كثّفت استهدافاتها ضد عناصر من «حزب الله» عشية استقبال برّاك
– مَخاوف في لبنان من أن تتحوّل «مجزرة بوندي» ذريعة لتقريب الحرب
حَمَلَتْ الإدانةُ التي أعلنها رئيس الجمهورية العماد جوزف عون «للاعتداء الذي وقع في مدينة سيدني الأسترالية» وتأكيده دور لبنان «موطناً لكل اعتدال وعدالة وسلام بين كل البشر»، معاني ما فوق إنسانية بدت مُدجَّجَةً بأبعاد سياسية لا يمكن عَزْلها عن الهوامش الجديدة التي «تصنعها» بيروت لنفسها في رسْم خياراتِها وموقعها في «الشرق الجديد» وسبل توسيع حزام الأمان الذي تسعى إلى إقامته تجنيباً لاقتيادِ البلاد إلى فم «حرب أخيرة» كأنها «حزام ناسف» يُلف حولها و… غَصْباً عنها.
ففي الوقت الذي كانت التحريات في بيروت تَنشط بعد الظهر في محاولةٍ لتبيان الخيط الأبيض من الأسود من تقارير على مواقع التواصل الاجتماعي رَبَطَتْ لبنان بـ«مجزرة بوندي» سواء عبر أحد المنفّذين (جرى التداول باسم خالد النابلسي على أنه من صيدا أو محلة أبي سمراء – طرابلس) أو «البطل بالأبيض» الذي انقضّ على نافيد أكرم وذُكر أن اسمه أحمد الأحمد، تردّدت في الكواليس السياسية والديبلوماسية أصداء الإدانة السريعة وغير المسبوقة التي أعلنها الرئيس عون للاعتداء.
عون… إدانة بلغة السلام
ففي بيانه، أكد عون «أن القِيَمَ الإنسانية، وفي طليعتها قيمة الحق في الحياة، هي مبادئ عالمية ثابتة، غير خاضعة للاستنساب ولا للمزاجية أو الاجتزاء»، وقال: «فكما ندين ونرفض الاعتداء على أي مدني بريء في غزة أو في جنوب لبنان أو في أي منطقة من العالم، كذلك بالمبدأ والواجب نفسيهما، ندين ما حصل في سيدني».
وشدد الرئيس اللبناني على «أن مسؤولية هذه المآسي تقع على منظومات نَشْرِ أفكار الكراهية والتطرف ورفْض الآخر والسعي بالعنف إلى قيام أنظمة الأحاديات الدينية أو العرقية أو السياسية، تماماً كما تقع على ما يغذي تلك السياقات من ظواهر ظلم وقهر وغياب للعدالة في عالمنا الراهن».
وخَتَمَ عون بدعوة العالم «للتوقف عند خلفيات وأبعاد هذه الكوارث، والعمل على مكافحة الإرهاب بمواجهة شاملة لمرتكبيه كما لأفكاره وعقوله وذرائعه كافة، وهو ما كان لبنان وسيظلّ في طليعة المجنّدين له: مكافحاً دؤوباً لكل تطرف، وموطناً لكل اعتدال وعدالة وسلام بين كل البشر».
مظلة حماية؟
وتَعاطَتْ أوساط مطلعة باهتمامٍ بالِغ أمام «البيان الرئاسي» ربطاً بأمرين:
– الأول أنه بدا من الصعب عزْله عن المناخات الجديدة الـ«ما فوق العسكرية» التي باتت تخيّم على التفاوض اللبناني – الإسرائيلي عبر لجنة الإشراف الخماسية على تطبيق اتفاق وقف النار (27 نوفمبر 2024) وبرعاية أميركية مباشرة والتي ساهمتْ في «تنفيس طنجرة ضغط» أوشكت أن تنفجر حرباً متجدّدة على «بلاد الأرز» خلال هذا الشهر ربطاً بمآلات ملف سحب سلاح «حزب الله».
– والثاني أنه يمكن أن يشكّل، في مفاعيله وإن غير المباشرة، نوعاً من «مظلة الحماية» للبنان – الدولة في غمرة الخشية من أن يتحوّل اعتداء سيدني الإرهابي «ذريعة» إسرائيلية للتخلّي عن تريُّثها في إطلاق المواجهة الكبيرة مع «حزب الله» أو استهداف إيران مجدداً، مع ما يعنيه ذلك من إمكان «جذب» الحزب هذه المرة إلى «حلقة النار» الإيرانية المباشرة، وخصوصاً في ضوء الإشارات السبّاقة التي صدرت من تل أبيب وغمزت من ارتباط الهجوم بطهران، أو بالحزب بوصفه رداً على اغتيالها رئيس أركانه هيثم الطبطبائي في الضاحية الجنوبية قبل نحو 3 أسابيع.
ولم يقلّ إثارة للمَخاوف حتى السيناريو الذي وَضَعَ الاعتداءَ في إطار تعبيراتِ تَصاعُدِ معاداةِ السامية بعد «طوفان الأقصى»، وهو الأمر الذي يُخشى أن «تستفيد» منه إسرائيل لمحاولة ترميم صورتها التي اهتزّت في العالم في ضوء ارتكاباتها في غزة، وتالياً «تذخير» المراحل التي تعتبر أنها مازالت «غير منجَزة» بما في ذلك وربما خصوصاً على «جبهة لبنان».
إسرائيل تصعّد
ولم يكن عابراً أن تكثّف إسرائيل استهدافاتها لعناصر وكوادر من «حزب الله» بالتوازي مع اعتداءاتها «الروتينية» على جرافات وآلات حفر في أكثر من منطقة جنوبية، وهي أعلنت استهداف 3 من الحزب في كل من ياطر وصفد البطيخ وجويا زاعمة أنهم «كانوا متورطين في محاولات لإعادة إعمار بنى تحتية إرهابية تابعة للحزب».
وجاء تكثيف الاعتداءات عشية جولةٍ يفترض أن يقوم بها الجيش اللبناني في الساعات المقبلة لأكثر من 60 شخصية عربية وأجنبية، بينهم دبلوماسيون وسفراء وملحقون عسكريون لمعاينة منطقة جنوب الليطاني التي تُسابِقُ موعداً هو نهاية الشهر الجاري لإنهاء سحب سلاح حزب الله منها وفق الخطة المُمَرْحَلة التي تبنّتها حكومة الرئيس نواف سلام في 5 سبتمبر إنفاذاً لقرارها في 5 أغسطس بحصر السلاح في يد الدولة اللبنانية.
من إسرائيل إلى إيران
وصارت هذه المهلة بمثابة «حدّ فاصل» بين مرحلتين، جنوب الليطاني وشماله، وبين «يوميات نار» لم تتوقف منذ 27 نوفمبر 2024 وبين تصعيد كبير تلوّح به إسرائيل على قاعدة أن مسار الحرب مع «حزب الله» منفصل عن مسار التفاوض مع لبنان الرسمي الذي تَعتبر أنه ليس بإمكانه إنجاز تفكيك ترسانة الحزب شمال النهر ما دام الأخير يجاهر بأنه لن يسلّم سلاحه «ولو أطبقت السماء على الأرض واجتمع كل العالم في حرب ضدّنا».
وفي الوقت الذي كانت الأنظارُ على زيارة المبعوث الأميركي توم برّاك لإسرائيل اليوم حيث أشارتْ تقاريرُ عبرية إلى أنه سيبحث مع بنيامين نتنياهو «منْع التصعيد مع لبنان والتوصل لتفاهمات مع سورية»، رفع «حزب الله» مستوى «التحدي» في ملف سحب سلاحه حيث أعلن ممثله في طهران عبدالله صفيّ الدين (شقيق الأمين العام السابق هاشم صفي الدين الذي اغتالته إسرائيل في أكتوبر 2024) أمام مستشار المرشد الأعلى في إيران للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي «أن الحزب اليوم أقوى من أي وقت وهو مستعد للدفاع عن وحدة أراضي لبنان وشعبه ولن يضع سلاحه بأي حال من الأحوال، وعلى الكيان الصهيوني وداعموه أن يعلموا أن الحزب متى ما قرر سيردّ بحزم».
واعتبرت أوساط متابعة هذا الموقف بمثابة رسالةٍ برسْم الدولة اللبنانية يُخشى أن تعمّق «الحَفْرَ» تحت أقدام مُفاوِضيها – سواء في الميكانيزم أو عبر الميدان الديبلوماسي – الساعين إلى تجنيب البلاد حرباً طاحنة جديدة، كما أنه إشارة تَشَدُّد إيرانية في لحظةٍ فاصلة في الإقليم.
وفي موازاة ذلك، برز ما نقلته القناة 12 الإسرائيلية عن مسؤول أمني عبري من أن تل أبيب «وجّهت إلى الحكومة اللبنانية، عبر وسطاء أميركيين، رسالة مفادها أن التعاون بين حزب الله والجيش في لبنان غير مقبول»، وذلك بعد تلقيها ما وصفه بـ«أدلة» على تنسيق بين الطرفين.
وبحسب المسؤول، ورغم هذه الأدلة، أرجأت إسرائيل ضربة كانت تستهدف بلدة يانوح جنوب لبنان ضد بنية تحتية لحزب الله، بعدما أصدرت تحذيرات للسكان بالابتعاد عن مبنى وُضع «برسم التدمير» بعدما كان الجيش اللبناني دخله وفَتَّشه بمؤازرة «اليونيفيل» بموجب «شكوى» من لجنة «الميكانيزم»، في أول تحركٍ معلَن يشمل أملاك مدنيين وكان الجيش يتحفّظ عنه وهو ما أثار حفيظة تل أبيب وواشنطن مراراً.
يانوح… إلغاء التهديد «حالياً»
وتعليقاً على حادثةِ يانوح التي انتهت إلى «إلغاء التهديد» ضد المبنى «حالياً»، أعلنت قيادة الجيش أنه «بتاريخ 13 / 12 / 2025، في إطار التنسيق بين المؤسسة العسكرية ولجنة الـ(Mechanism) واليونيفيل، أجرى الجيش تفتيشاً دقيقاً لأحد المباني في بلدة يانوح بموافقة مالكه، فتبين عدم وجود أي أسلحة أو ذخائر داخل المبنى. وبعدما غادر الجيش المكان، وفي سياق الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، وَرَد تهديد بقصف المنزل نفسه، فحضرت على الفور دورية من الجيش وأعادت تفتيشه دون العثور على أي أسلحة أو ذخائر، فيما بقيت الدورية متمركزة في محيط المنزل منعاً لاستهدافه».
وإذ أكدت قيادة الجيش أنها «تقدّر عالياً ثقة الأهالي بالمؤسسة العسكرية، ووقوفهم إلى جانبه وتعاونهم أثناء أدائه لواجبه الوطني»، أعربت «عن شكرها العميق للجنة الإشراف على اتفاق وقف الأعمال العدائية التي قامت بالاتصالات اللازمة بالتنسيق مع قيادة الجيش، وأدت دوراً أساسياً من أجل وقف تنفيذ التهديد».
وأضافت أن «القيادة تنحني أمام الجهود الجبارة والتضحيات التي يبذلها العسكريون في مواجهة ظروف استثنائية في صعوبتها ودقتها، حفاظاً على سلامة أهلهم وذوداً عنهم، ما أدى إلى إلغاء التهديد في الوقت الحالي، في حين لايزال عناصر الجيش متمركزين في محيط المنزل حتى الساعة».
ولفتت قيادة الجيش إلى أن «هذه الحادثة تثبت أكثر من أي وقت أن السبيل الوحيد لصون الاستقرار هو توحيد الجهود والتضامن الوطني الجامع مع الجيش، والالتزام بالقرار 1701 واتفاق وقف الأعمال العدائية، بالتنسيق مع الـ(Mechanism) وقوة اليونيفيل، في مرحلة صعبة تستلزم أقصى درجات الوعي والمسؤولية».












